الانتخابات العربية والنسب “التسعينية”!
عبد العلي جدوبي
فاز الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون – كما هو معلوم- بولاية جديدة تمتد لخمس سنوات، وقد حصل على نسبة 94.65 من الأصوات المعبر عنها للناخبين، حسب بلاغ وزارة الداخلية الجزائرية، في حين جاء بيان مشترك لمديرية الحملة الانتخابية للمترشحين الثلاتة: عبد المجيد تبون وشريف عبد العالي وسيس يوسف، أبلغ فيه الرأي العام الجزائري ما وصفوه بـ: ضبابية وتناقض وغموض وتضارب الارقام المعلنة فيما يخص النسب المسجلة عن كل مترشح!!
المهم أن الرئيس الجزائري حصل على 94.65 من الأصوات، وهكذا تظل هذه النسب الفلكية في انتخابات رؤساء بعض الدول العربية قائمة، وساري بها العمل، في وقت ظن فيه الكثيرون أنها ستختفي من نتائج الانتخابات بعد أحداث الربيع العربي، لكن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أعادها في الانتخابات الحالية، مؤكدا أن لا صوت يعلو على صوت الرئيس مهما كانت قوة وجدارة المنافسين له!!
والحقيقه المؤكدة ان هذه النسبة “التسعينية” أصبحت قاعدة أساسية في انتخابات تجديد عهدة الرئيس العربي، عن طريق استمالة نوع من الناخبين بأساليب وبطرق مختلفة، بفضل الأجهزة الأمنية التي تفتح المجال أمام الرئيس ليتصدر المشهد زورا وبنسب عالية جدا، لايمكن لعاقل تصديقها.
لقد اعتاد العرب منذ خمسينيات القرن الماضي على استمرار رئيس البلاد في الحكم حتى وفاته أو اغتياله، مع الاحتفاظ بشكل ذات الحكم وبطريقة إعادة انتخاب الرئيس. فبعد حقبة الاستفتاءات والتعيينات، انتقل الساسة إلى حقبة الانتخابات الرئاسية التعددية، كما حصل في بعض الدول العربية، كاليمن وتونس وموريتانيا والسودان وسوريا ومصر والجزائر، وتظل تلك الانتخابات في حد ذاتها شكلية وصورية، لا تعبر عن الواقع في شيء، بحكم أن الرئيس الذي يحكم هو المترشح الوحيد الذي سيفوز في الانتخابات، وتأخد طابعا ديمقراطيا يتم إقحام مترشحين بجانب ترشح الرئيس، كما حدث مؤخرا بالجزائر، لتسجيل صورة مزيفة للمصداقية والنزاهة على مشهد العملية الانتخابية!!
في الدستور الجزائري مثلا، هناك شروط أقرب إلى الخيال، كما يقول معارضو الرئيس، بالنسبه لمن يرغب في الترشح والتنافس على رئاسة الجمهورية، شروط تعجيزية يفرضها البرلمان على كل مترشح، مما يستحيل تحقيق هذا المسعى، إلا لمن رضيت عنه وزارة الداخلية، وذلك بفرض شروط معينه عليه.
هناك بعض الدول العربيه التي راهنت على حقبة الرئيس الأبدي أو الرئيس لمدى الحياة، فالدستور التونسي مثلا كان في السابق ينص على هذه الفقرة في عهد الرئيسين الحبيب بورقيبة و زين العابدين بن علي، إلى أن جرى تعديلها وتم إلغاؤها في عهد الرئيس الحالي قيس سعيد.
الشعوب العربية تدرك كل ألاعيب عمليات التصويت في الانتخابات، ولكنها لا تقوى على تغيير الواقع السيء الذي يفرض عليها قهرا، وحتى إن كان هناك مترشحين اكفاء ونزهاء توضع امامهم عراقيل ويتم استبعادهم أو حتى اعتقال بعضهم كما حدث في الانتخابات المصرية.
تقول الصحافه المصرية أن نسبة التصويت بـ 99.99 ظهرت لأول مرة في مصر في استفتاء 1956 لتنصيب جمال عبد الناصر رئيسا على مصر، كما أن التصويت على الوحدة بين سوريا ومصر جاء بنسبه 99,5%، ولم تختلف هذه النسبة كثيرا عن 98.51 للموافقة على استمرار الرئيس عبد الناصر لفترة رئاسية ثانية، وبنفس نسبة التصويت عندما جاء حسني مبارك للسلطه بدأها عام 1981 بسبعة استفتاءات، بما يعرف في تاريخ مصر باستفتاء (التسعات الخمس)، حيث قال النظام إن الشعب وافق بنسبه9 99.99!! على اختيار حسني مبارك رئيسا للجمهورية المصرية خلفا لأنوار السادات.
أما الرئيس عبد الفتاح السيسي فقد فاز في انتخابات 2014 بنسبه 96.1%، بينما حصل منافسه آنذاك حمدين صباحي على 3.9% فقط!!
وفي تونس في عهد زين العابدين بن علي سيطر منذ انقلابه على نظام الحبيب بورقيبه لعام 1987، وظلت نسبة إعادة انتخابه في خانة التسعينات، ولم تنزل إلى الثمانينات إلا في انتخاب 2009، عندما حصل على 89.62% من الأصوات، وغالبا ما كان يترشح لمفرده أو يرتب لمترشح أو اثنين بجانبه من اختياره.
ولم تختلف نسبة التصويت في بعض الدول العربية الاخرى، كالعراق وسوريا والسودان واليمن، على نفس نسبة (التسعينية) التي ظلت قائمة إلى يومنا هذا، وهو ما شاهدناه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بالجزائر.
وللإشارة، فإن الانتخابات الرئاسية الجزائرية الحالية، تعد الثانية التي شهدتها الجزائر بعد الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت قبل نحو خمس سنوات، وأدت إلى تنحي الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة عن الحكم .
من جهة أخرى اتهمت منظمة العفو الدولية في تقرير لها – يوليوز 2024 – السلطات الجزائرية بقمع الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي على مدى السنوات الخمس الماضية,
Visited 48 times, 1 visit(s) today