مذكرات الخريف: معارك خفيفة (1/6)

مذكرات الخريف: معارك خفيفة (1/6)

 صدوق نورالدين

       لم تكن بدايات الكتابة في حياة أغلب الأدباء والكتاب، سوى محاولات شعرية متقطعة يحاولون من خلالها تقليد شعراء أقدموا على قراءتهم. إلا أن هذه المحاولات لم تكن لتستمر مدة زمنية أطول، فسرعان ما تنبثق النقلة ويتحقق الاختيار الإبداعي الذي يجسد هوية الكتابة والتأليف، ويحدد انتماء الكاتب إلى محفل من محافل التعبير الأدبي.

ولدت تمارين الكتابة الأدبية بالنسبة لي شعرا أيضا. حفرتني قصائد الراحل نزار قباني التي قرأتها بالصدفة قبل التعرف على ديوانه “أشعار خارجة عن القانون” و”سامبا”، ثم ديوان الشاعر العربي الفلسطيني الكبير الراحل محمود درويش “غصن الزيتون”، على التقليد واستسهال مغامرة الممارسة الإبداعية، حيث كنت عند نهاية الحصة الدراسية وأنا تلميذ بالسنة الأولى إعدادي، أمد الأستاذ بتلك المحاولات بغاية تصحيحها وإبداء الرأي، علما بأنها لم تكن موفقة ولم تنشر في أو على تلك الصيغة.

جمعت مراسلاتي للجرائد والصحف بين الكتابين: الاجتماعية والرياضية. الاجتماعية من حيث القضايا والمشاكل التي تمس مدينة أزمور، والرياضية انطلاقا من تحقيقات وحوارات مع مسيرين ولاعبين. كانت المراسلات تجد طريقها بداية في “بيان اليوم” كما سلف، ثم لاحقا على صفحات أسبوعيتي “أصداء”       و”الإثنين” لأنتقل أواسط السبعينيات إلى الكتابة في جريدة “المحرر” و”الأنباء”.

كانت أول المعارك التي خضتها، الكتابة عن الطبيب الإقليمي الذي يشرف عن مستشفى مدينة أزمور، ضمن صفحة “مع القراء والمناضلين” (وهي صفحة لن تتكرر). وقعت المراسلة بالتحديد (ص. ن).

وبما أنها لم ترق الجهات المتحدث عنها، أستعين بجهات بعضها إداري، أمني واستخباراتي بحثا عن المراسل صاحب التوقيع، وما إن كان اسما حقيقيا أو مستعارا. وكادت “تهمة” الكتابة تلتصق بأحد القراء المداومين على قراءة الجريدة أقسم حينها ألا علاقة تصله بالموضوع. بيد أن من اهتدى لكوني من أقدم على الكتابة شخصان:

الأول زميل دراسة ما يزال كلما صادفني وإلى اليوم، يناديني ب “ص. ن”. وأما الثاني فالراحل السي عبد الله رضى بائع الجرائد الذي كان يعرف بأني موقع المراسلة، إذ وما كدت أطل عليه في اليوم اللاحق حتى خاطبني: “لا تعد إلى التوقيع باسمك على أية مراسلة تقدم على نشرها”، وهو جميل ظللت أعترف له به أمام الجميع.

واصلت تمرين الكتابة في صفحة “مع القراء والمناضلين”. كتبت _ كما أذكر _ عن مدير الملجأ الخيري بأزمور وعلاقته بالموظفين، إلى مراسلات لم أعد أستحضرها خلت من توقيعي خوفا. وأما في جريدتي “أصداء” و “الإثنين” فنشرت أخبارا محلية قصيرة لم تكن في اعتقادي تثير انتباه أحد، لولا أن أحد أساتذتي بالسنة الثامنة إعدادي، وكان قارئا نهما لكل شيء، أخبرني بأنه يقرأ ما أكتبه على صفحات أسبوعية “الإثنين” التي تكرم رئيس تحريرها بإرسال الأعداد هدية بالبريد. يدعى الأستاذ ب”الأحرش”. طويل القامة، أسمر، يحمل عوينات طبية، تفصح لكنة صوته بأنه شمالي تفرد بجمالية خطه، إذ دون على امتداد الحائط الخلفي للفصل الذي ندرس فيه القولة: “من سار على الدرب وصل”. وكان أمدني بأعداد كثيرة من مجلة “الموعد” الفنية وفق ما سآتي على ذكره.

Visited 110 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

صدوق نور الدين

ناقد وروائي مغربي