رجاء يا أمريكان… لا تفرضوا عقوباتكم على سموتريتش!!
عبد السلام بنعيسي
تطالعنا من حين لآخر أخبار غريبة ومحيرة. واحد من هذه الأخبار العجيبة والغريبة التي تفاجأنا بها مؤخرا هو ذلك الخبر الذي يشير إلى كون الولايات المتحدة الأمريكية تدرس احتمالية فرض عقوبات على وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش رئيس حزب الصهيونية الدينية اليميني المتطرف، بسبب ما تسميه واشنطن ”أنشطته لتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية”.
البيت الأبيض الذي يدرس إمكانية فرض عقوبات على سموتريتش، من المقرر أن يستقبل رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو الذي يتوجه بداية هذا الأسبوع إلى واشنطن حيث يلتقي الرئيس الأمريكي جو بايدن، ويلقي كلمة أمام الكونغرس الأمريكي. ومن المتوقع أن تتم مقاطعة كلمة نتنياهو، لمرات عديدة، بالتصفيقات الحارة، ومن المؤكد أن النواب الأمريكيين سينهضون واقفين، لمرات متتالية، ليطبلوا لزائرهم هذا، وسيحتفون به أكثر مما يفعلونه مع رؤساء دولتهم الذين يحاسبونهم حسابا عسيرا على كل كبيرة وصغيرة.
سموتريتش ليس شخصا يملك دكانا ويفتحه لحسابه، إنه عضو في حكومة يقودها نتنياهو، وما يفعله بصفته وزير المالية، يتم بموافقة رئيس الوزراء وبالتنسيق معه، ومبدأ التضامن الحكومي جارٍ به العمل في كل أرجاء المعمورة، فكيف يعقل أن يكون رئيس الوزراء محلَّ الترحيب بحفاوة مبالغ فيها من طرف الحكومة والكونغرس في واشنطن، في حين يقع الترويج لنا، بأن وزير ماليته قد يتعرض لعقوبات أمريكية؟ هل هذا معقول؟ أين المنطق في هذا التصرف؟ ألسنا أمام تناقض فاضح؟؟
ثم هل يتوقف الأمر في الكيان الصهيوني على شخص سموتريتش ومعه رديفه ابن غفير؟ وهل الذنب المقترف الذي يستوجب ” العقوبات الأمريكية” الموعودة هو مجرد ” أنشطة استيطانية”؟ أليست هناك أفعال صهيونية أخرى جرت وتجري في غزة والضفة، وتستدعي هي أيضا المحاسبة؟ ألا يوجد قتل وتهجير وتعطيش وتجويع للشعب الفلسطيني؟ ألا يمارس التعذيب الوحشي من طرف الجلادين الصهاينة على الأسرى الفلسطينيين؟ ألم يتم هدم الأبراج السكنية فوق رؤوس قاطنيها ودفنهم أحياء تحت الأنقاض؟ ألم تسوَّ بالأرض المدارس والجامعات والمساجد والمستشفيات، والأسواق، والطرقات، ومحطات إنتاج وتوزيع الماء والكهرباء؟ ألم تتحول معظم مدينة غزة وضواحيها إلى أطلال بسبب القصف المدمر الذي طالها كلها بواسطة الطيران الإسرائيلي؟
وهل سموتريتش وابن غفير المسؤولان بمفردهما عن هذا الدمار الذي يلفُّ القطاع مع ما يرافقه من آلام وفواجع للفلسطينيين؟ هل هما دون غيرهما الأحق بالعقوبات الأمريكية، إن كانت هناك عقوبات حقا؟ ماذا عن نتنياهو، وباقي أعضاء حكومته، وقادة جيشه، ومخابراته؟ أليسوا مسؤولين هم كذلك عما وقع ويقع للفلسطينيين من مجازر ومذابح تقشعر لها الأبدان، ولم يعد الناس العاديون يقوون على مشاهدة حتى صور تلك المذابح في شاشات الفضائيات وفي مواقع التواصل الاجتماعي، لهولها ولفظاعتها التي تجاوزت كل الحدود؟
ليس سموتريتش وحده المذنب في حق الشعب الفلسطيني، وكذلك ابن غفير، وننتنياهو، وهاليفي، وغالانت… إسرائيل التي بطبيعتها دولة عنصرية محتلة لأرض غيرها، وترفض الانصياع لقرارات الشرعية الدولية، كلها مذنبة في حق الشعب الفلسطيني، وفي حق محيطها العربي والإسلامي. كل قادتها السابقون المنتخبون من طرف قاعدتهم الانتخابية، أياديهم ملطخة بالدماء الفلسطينية والعربية. ولو كان في هذا العالم عدالة فعلية، لباتت إسرائيل دولة منبوذة، ومحاصرة، وفُرضت عليها عقوبات قاسية من طرف المجتمع الدولي، ولتمَّ إجبارها على تسليم حكامها لمحكمة الجنايات الدولية، للزج بهم في السجون باعتبارهم سفاحين ومجرمي حرب.
أمريكا هي التي تمول وتسلح الكيان الصهيوني لكي يقترف كل هذه الموبقات ضد الفلسطينيين، وهي التي تغطي جرائمه وتحميها بالفيتو في مجلس الأمن، وأن تبادر واشنطن إلى الإعلان عن دراسة إمكانية فرض عقوبات على سموتريتش، هذا الإعلان بمثابة عملية ذرٍّ للرماد في العيون. أمريكا هي إسرائيل، وإسرائيل هي أمريكا. وكل محاولة للقفز على هذه الحقيقة هي بمثابة ضحك على الذقون.
عندما تقاتل المقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية والعراقية، مدعومة بالجمهورية العربية السورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، الكيان الصهيوني، فإنها تدرك أنها تقاتل، أمريكا ومعها الغرب، من خلفه. تعلم المقاومة أن المعركة شاقة ومكلفة، ولكنها عقدت العزم على خوضها، والانتصار فيها، والدليل هو أن المقاومة لا تزال صامدة تستنزف القوات الصهيونية لما يقارب العشرة أشهر. مقاومة تتصدى للعدو المدعوم أمريكيا وغربيا، والمدجج بأحدث الأسلحة، كل هذه المدة وتُفشل جميع خططه، وتحبط كافة أهدافه، لاشك أنها مقاومة قوية وواثقة في نفسها ومتأكدة من قدرتها على تحقيق النصر.
رجاء، لا تفرضوا عقوباتكم على سموتريتش وابن غفير. نحن لا نريدها ولا ننتظرها منكم. استمروا في نفس تحيزكم إلى الكيان الصهيوني ودعمكم اللامشروط له، فكما سيتم اقتلاعه من فلسطين، بفضل ضربات المقاومة الباسلة، ستطردون أنتم أيضا معه من المنطقة، من طرف هذه المقاومة التي تشكل التعبير الصادق عن الوجدان العربي الإسلامي تجاهكم. هذا هو القرار الذي استقر عليه عزم أبناء الأمة العربية والإسلامية، بصرف النظر عن موقف حكامها المطبعين المتواطئين، وغير المطبعين المتفرجين.