مواساة في الحلم المغاربي المتآكل من ذاته!
د. محمد الشرقاوي
يأتي الحزن مضاعفا في حدّته ودلالته أيضا في نعي الدكتور مختار العبدلاوي الأستاذ في جامعة الحسن الثاني، ومؤسس مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية “مدى”، وأحد الباحثين الخلّص للوحدة المغاربية وإن تمزقت الجغرافيا، واحتضر التاريخ، وتصاعدت نعرات النفور والإقصاء.
كان أول لقاء جمعني بالراحل في جلسة فكرية مثيرة عام 2003 في ضيافة صديق يجد ضالته في الكتابة والنشر بعد أن هجر أو هجرتُه السياسة، وآخر يمثل نموذج الصحفي الحر، وإن حامت حوله الشبهات الضّالة وزجت به في السجن لمدة عام. وتوطّدت العلاقة الشخصية والفكرية بيني والدكتور العبدلاوي في السنوات اللاحقة ضمن نشاطه في مركز مدى وعقد مؤتمرات سنوية حول تحديات فكرة الوحدة المغاربية.
كانت لي أكثر من مشاركة عبر الأعوام. وفي إحدى تلك الندوات بفضل التعاون بين مركز مدى والمركز العربي فرع تونس، تناولت موضوع الخسارات الحاضرة والمكاسب الغائبة في السياق المغاربي”.. مشاركة عام آخر لي كانت حول موضوع “دور مراكز الأبحاث في التحول السياسي”، فضلا عن محاضرة حول “الترمبية: مشروع فلسفة سياسية في العلاقات الدولية المعاصرة”، دعاني لإلقائها في الدار البيضاء، وتعرفت وقتها على الأستاذة حياة درعي قوة الدفع الأخرى في نجاح مركز مدى.
الأهم من هذا كله هو التزام الراحل العبدلاوي فكرا وحماسة وعملا ميدانيا بالبحث عن نفس جديد ومداخل بديلة لتعزيز مشروع الوحدة المغاربية في حقبة الحدود المغلقة بين الجارين منذ ثلاثين عاما، وغلبة المنطق الأمني الانفعالي على منطق التواصل الدبلوماسي الرزين، وإن كبرت الخلافات أو تشنجت المواقف.
كانت الندوات التي كان الراحل يحرص على تنظيمها بمثابة الأغورا agora الوحيدة المتبقية في منطقة المغارب للحوار وسبر أغوار الاختلاف، والتوصل إلى رؤى حكيمة تتماشى مع حتمية الجوار السرمدي وتلاقي المصالح في سياق إقليمي لو توحدت الإرادات السياسية. هي حلقة مثقفين وسياسيين سابقين من إخوة ليبيين وتونسيين وجزائريين ومغاربة وموريتانيين وبعض أهل الشتات المغاربي الذين أصبحوا قلة بحكم الانقراض المتدرج إما بحكم الأقدار الربانية أو تراجع الجرأة الفكرية لوجوه تحسب للمصالح والانتماءات السياسية حساباتها الضمنية.
تغمدك الله صديقي مختار بواسع رحماته، ولا تزال روحك معنا تقول: إننا مغاربيون… وإن تشنجت السياسة..!