“الشّرطة فى خدمة الشّعب”.. عَوْدٌ على بدء!

“الشّرطة فى خدمة الشّعب”.. عَوْدٌ على بدء!

د. محمّد محمّد الخطّابي

        نعود لنلحّ، ونذكّر من جديد مرّةً أخرى، ومرّات أنّ “الشرطة فى خدمة الشعب”، نعود لنذكّر بهذا الشعار الجميل ونفتخر به، ونقول عن اقتناع مع ذلك  أنّ  تصرّفات (بعض) رجال الشّرطة فى بلادنا الحبيبة لم ترق بعد إلى المستوى الحضاري اللاّئق الذي  نتطلّع ونتوق إليه فى مغرب اليوم.

 الواقع أنّني  سبق لي أن كتبتُ فى عدّة مناسبات، فى هذا المنبر الإعلامي الرّصين  وفى سواه، عن هذا الموضوع الأمني والاجتماعي الهام، الذي يكتسي حساسيةً كبرى فيما يتعلق بتطبيق المسطرة القانونية التي يقوم بها بعض رجال الأمن، فى علاقاتهم وتعاملهم مع مختلف المواطنين، والذين يضطلعون ولا ريب بدور حاسم فى الحفاظ على استتباب الأمن بينهم، وصوْن حقوقهم، والسّهر على ضمان حقوقهم، وراحتهم  فى هذا البلد الأمين.

والآن دعوني أعود إلى هذا  الموضوع من زاوية أخرى، للتذكير والإشادة بالسلوك الحسن، والاحترام اللاّزم الذيْن ينبغي أن يتحلّى بهما رجال الشرطة خلال  قيامهم بالمهام المنوطة بهم، فى مسألة تنظيم قانون السّير على وجه الخصوص، وتطبيق  مسطرته القانونية فى تعاملهم مع المواطنين فى مختلف الظروف، والمناسبات  سائقين كانوا أم راجلين على حدٍّ سواء.

المقصود فى هذه العجالة هم هؤلاء رجال الشرطة “الأمنيّون” الذين ينتشرون عند مداخل ومخارج أهمّ المدن والحواضر، والقرى والمداشر فى الوطن الغالي، وهم مُختفون وراء أجداع الأشجار الكبرى، أوخلف أعمدة الكهرباء المنتشرة على جانبيّ الطريق، انهم يختفون، ثم  سرعان ما يفاجئون السّائقين  بين الفينة والأخرى بضبطهم  وهم متورّطون فى جُنَح مسألة تجاوز السّرعة التي قد تكون فى غالب الأحيان مبالَغاً فيها، إذا تجاوز السائق  تحت ضغط ظروفٍ مّا معيّنة، النسبة الموضوعة أو الموصوفة على تشاوير علامات المرور سوى بجُزئيّات ضئيلة، وبنسَبٍ قليلة جدّاً،  وفى بعض الأحيان قد تكون  جُنحة هذا التجاوز مُحقّة وفى محلّها وواضحة  للعيان .

اتّضح لي من خلال تجارب خاصّة أنّ بعض رجال الشّرطة، وكذا بحُكم ما رواه لي بعض الأصدقاء عمّا يحدث لهم فى هذا القبيل أو ما شابهه من مبالغات، ومزايدات، ومعاملات، وتصرّفات غير حضارية، بعيدة كلّ البعد عن جوهر المهامّ الحقيقة الشّريفة لرجال الأمن، التي من المفروض أن تكون فى خدمة المواطنين وليس الطعن فيهم، وزجر كلامهم، ومعاملتهم بنوعٍ من العجرفة، والدّونية، وبأسلوب آمر، وبنبرة صارمة  لا تخلو من لياقة الكلام ولباقته، يتمّ ذلك بعيداً كلّ البعد عن ضرورة تطبيق أخلاقيات المهنة السامية التي يصرّ عليها باستمرار وفى مختلف المناسبات  كبار المسؤولين عن هذا المرفق الأمني الحيوي الهام فى بلادنا.

فى هذا السياق ما فتئنا نسمع، ونشاهد، وينتهي إلى علمنا، ونقرأ عن كثب عن  بعض القرارات التأديبية الزجريّة التي قد تصل الى حدّ التوقيف عن العمل، التي يضطرّ إلى اتّخاذها هؤلاء المسؤولون الكبار ببعض هؤلاء الأمنييّن، الذين يُخيّل إليهم أنّهم إذا ارتدوا بدلة الشّرطي الموقّرة، فقد أصبحوا أصحابَ الأمر الصّارم، والنّهي المطلق مع المواطنين المغلوبين على أمرهم، ممّن يقعون ضحية فِخاخ هؤلاء المُختفين الذي يحملون فى أيديهم، وعلى أكتافهم تلك الرادارات للكاميرات المتطوّرة الذكيّة، لمراقبة السّرعة لتحقيق هذه المُهمّة لضمان السّلامة الطرقية التي يؤدّيها البعض بلا شكّ بأدب، واستقامة، واحترافية، واحترام، ولياقة، ولباقة، إلاّ أنّ هناك البعض الآخر ممّن ما فتئوا  يزاولون هذه المهمّة – لدواعٍ غير مفهومة – بشكلٍ مُبالَغ فيه، وبنوعٍ من التشفّي، والتجافي.

ولقد انتهىّ الى علمنا غيرُ قليلٍ من القصص، والحكايات من هذا القبيل، والتي تحدّثنا عن بعضها فى مقالاتنا السّابقة عن هذا الموضوع الحيوي والهام والشائك فى آنٍ واحد، اذ يحدث أحيانا بين “شرطييِّ المرور” من الآمرين بالحُكم المُطلق الذي تمليه عليه كاميرات مراقبة سرعة المرور المتطوّرة  المُستجدّة وبين المواطنين دون إفساح أيّ مجالٍ  للحوار، أو الإصغاء، أو الأخذ بعين الاعتبار بأيّ ظروف أوحيثيات، أو دوافع، أو دواعٍ قهرية التي قد تدفع بالسّائقين فى بعض الأحيان إلى الإقدام على تجاوز السّرعة المقنّنة مضطرّين، ومُرغمين بنسبٍ ضئيلةٍ جداً للوصول فى أقرب وقتٍ ممكن  ربّما  إلى قسم المستعجلات، أو لاقتناء دواء عاجل، أو لإنقاذ حياة شخص مّا  بعد وعكة صحية أو إغماءة طارئة  أو جلطة دماغية – لا سامح الله- ألمّت به خلال السفر، أو أيّ شئ آخر من هذا القبيل.

وغالباً ما لا يَمنح بعض رجال الشرطة   السّائقين  حتى فرصة شرح أو تبرير سبب السّرعة، وفى بعض الأحايين بدون تقديم “تحية المواطن” التي يصرّ عليها قانون السير، غالبا ما نجدّ  الشرطي يصرّ على أخذ الورقة الرمادية ورخصة السياقة، ولن ينال أو يسترجع  السّائق هاتين الوثيقتين إلاّ إذا دفع وأدّى  ثمن المخالفة التي يحدّدها القانون فى الحين، وتخيّلوا معي ما يمكن أن يحدث لو لم يكن السّائق فى تلك اللحظة يتوفّر على مبلغ المخالفة!

السؤال الذي يطرح نفسَه بإلحاح، والله يُحبّ المؤمن المِلحاح فى الخير،  عن هذه الحالات أوعن إشكاليّات  أو وقائع من هذا القبيل علماً أنّ الأمر فى الواقع لا يتعلّق بدفع الغرامة المالية  التي يحدّدها قانون السّير، بل الأمر يتعلّق فى المقام الأوّل فى ضرورة قيام  الشرطي بهذه المهام بأدبٍ واحترام المواطن، وصوْن سمعته وكرامته، وهذا فى العمق هو جوهر هذا المقال بالأساس.  

أقول فى ختام هذا العرض أنّ السؤال الذي يطرح نفسَه على مسؤولينا الأمنييّن اللذين نثمّن عالياً، ونقدّر تقديراً كبيراً عملهم اليومي السّامي  المتفاني والمتواتر فى هذا القبيل، والسّاهرون بلا كللٍ ولا مللٍ وبدون تثاؤب، والحريصون كلّ الحرص فى مختلف المناسبات على احترام وصوْن سمعة المواطنين هو ما يلي: لماذا لا يُطرح  على بساط الدرس، والتفكير، والنقاش إمكانية  سنّ قوانين   جديدة فى مثل هذه الحالات الاستثنائية  الطارئة، أو فى مثل هذه المواقف المشابهة المباغتة التي  قد تستدعي فيها الظروف قهراً، وقسراً ، واضطراراً، وإرغاماً فى بعض الأحيان  القيام بتجاوز السّرعة المقنّنة ولو بنسبٍ ضئيلة للأسباب والدواعي والدوافع الآنفة الذكر؟

فى انتظارالجواب.. شدُّوا أحزمة الأمان.. واستريحُوا كلّ ساعتيْن..! وتحيّةً عالية لأمنييّنا الأكارم. 

_______________________________________________________________________________________________

* تحريراً فى  ظهيرة  يوم الأربعاء 3 سبتمبر 2024 بـ ” أجدير ” الحًصين الحسيمة الفيحاء – المغرب.

Visited 24 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. محمد محمد الخطابي

كاتب، وباحث، ومترجم من المغرب عضو الأكاديمية الاسبانية- الأمريكية للآداب والعلوم بوغوتا كولومبيا