الصهيونية ثلاث اتجاهات غير متناقضة

الصهيونية ثلاث اتجاهات غير متناقضة
اليزيد البركة
       يحلو للصحافة الغربية، ومعها اتجاهات صحافية عربية، معروفة بتوجهاتها الميالة إلى التعاضد والتجانس مع الرأسمال الصهيوني العالمي في أوروبا وامريكا، أن تجعل ناتانياهو في سياسته ضحية لتحالفه مع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي يتترأس حزب عوتسما يهودت، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يترأس حزب الصهيونية الدينية. وهما حزبان يمينيان من قمة الصهيونية المتشدة، متحالفان مع الليكود الحزب اليميني المتعصب المتربع هو الآخر في قمة الصهيونية المتشددة.
لقد روجت أوساط صحافية أمريكية وبريطانية لهذه الفكرة منذ مدة طويلة، وتصاعد الدفاع عنها مع البحث عن مخرج كي لا تتفاقم الحرب الجارية ضد الفلسطينيين، إلى حرب إقليمية في الشرق الأوسط، قد تعصف بخطوط التجارة الدولية وإنتاج النفط. كان زعيم المعارضة التي تمثل توجها آخر في الصهيونية، قد اقترح أن يقبل ناتانياهو الصفقة مع حماس لإطلاق الأسرى، مقابل أن تحمي المعارضة ناتانياهو من سقوط حكومته في الكنيست، لكن الأخير لم يلتفت ولو دقيقة واحدة إلى العرض، لأنه عرض بني على تحليلات غير صحيحة.
وحتى أمس، قبل خطاب ناتانياهو، كان بايدن يحذوه الأمل أن يبتعد الأول عن بن غفير وسموتريتش، غير أن الذي حصل هو العكس تماما، لقد كان خطابه واضحا وهو مبني على لاءات سابقة، هي لا لوقف الحرب، لا للانسحاب من غزة ومن المعابر، لا للبحث في ما بعد الحرب، لا لعودة منظمة التحرير إلى غزة بعد الحرب. .
سبب الأحكام السياسية السابقة هو أنها مبنية على ذهنية أن الصهيونية متناقضة تضم اتجاهات متشددة ومعتدلة وسطية واتجاه يعترف للشعب الفلسطيني بحقوقه، وأن الشخصيات القيادية يمكن تصنيفها بناء على ما سبق، إما متشددة أو معتدلة بقدر ابتعادها انتماء عن تكتل ما من التكتلات السياسية أو الدينية السياسية. والحقيقة بعيدة عن هذا التحليل الميكانيكي التقني.
من المؤكد أن الصهيونية تضم اتجاها متعصبا عدوانيا، يضم كل اليمين الصهيوني داخل إسرائيل وخارجها، يعطي لنفسه الحق في استعمال كل الوسائل التي يسمح بها القانون الدولي أو لا يسمح بها لتحقيق أهدافه.
لكن الاتجاه الثاني لا يختلف مع الأول حول أهداف الصهيونية، ولا في استعمال الوسائل الشرعية وغير الشرعية، بل فقط الاختلاف في أن الثاني يصر على ألا تغضب الدول الغربية الداعمة للصهيونية من خطوات إسرائيل، وأن تكون الخطوات دائما متخذة بالتشاور معها وبموافقتها، وهو اتجاه مع تحقيق حلم الصهيونية مع أن تكون إسرائيل رأس حربة في الاندماج الرأسمالي والتجاري والصناعي مع الدول العربية لإعادة استعمارها استعمارا جديدا .
الاتجاه الثالث يلتقي مع الثاني فقط في الهدف الأخير، أي التطبيع الاقتصادي والسياسي والتقني مع بعض الدول العربية والهيمنة عليها، لكن مع إعطاء الفلسطينيين بعض الحقوق في دولة لا تشكل خطرا وتكون منزوعة السلاح.
الاتجاهات الثلاث كلها مع دولة قومية قوية، تكون مع الزمن قادرة على أن تهيمن على المنطقة بكاملها، وكل التجاهات الثلاث لا تقبل أن تتمتع فلسطين بأي قدرات قوة يمكن أن يأتي منها خطر ما مستقبلا .
ناتانياهو هو زعيم الليكود حاليا، وهذا الحزب هو أصلا عدة تيارات سياسية، ولكنه اندمج وكون حزبا يمينيا، مع تصاعد المد اليميني في إسرائيل وفي أمريكا بالأساس، ومنذ صراعه داخل الليكود لم يسبق له أن عبر على تأييده لأي حق من حقوق الشعب الفلسطيني، بل على العكس، كان ضد الانسحاب من غزة، وضد كل خطوات المفاوضات التي سبقت أوسلو، وكان ضد اتفاق أوسلو وتوعد بنسفه وهذا ما حصل.
من يراهن على تناقضات داخل الصهيونية واهم جدا، ويمكن التمعن قليلا في مثال واحد هو التطبيع مع بعض الدول العربية. لا أحد من الاتجاهات الثلاث عبر عن وجود أخطاء سياسية وأخلاقية في خطوات التطبيع، الجميع متحمس له، والجميع ينوه به ويسارع لتحقيقه بكل الأساليب الملتوية.
إذا وقفنا على نتائج التطبيع مع المغرب في مثال واحد، وهو الميدان الفلاحي، ماذا نجد؟
نجد أن الاتجاهات الثلاث مع الرأسمال الصهيوني في إسرائيل وخارجها عملوا على تفعيل تخريب الزراعة المغربية، وهذا يتجلى في النقاط التالية:
1- سرقة جينات زراعات مغربية، مثل الأركان، وتمور المجهول، والتين الشوكي.
2- تخريب بذور زراعية مغربية تقليدية تتوالد ببذور هجينة لا تتوالد، يضطر معها الفلاح المغربي لشرائها في كل موسم.
3- القضاء تماما على خضراوات وفواكه مغربية ذات مذاق حلو ولذيذ بخضراوات هجينة لا طعم لها ولا مذاق منها، على سبيل المثال الطماطم والبطاطا والبصل والبرتقال والتفاح..
بعض المغاربة متحمسون للتطبيع، ولكن هؤلاء لا يمكن إلا أن يكونوا من إحدى الفئات التالية:
أولا، فئة تجهل ما يجري في التطبيع اقتصاديا وتجاريا،
وثانيا، فئة لها مصلحة مادية في ما يجري، كأن تكون مشرفة على تسويق البضائع الإسرائيلية الآتية مباشرة أو الآتية من مصادر ثانية أو ثالثة من أوروبا على الخصوص، بنفس الطريقة التي كان يعمل بها المحميون في التجارة وغيرها قبل الاستعمار وأثناءه،
وثالثا، فئة تضحي بالاقتصاد والتجارة المغربية من أجل أهداف سياسية وإيديولوجية لا وطنية.
Visited 16 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

اليزيد البركة

كاتب وصحفي مغربي