حول دونية المرأة

حول دونية المرأة

زبيدة بورحيل

     مفاهيم الدونية تجاه المرأة هي جزء من مفاهيم تسود في مختلف المجتمعات سواء حول المرأة أو حول الرجل أو حولهما معا بصفتهما ينتميان إلى ثقافة مغايرة لمن يروج تلك المفاهيم  ويتداولها ويكررها وكأنها حقيقة واقعية لا دال فيها. فنحن نعرف بعض النعوت التي تلتصق ببعض الشعوب مثلا: الكسل، البلادة، البخل، الكرم.. بل نجد بعض النعوت غير المرتكزة على تمحيص أو استقراء موضوعي تنتشر في ذات البلد، بين منطقة وأخرى منه.

   إن الإنسان بطبيعته ينفر من الأشياء غير الواضحة وغير المفهومة والغريبة عن ما اعتاد عليه فيلجأ إلى تفسيرات لا ترتكز على أي أساس من الصحة. ومفاهيم مثل: المرأة ضلعة عوجاء، المرأة ناقصة عقل ودين، المرأة أفعى، المرأة صديقة الشيطان.. ألخ إنما  تدل على قصور وعجز عن فهم بعض السلوكات الصادرة عنها أو الخوف منها فالشيء الغريب غالبا ما يثير الخوف لدى من يصادفه، وتلك المفاهيم تندرج في نفس الإطار الذي تندرج فيه أحكامنا تجاه الشعوب مخالفة لثقافتنا وتخضع لميكانيزم الخوف والاستعصاء على الفهم.

   وكل من امرأة والرجل لهما صقلت بيولوجية مختلفة، وهي ما يكون كنه وجودهما الفيزيائي، غير أن تلك الاختلافات لا يقبلها الطرفان كجزء من هويتهما وتثير لدى كل منهما الريبة والخوف والغرابة، وللاحتماء من هذا الشعور، وللدفاع عن “أمنهما”  الداخلي يلجأن إما لتقديس ظاهرة ما أو تبخيسها بل تنجيسها – مثلا ظاهرة الحيض، الولادة، الحمل .. – الإطلاع على ثقافات الشعوب  يتيح لنا معرفة مدى اختلاف المفاهيم و المواقف تجاه نفس الظواهر بيولوجى أو طبيعية أو غيرها. 

   ويكفي أن أشير إلى أن  العقل الذي كان يعتقد أن الرياح مثلا هي تعبير عن غضب الآلهة فد تخلى عن هذا  الاعتقاد حين ارتقى إلى درجة أعلى من  المعرفة والعلم ولم يستطع بعد أن يتخلى عن المفاهيم والمعتقدات الملتصقة بالمرأة ، وبالتأكيد أنه مجال يصعب فيه تصحيح بعض المفاهيم أو التخلي عنها لأنه مجال يرتبط بالجانب الانفعالي لدى الإنسان، امرأة  أو رجل، ذلك المجال المرتبط بالشعور بالأمن، وبالخوف العميق من الفناء.

   الترويج لدونية المرأة أن لا نفصله عن الترويج -لفوقية- الرجل لأن كليهما يساهمان في ترويج النعوت المتبادلة بينهما شعوريا أو لا شعوريا، فالمرأة ذاتها ما تسمح وما تعفو عنه للرجل تعترض عليه أو تنفيه عن المرأة وهذه هي المفارقة.

   ومن البديهي أن موقفيهما هما نتاج ميرة تاريخية ثقافية معروفة تتجسد في تقسيم الأدوار بينهما وإعادة إنتاجها على مر العصور، وارتباط بعض النعوت والأوصاف بكل دور. ومن الطريف والمثمر أيضا أن نجد  داخل المغرب ذاته اختلاف بين مناطقه فيما يعتبر خاصا بالمرأة وما يعتبر خاصا بالرجل. ففي شمال المغرب فلا نجد أن النسج هو اختصاص الرجل، في حين أن صنع الأواني الطينية هو من اختصاص المرأة، بعكس ما يوجد في مناطق أخرى في جنوب المغرب.

   وأعتقد أن أمام كل من المرأة والرجل في المغرب مسيرة طويلة للتعرف على إمكانات كل منهما وقبول اختلافاتهما وتحديد مجالات هذه الاختلافات ومجالات تطابقها لا على أساس الفصل المرأة _ الرجل ولكن على أساس – الإنسان – وذلك للخروج من أزمة التبعية _ السيادة لا على مستوى الخطاب كما أصبح  شائعا بل على مستوى السلوك. ومتى على هذا المستوى ما زلنا نعاين حالات عديدة تستطيب فيها المرأة وضعية التبعية في مجالات معينة ترفضها في أخرى كما أن الرجل يستلذ بسيادة المرأة في مناحي ويرفضها لها في مناحي أخرى.

   وما يزيد الطين بلة كما يقول المثل العربي اي ما يزيد في تعقيد العلاقات بينهما واختلاط الرؤية وضبابيتها لدى كل منهما هو ما تحمله البيئة الاجتماعية من تناقضات وتباينات . التطور  والتغيير اللذان يتمان في مجتمعنا لا يحدث في كل المناطق وعلى كل المستويات بنفس الوثيرة ولا بنفس القوة المراة والرجل يعانيان من مخلفات الماضي وتعثر الحاضر وتناقضه كلنا نعرف الفروق بين البادية والمدينة حرمان العديد من التمدرس  ابتعاد كثير من المناطق عن رياح التغيير  اختلاف  المستويات التنموية من جهة أخرى.

   إننا نعاين اليوم حركة نشيطة في مجال ما يسمى بالتنمية. غير انه من المؤسف أن تلك التنمية لا تقتصر على بعد واحد منها وهو البعد الاقتصادي، يقدم على أساس أنه  المفتاح السحري الوحيد مع إغفال ضرورة تكامل واندماج عمليات أخرى على مستويات متعددة، اجتماعية، علمية، نفسية  تربوية.. أيكفي أن أملأ جيوبي نقودا حتى أعين إنسانيتي؟ أعتقد أن الإلحاح على تقديم التنمية في جانبها الاقتصادي فحسب لن يخفف أبدا من حدة التوترات  والتمزقات والحيرة بين ما سيدافع عنه وما سيمتحان عنه، ما سيجد وما سيشجب  لا على مستوى علاقة المرأة – الرجل  من تبعية أو سيادة أو غير ذلك فحسب بل على مستوى كل العلاقات التي نكون لحمة الحياة المجتمعية.

   ويبقى أمام المرأة العربية بوجه خاص القيام بجهد مضاعف على التبعية والدونية: من ناحية، أن تتحرر ذاتيا لأنها هي بدورها نتاج لبيئة  ثقافية مشبعة بالتنقيص من قدراتها وتبخيسها، ومن ناحية أخرى أن تحارب تلك المفاهيم قولا وفعلا في علاقاتها مع الآخر. ليس الأمر هينا بالتأكيد بل يستلزم منها شيئا من روح التضحية والأيمان بقضيتها والثبات.

   تبني المرأة لسلوك خارج عن ما هو سائد يتوقف على الهدف المقصود من هذا الخروج، يتوقف على قوة اقتناعها بذلك حتى يقتنع به الآخرون، وبالتأكيد يتوقف على قوة شخصية المرأة واتزانها. إن كل مجتمع يحتوي في بنياته الأساسية على عناصر المحافظة وعناصر التجديد، عناصر الحفاظ على ما هو قائم وعناصر رفضه أو تحويره أو تغيير مجراه واتجاهه، وأي خروج عن ما هو سائد يتطلب اتفاقان التعامل مع وسائل الدفع ووسائل الإحباط. هذا بوجه عام. فيما يخص حالة المرأة المغربية فإن ما نشاهده حاليا وقد أصبح سلوكا عاديا أو أخلاقيات سائدة كان في البداية مثار جدل وتحبيدا واستنكار، تدخلت الفتاوي، تدخلت الإشاعات والاغتيالات والحرمان من طرف الأهل أو الأقارب وكان أهونها الإسراع بتزويج الفتاة. كل هذا لم يصبح بعد في طي النسيان لأنه كما ذكر ى وثيرة التطور لا تحدث بنفس السرعة والإيقاع بين مختلف مناطق المغرب.

   كل هذا يحدث طبعا ضمن القاعدة المعروفة وهو أن كل خروج عن المألوف يثير الصخب والضجيج وينتهي بالخوف ويتعود عليه الآخرون. وأعتقد  أن كل سلوك يرتكز أساسا على مدى قناعة الفرد الصادقة بما يفعله أو ما يقوله من غير إيذاء الغير أو الوقوع في الأفعال الخرقاء. أما الضريبة التي يؤديها عن ذلك فتقع على عاتقه هو ولا يشاركه فيها أحد. إن في حيلة كل امرأة من الجيل السابق في مجتمعنا حكايات عديدة واجهت فيها المرأة دخولها عالم الرجل، وكما أسرت سابقا، أن من قواني الحياة التغيير والتحول وكل تغيير يصادف عقبات وعوائق ولكنه يحدث في النهاية. المشكل يوضع بعد ذلك لمن لا يؤمن بهذا  التغير رغم حضوره.

Visited 42 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

زبيدة بورحيل

كاتبة وباحثة في علم الاجتماع