معاناة اللبنانيين أين تصرف؟ في أي بنوك استثمار سياسية؟!!
أحمد مطر
اللبنانيون عموما غير راضين عن الأوضاع في لبنان، حتى قبل الحرب، واتجاهاتها المستقبلية الظاهرة. اللبنانيون موجوعون بسبب انسداد أفق الحلول بدأ من ملء الفراغات السياسية وعودة المؤسسات إلى عملها الطبيعي وفي مقدمها القضاء في كل فروعه.
اللبنانيون موجوعون بسبب منعهم من سحب أموالهم أو جنى العمر من المصارف التجارية. ثقتهم بأفضل الشركات اللبنانية، أي المصارف، طارت حتى استعادة كل ودائعهم. اللبنانيون موجوعون بسبب التضخم والغلاء وعدم قدرة الأكثرية الساحقة من تلبية حاجات عائلاتها الأساسية من غذاء وأقساط تعليم وصحة ونقل وغيرها. اللبناني يعمل دون أن يطمئن على واقعه ومستقبله، وبالتالي يشعر بالألم المفروض عليه. فالخيار بين الوجع والهجرة غير الشرعية يبقى لصالح الأول بالرغم من المحاولات التي يقوم بها تجار الهجرة الخطرة التي لن توصل اللبناني إلى شاطئ الآمان.
ما زال اللبنانيون يؤمنون بأن أوضاع الماضي الإيجابية ستعود من جديد، وقد مر لبنان في ظروف سابقة سيئة وعاد الخير بعدها إلى الأوضاع المعيشية الأساسية. هل هذه أحلام أو أوهام؟ هل من الممكن أن يعود لبنان إلى الازدهار في ظل الأوضاع الداخلية والاقليمية والدولية. داخليا هنالك تغيرات كبيرة أهمها الديموغرافي الذي لا يجدي نفعا إنكاره في بلد ديموقراطي أو يسمي نفسه ديموقراطيا.
لا يمكن أن نفكر بأن التغيير الديموغرافي لا تأثير له، حتى بعد تأكيد الرئيس الشهيد رفيق الحريري أن العد السكاني توقف. جميعنا يدرك الوقائع مع عد أو بدونه، وبالتالي يجب معالجة تأثيراته بهدوء وعبر الحوار، وربما التفاوض، كي يشعر الجميع أن الحقوق احترمت وأن الغبن المفروض لن يتكرر. إنكار تأثير التغيرات الديموغرافية على كل شيء يضر بالمصلحة العامة. فالمعالجة يجب أن تكون علنية لأن المواطنين جميعهم يعلمون الحقائق ويتابعون الاحصائيات الصادرة عن مختلف الجهات الخاصة والعامة والتي لا تتباين كثيراً.
هل كل ما يحصل سياسيا اليوم مرتبط بسؤال التوازن الديموغرافي، وبالتالي الحل السريع صعب جدا، أم أنه إنذار لما يمكن أن يحصل مستقبلا لتحقيق التوازن بين الديموغرافيا والنفوذ السياسي وكيفية ملئ الشواغر على كل المستويات. بالاضافة الى واقع حرب غزة وخطورة الوضع الأمني على حدودنا الجنوبية، الديموغرافيا تفسر عمق المشكلة وضرورة حلها بطرق علمية وليس بالشعارات الفارغة المبنية على عواطف كلامية غير موجودة أصلا. أهم شيء هو عدم إنكار الخلل الديموغرافي ودراسة الحلول وتنفيذها برضى الجميع سريعا. أما الخلل الخارجي فيأتي من تأثيرات حربي أوكرانيا وغزة على أسعار السلع بالاضافة إلى تأثيرهما على السلم العالمي والاستقرار الأمني. أوضاع كاملة غير مساعدة للمواطن العالمي أينما هو.
اللبناني موجوع معيشيا وهنالك قلق يعزز الأوجاع ويعمقها.
لا تزال إيران تنظر إلى كل التطوّرات بمنظور تقليدي، ولا يبدو أنّها نجحت في ملاحقة الأحداث وتطوراتها. ولا تزال عاجزة عن فهم طريقة التفكير الإسرائيلية، تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى الحزب وغالبية القوى اللبنانية التي راهنت على تدخّل أميركي للجم الحرب الإسرائيلية وإعادة إنتاج تسويات وفق الآليّات القديمة، ولا سيما آليّة عام 2006. لا يزال الحزب يؤمن بتكرار ذاك السيناريو. كما أنّ إيران تراهن على حصول متغيرات إقليمية ودولية تجنّبها الحرب المقبلة. وهذه التطوّرات بنظر الإسرائيليين فرصة طال انتظارها، فأراد نتنياهو تعزيز فرصته في الاتّهامات التي وجّهها إلى طهران بالوقوف خلف إطلاق مسيّرة على منزله في قيساريا كمحاولة لاغتياله. أراد بذلك تجاوز كل الخطوط الحمر الأميركية المفروضة عليه، وهو لا يزال يجهّز لردّ عنيف ضد إيران.
يتصدر تنفيذ القرار الدولي رقم1701 الاهتمام المحلي والاقليمي والدولي هذه الأيام، باعتباره ركيزة اساسية، لانهاء حرب المشاغلة التي شنّها حزب لله ضد إسرائيل، لمناصرة الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، بعد عملية طوفان الأقصى، التي اطلقتها حركة حماس ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وتحولت فيما بعد إلى حرب إسرائيلية واسعة النطاق على لبنان، استهدفت مواقع ومراكز الحزب في مناطق بعيدة عن خط المواجهة المحتدمة جنوبا، واغتيالات طالت قيادات بارزة فيه، وفي مقدمتهم الامين العام للحزب حسن نصرلله، لاجل التوصل إلى وقف اطلاق النار أولا، وإحلال سلطة الدولة في منطقة الجنوب، من خلال نشر الجيش واحلال الامن والاستقرار بالاشتراك مع عناصر قوات القوات الدولية اليونيفل.
والحكومة اللبنانية، تبنت مضمون الورقة التي تم الاتفاق عليها في اللقاء الثلاثي الذي ضم الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي ووليد جنبلاط منذ شهر تقريبا، وتطالب بالدعوة لوقف فوري لاطلاق النار والالتزام بتنفيذ القرار الدولي رقم 1701، لإنهاء الحرب الإسرائيلية العدوانية على لبنان، وتصدرت المطالبة بتنفيذ القرار المذكور، الخطاب السياسي لمعظم الوزراء والمسؤولين منذ ذلك الحين وحتى اليوم، فيما برزت مواقف علنية لكبار المسؤولين الإسرائيليين، تدعو لإلغاء القرار المذكور، وإصدار قرار بديل عنه، يراعي مطالب وشروط إسرائيل بهذا الخصوص، ويأخذ بعين الاعتبار الواقع الميداني الجديد لتمركز الجيش الإسرائيلي في مواقع ومراكز احتلها مؤخرا، وأرفقت إسرائيل دعواتها لإلغاء القرار المذكور، باستهداف ممنهج لقوات الامم المتحدة المتمركزة على الحدود الجنوبية، وطالبتها بالانسحاب الفوري من المنطقة، كما استهدفت مراكز الجيش اللبناني أكثر من مرة، لفرض شروطها بتغيير القرار المذكور اوتعديله بما يناسب مصالحها.
لم تكن إسرائيل وحدها ترفض الالتزام بتنفيذ القرار الدولي رقم1701 بل أكثر من ذلك، صدرت مواقف عديدة من سياسيين لبنانيين، ومن الخارج، تطالب بتعديلات تطال القرار المذكور.
وبالرغم من تباين مواقف الأطراف والدعوات لتعديل القرار الدولي رقم1701، يظهر بوضوح أن مضمون البيان بنصه الحرفي، يؤكد أنه من الضروري أن تبسط الحكومة اللبنانية، سلطتها على كل الأراضي اللبنانية، طبقا لبنود القرارين 1559، و1860، ولبنود اتفاق الطائف، لممارسة سيادتها بشكل كامل، بمايؤدي إلى عدم وجود أي سلطة غير الحكومة اللبنانية.
كما يشدد نص القرار المذكور على تطبيق كامل بنود اتفاق الطائف والقرارين، 1860و 1559، اللذين يطالبان، بنزع سلاح كل المجموعات المسلحة في لبنان.
كل هذه التفاصيل التي يتضمنها القرار 1701، تبين بوضوح أن العلّة، ليست في محتوى وتفاصيل القرار المذكور، بل في الالتزام بتطبيقه من الجانبين، الإمعان في خرقه من قبل إسرائيل جوا وبرا وبحرا، من دون حسيب أو رقيب، في حين لم تستطع الحكومات المتعاقبة والمسؤولين اللبنانيين، لأسباب وتدخلات ووقائع محلية وإقليمية ضاغطة من تطبيقه، ما أعاق تنفيذه، وأوجد الواقع المتفلت الذي ساهم في نشوب الحرب الإسرائيلية على لبنان.
ختاماً وباختصار، القرار الدولي رقم1701، يعيد لبنان إلى كنف الدولة، بسلطتها، وسيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها، وحصر السلاح بيدها وحدها، بينما تبقى العبرة في توفير الظروف المناسبة لتنفيذه.
Visited 66 times, 1 visit(s) today