فيليب سوليرز – جوليا كريستيفا: الزواج بين الوفاء والخيانة
ترجمة: سعيد بوخليط
ما هي الحظوظ المحتملة لإمكانية حدوث لقاء في باريس سنة 1966، بين جوليا (المولودة سنة 1941، في مدينة سليفين البلغارية)، مع فيليب (المولود سنة 1936في مدينة بوردو الفرنسية) حيث تعيد نصوص رواياتهما الكشف عن خصوصيات تميِّزهما غير قابلة للقياس؟ أن يعشق أحدهما الثاني، قبل وبعد ماي 1968؟ ثم أن يظل زواجهما منذ 1967 غاية الآن؟ حظوظ قليلة، يقتضي حساب الاحتمالات سلسلة فلكية لأرقام بعد الصفر.
مع ذلك ”تبلور هذا”. جرت فعلا مراسيم الزواج في دار البلدية؛ وإن أتيح له الاستمرار، بكيفية مطلقة ومتوقدة، فلأنه لم يمتثل قط لأي قاعدة أخرى غير قاعدته: تسوية دائمة، عاشقة وواعية، تغذيها حريتان متقابلتان غير قابلتين للمقارنة.
جوليا: أكثر حنكة وتكتُّما، انحدارها السلالي البيزنطي، اغترابها في المنفى هروبا من الشيوعية، ثم فرويد الذي شغل رأسها خارج دوامة الاعتقاد وكذا المعرفة الشمولية.
فيليب: أكثر دهاء وانفتاحا، جميلا، ينتسب إلى الجيرونديين وشبيها بكائن من مدينة البندقية، جذابا، فوضويا، مهرِّبا شرعيا لحياة روحية في إطار تفوق للغة الفرنسية، يبثُّه عبر مجالات الأدب والسياسة.
ضمن هذا النطاق وليس بعيدا عنه: لن نترقب إيحاءات قوية حول حياة أو أعمال الطرفين معا، بل استكشاف مسارين انسجما، ثم تفرعا واكتملا وهما يرسمان المكان، الفضاء المحدد والثمين المتمثِّل في زواجهما. التوافق، البناء، التقويض، إعادة البناء باستمرار منذ اللحظة التي نتبيَّن خلالها حتمية العيش المشترك. مجال حيوي مثل جهاز عضوي، أجزاء كاملة لكل طرف فيما يخص حريته حيال الثاني تحتضر، اغتيلت أو انتحرت، بينما تولد ثانية أخرى نتيجة انبثاقات أخرى طارئة، مفاجئة، خجولة، في خضم حركة لا تشبع من البدء ثانية.
لونوفيل أوبسرفاتور: بداية ماهو تعريفكما للحب؟
فيليب سوليرز: هناك توظيف ملتبس دائما لهذه الكلمة، وكيفما اتُّفق بخصوص البضاعة العاطفية الحديثة، بحيث قد نتلمَّس ردَّة فعل أساسها الخجل أو الاستبعاد، كما الشأن مع سيلين مثلا: “الحب، بمثابة اللانهائي الذي يوضع رهن إشارة كلب البودل”. لكن عموما، يعتبر السؤال جدِّيا ويستحق عناء الجواب عنه. تُتَداول كلمة لا أحبها، أقصد كلمة ”زوج” بحيث لم أستسغها قط. تستحضر أدبا أمقته تماما. طبعا، تزوجتُ وجوليا، لكن احتفظ كل واحد منا على شخصيته، اسمه، أنشطته، حريته. الحبُّ، أقصى اعتراف بالآخر باعتباره آخر.إذا كان هذا الآخر قريبا جدا منكَ، كما الشأن بالنسبة لوضعيتنا، يتجلى حينها الرهان على التناغم ضمن الاختلاف. تباين الرجل والمرأة غير قابل للاختزال، ولايمكن تحقيق الانصهار. بالتالي، يتعلق الأمر، بعشق ينصبُّ على التناقض وهذا يمثِّل الوضع الأجمل. أستعيد هنا عبارة لهولدرلين: ”تماثل تباينات العشَّاق تعكس تنافر العالم.يحدث التوافق وسط النزاع و يثمُّ العثور ثانية على المنفرد. تتباعد الشرايين داخل القلب، وتلتقي ثانية كي تعيش جميعها حياة شغف أبدي”.
جوليا كريستيفا: يتجلَّى مع الحبِّ مكوِّنان غير قابلين للانفصال: الحاجة إلى التواطؤ والصمود ثم الضرورة المثيرة للرغبة التي قد ينتهي دافعها نحو الخيانة. تشكِّل العلاقة الغرامية خليطا حاذقا بين الوفاء والخيانة. تتعدَّد كثيرا، مع الأدب أشكال العلاقة الغرامية: ابتداء من الرؤية المهذَّبة والرومانسية غاية اكتشافات الفترة المعاصرة النيِّئة والمكثفة. جلُّ ما يحدِّد حضارتنا، في خضمِّ تأملاتنا الجنسية والعاطفية، تستند على أساس الثنائي وفاء- خيانة.
لونوفيل أوبسرفاتور: كيف تحقِّقون التوازن بين الوفاء و الخيانة؟
جوليا كريستيفا: فلنحاول بداية وضع تعريف للوفاء. بوسعنا القول: استقرار، حماية، إعادة تأمين ضمن الديمومة. هل الوفاء موضوعة سخيفة، مورثة عن الماضي أو الآباء، فكرة بالية يلزم على الأزمنة المعاصرة وكذا قوة الرغبات مسحها مستقبلا؟ لا أعتقد بذلك. أتحدث هنا باعتباري مختصَّة نفسانية: يحتاج الطفل إلى رمزين، صورة يافعان بدونهما لا يمكنه مواجهة العالم. الأمُّ، بالتأكيد، لكن أيضا هذا الأب الذي لا نتكلم عنه كثيرا، أب أولى تماثلات الطفولة. ليس الأب الأوديبي الكابح، بل الأب العطوف. نبحث أيضا مع تجاربنا العاطفية، على متغيِّرات هاتين الصورتين. تكمن هنا الحاجيات النفسية للوفاء. عندما نمتلك هذه التحديدات، وكذا عناصر الثبات تلك، قد نتيح أمام ذواتنا الانفتاح على العلاقة الحسية أو الجنسية الأكثر حرية، وإعطاء الرغبة مجالا مفتوحا.
فيليب سوليرز: أجد مؤلما الاختزال المنهجي لعدم الإخلاص إلى السؤال الجنسي. خلال قرن، انتقلنا من الجنسانية بوصفها شيطانا، إلى تناول إشهاري وتقني، للجنس باعتباره أساسيا. سيفترض مع الجنس دون الباقي، الإفصاح عن مجمل حقيقة الكائن البشري: استمرار شعور في الزمان، ثم النجاح الفكري. جَعَل المجتمع من الجنس شيئا كبريتيا، والآن بصدد توخِّي جعله أساسيا ومضجِرا. اتهموني دائما، بأني كتبتُ روايات تأخذ وجهتها ضمن معنى هذا التضخم الجنسي، لكنه تأويل خاطئ. لقد تحدثت باستمرار عن الجنسانية بكيفية رشيقة قدر الممكن، غير مقيَّد، ساخرا، حيال رغبة نعرفها وبوسعنا جيدا الإحجام عنها. هذا، بغية التأكيد على أنَّ عدم الإخلاص الجنسي يبدو لي مفتقرا إلى الوزن. يوجد ماهو أفظع.
جوليا كريستيفا: أعتقد بأنَّنا استوعبنا الجنسانية أساسا كثورة ضد المعيار، أمر استدعته ضرورة مجتمع تثقل كاهل أفراده محظورات ذات أصل ديني أو متزمِّتة. في المقابل، نتكلم اليوم كثيرا عن الانطواء الذاتي أو العودة إلى المعيار. بالتأكيد، يعكس ذلك تراجعا وصيغة للمحافظة. أيضا، امتلاك الوعي بمعطيات الثورة الجنسية.تتجلى دلالتها في: الحرية. لكنها، تضمنت اللا-معنى خلال الآن ذاته: غالبا، تدمير الذات والآخر. في إطار علاقات الرجل- المرأة، يمكن اختبار علاقات جنسية وحسية ”خارجيا” تحترم الجسد وكذا حساسية شريككَ الأساسي. هنا، مكمن الوفاء. لا يعني ذلك عدم الانفصال قط، أو الامتناع عن معرفة رجل ثان، أو امرأة أخرى.
فيليب سوليرز: هل بوسعنا إضافة كلمة ”ثقة”؟ أثارتني كثيرا عبارة مدهشة لصاحبها فيفان دونون: “أحبِّيني، أي عدم الشكِّ بي”.
جوليا كريستيفا: فخُّ عبارة ”أحبِّيني، أي عدم الشكِّ بي”، أنها تنطوي على معنى ”فلتكوني أمي” أو ”فلتكن أبي”: “أمٌّ ” و”أب” مثاليان. كثير من الأزواج، الذين يقولون عن أنفسهم بأنهم أوفياء ويقدمون صورة مثالية عن الوفاء، يظهرون حقيقة صورة جاهزة عن الوفاء ماثلة بين طيات الأمومة وكذا الأبوَّة. تبدو هذه اللعبة غير محتملة، بالنسبة لأفراد جيلنا الذين عاشوا بكيفية مختلفة علاقتهم الثنائية. لذلك، يلزم فعلا الإقرار بأنَّ عدم الوفاء ينطوي كذلك على جانب من الفظائع. يبقى اختبارا. يحدث أحيانا جراحات وقتل. لكنه وضع بوسعه أيضا إثارة ضحكنا.
فيليب سوليرز: وددتُ القول بأنَّ الوفاء نوع من الطفولة المقتَسَمة، صيغة للبراءة. الأساسي في خضم ذلك: نحن أطفال. إذا توقفنا على أن نكون كذلك، نغدو غير مخلصين. بينما الباقي– اللقاءات، المشاعر- لا يمثِّل بحسبي أهمية كبيرة. تكمن الخيانة الحقيقية جراء تصلُّب علاقة الثنائي، في خضمِّ الثِّقل، يصبح الذهن الجاد امتعاضا. خيانة فكرية قبل كل شيء. بهذا الخصوص، أريد التأكيد على رفضي لكل شفافية. أعارض، مثلا، نوع التعاقد الذي جمع بين سارتر وبوفوار. أنحاز إلى جانب السرِّية.
جوليا كريستيفا: تستعيد حاجة الشعور بالوفاء إلى الطفولة وكذا الرغبة في الحماية. شخصيا، أعتبر نفسي قد تلقيتُ ضمانات عن الوفاء خلال الطفولة، مما أتاح لي كثيرا من الأمان. حدث معي أن كابدت تجليَّات عدم الوفاء الجنسي سنوات الشباب الأولى، لكن لايمكنني القول بأني شعرت بالخيانة.حقيقة الأمر، لا أشعر بإمكانية خيانتهم لي. نعم، إذا أردتم، فالخيانة لم تلمسني حقا. على النقيض منكَ فيليب، لا أعتقد بإمكانية الاحتفاظ على السِرِّ. كل شيء يُعرف أو ينتهي المطاف باكتشاف أمره.
فيليب سوليرز: أتحدث عن إيديولوجيا الشفافية لدى بعض الأزواج.
جوليا كريستيفا: ينبغي التحلِّي بالوضوح، اهتمامات الكائن النسوي الجنسية والوجدانية، مختلفة عن التي يضمرها الكائن الذكوري. تتباين متعة الذكور عن النساء، مثلما الشأن في علاقاتهما مع السلطة، المجتمع، وكذا الأطفال. لذلك، نتقاسم ثنائيا يشكِّله أجنبيان. يحدِّد اختلافنا القومي أكثر بداهة نتستَّر عليها غالبا: الرجل والمرأة، غريبان أحدهما نحو الثاني. والحال أنَّ الثنائي الذي يتحمَّل حرية غريبين ربما يصبح مجالا حقيقيا للمعركة. من هنا ضرورة التناغم. يعتبر الوفاء فعلا معينا يخلق توافقا ضمن إطار الاغتراب. يعود الانسجام، إذا سمحت للآخر أن يكون أيضا غريبا عنكَ. تتحوَّل الإشكالات إلى عناصر للانسجام.
لونوفيل أوبسرفاتور: هل شكَّل معطى، احتفاظ كل واحد منكما بمغامراته العاشقة، إحدى الشروط التي وُضِعت رهن إشارة تآلفكما، أو الظروف من قادتكما ذات يوم نحو انتهاك هذا الوعد الحاضر لدى أغلب العشَّاق الشباب: البقاء أوفياء؟
جوليا كريستيفا: لم نتبنَّى قط هذا الوعد بالنسبة لمسارنا.
فيليب سوليرز: فترة لقائنا، لم نكن في ريعان الشباب. تبلغ جوليا خمسا وعشرين سنة، وأنا في سن الثلاثين. حدث الأمر تقريبا سريعا، ويعود إلى شهر مايو 1968، فترة زخم للتجريب من طرف الذهن، والجسد. خلال تلك الحقبة، انتفت الحاجة إلى العقد. هكذا، تنبثق الحرية من تلقاء ذاتها.
جوليا كريستيفا: خلال نهاية الستينات، سنوات شبابنا، سادت حرية معينة على مستوى العلاقات الغرامية بحيث مانسميه بعدم الوفاء لم يتم آنذاك تأويله مثلما هو. لكن، حاليا نعيش حقبة مختلفة تميِّزها البطالة، تراجع الاعتراض،الخوف من فيروس السيدا، مما أفضى إلى إعادة التركيز حول الثنائي وكذا الوفاء.
فيليب سوليرز: يعرف التاريخ ذهابا وإيابا. مراحل منفتحة، وأخرى منغلقة.الحرية المتحركة خلال القرن الثامن عشر، والرعب، والترميم، وزخم الحركة بين سنوات 1920 و1940، ثم فجأة، عمل، أسرة، وطن. طفرة إيجابية كبيرة حول سنة 1968، ثم خمسة عشر من التخدير، الانجراف، وأخيرا العودة إلى الوراء مادام هناك خوف وإحباط.
جوليا كريستيفا: نعيش حقيقة سياق مرحلة، أدرجت الحاجة إلى الأمن في المقام الأول وحيث الاستقلالية الاقتصادية مقيَّدة جدا. لا يمكننا السماح لأنفسنا ببلورة وجهة نظر إباحية حول الخيانة دون أدنى طمأنينة نفسية وبالطبع، وازع استقلال مالي. لكن النساء، رغم مجهودات كثيرة، لا زلن بعيدات عن امتلاك ذلك.
فيليب سوليرز: جوليا وأنا متساويان تماما على المستوى الاقتصادي. بناء فقط على هذا المعطى، يمكننا حقا مناقشة تطورات الحب أو قضايا الوفاء.
جوليا كريستيفا: نتكلَّم عن تصرف أفراد مستقلين اقتصاديا. وإلا سيكون الحوار غير ممكن.
لونوفيل أوبسرفاتور: لقد استلهمتما التعاقد الشهير الذي جمع بين سارتر وسيمون دو بوفوار، المرتكِزِ على كونكما ترويان مغامراتكما خارج إطار الزواج.
فيليب سوليرز: أعتقد بأنَّ هذا التاريخ الشفَّاف شَكَّلَ حقيقة صيغة كبح متبادل، كما لو اتَّفقا بالموازاة على عقد بخصوص فتور الشهوة الجنسية. قناعتي كالتالي؟ حينما نستمتع حقا، نركن إلى الصمت. ثم، لا ندري أبدا كيف جرت حياة سارتر: بكيفية منفردة ومنيعة. أظن، نتيجة سخاء، وعدم اكتراث، فقد سمح بمجال كبير للحديث. كانت له حياته السريَّة، وبوسعنا التحسُّر بخصوص عدم توثيقه لحيثياتها. أراه يتدبَّر أمره بلطف. عموما، لن نجد بين صفحات كتابات سارتر شخصية امرأة مهمَّة حقا. ولا أيضا عند كامو أو مالرو، وأراغون. غريب أمر هذا القرن! أتعلَّم كثيرا عن النساء حين العودة إلى مارسيل بروست (ضحكات). حقيقة، يبدو مختلف ذلك، غير مقنع كثيرا.
جوليا كريستيفا: جَسَّدَ سارتر وبوفوار ثنائيا تحرُّريا متمرِّدا بكيفية إرهابية، انطوت مؤلَّفاتهما عن شجاعة فكرية وأخلاقية لم تُفهم جيدا غاية اليوم ويستحيل تجاوزها. قصد إتمام مشروعهما على مستوى التطرف التحرُّري، فقد شَكَّلا كوماندوز صادما، استند على تاريخهما المشترك، المتعلِّق بشخصين مجروحين. من جهة، جرح سارتر الأوديبي لسارتر، نتيجة الأب الغائب وكذا معاناته بأن يكون لامعا جدا لكن بشاعته جلية. ومن جهة أخرى، سيمون دو بوفوار، مع طموحاتها الذكورية، ذكاؤها الفاتر، وربما كذلك موانعها الجنسية المحبَطة. في خضم كل ذلك،خلق الاثنان وضعا رائعا: إظهارهما للعالم قاطبة، بكيفية مبهرة دائما تثير الغيرة، بأنَّ رجلا وامرأة بوسعهما العيش معا، يتحدثا معا، يكتبا معا. حاولوا وسترون الأمر سهلا! مع ذلك، ارتكز تعاقدهما الإرهابي على إحراق كل من يقترب من هذا التاريخ المشترك بينهما وتحويله إلى ضحية. شَكَّلت”شفافيتهما” الشهيرة نوعا من النظام الحزبي للأقوياء مقابل كتيبة الطامحين. بيد أنَّ هذه العلاقة، التي يستحيل تكرارها، ينبغي حتما استجوابها، وليس شجبها.
لونوفيل أوبسرفاتور: وماذا عن أراغون و إلزا؟
جوليا كريستيفا: مَثَّلت أسطورة ثنائيهما حماية وفق ذات عنوان انتمائهما إلى الحزب الشيوعي. قد يرتبط الانخراط في حزب معين، بدوافع أخرى، لكن بخصوص حالة أراغون، فمن الواضح أنها طريقة بهدف التأمين ضد المجازفات الجنسية والبؤس الذي يضمره تحديدا عدم الوفاء.تحضر هنا قصة علاقته الموجعة مع نانسي كونار التي قادته نحو عتبة الانتحار ثم أعاد ترميم ذلك من خلال ولعه بـ إيلزا تريولي. نعاين هنا مثالا غامضا ومؤلما عن ثنائي خاطئ، وفق تصعيد شعري.لقد اكتسى الأمر أشكالا أخرى بعد وفاة إيلزا، مادام أراغون قد كشف خلال تلك الفترة عن مثليته الجنسية. لكن، قبلها، لاينبغي نسيان الصفحات الرائعة التي دبَّجها حول الجسد والمتعة النسائية في كتابه المعنون بـ : (Le con d’ Irène). بحيث سلب الأنثوية، بطريقة ما، كي يلتهمها من الداخل. بناء على معطيات الخيانة، ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار ثنائية النزوع الجنسي لدى كل طرف، مما يضاعف أكثر من صعوبة الوفاء حسب التصور الكلاسيكي. هي حقائق يصعب الإقرار بها.
لونوفيل أوبسرفاتور: الثنائية الجنسية، موضوع للمستقبل (ضحكات)
جوليا كريستيفا: بالتأكيد! بما أنَّ أغلب الأفراد يحاولون إخفاء ثنائيتهم الجنسية وراء قناع، لكنهم جميعا يفكرون في الأمر.
فيليب سوليرز: كنت أحيانا أزور أراغون في بيته. لم تتوقف إلزا تريولي بين الفينة والأخرى على مباغتتنا داخل المكتب حيث كنا نتحاور. بدا أمرها غريبا. ذات مرة، أهدتني إحدى كتبها: “إلى فيليب سوليرز، بكل عطف أمومي”. ولم نلتق بعد ذلك.
لونوفيل أوبسرفاتور: هناك ثنائي آخر كان بوسعه إضفاء سمة على حقبته، أقصد دانييل وفرانسوا ميتران.
جوليا كريستيفا: يتطابق التمثيل الأسطوري للثنائي مع حاجة مجتمعية. تتغذَّى وحدة الجماعة،لاسيما قوميا، من استيهام العلاقة الرئيسة أي مع الآباء. هذه الأسطورة الأصيلة للالتئام، مع تصدُّعات تجعلها ترتجف، تبثُّها الأجهزة السياسية إلى ”القوى الشعبية” مثل درِّ الرَّماد على العيون. لاحظنا ذلك من خلال النموذج الهزلي في الولايات المتحدة الأمريكية، عبر شكوك عدم الوفاء التي شوَّهت وأنعشت مهمَّة كلينتون، ثم في بريطانيا مع القصة الملحمية بين شارل وديانا. فقط داخل فرنسا، بوسعنا رؤية الزوج وعشيقة يقفان جنبا إلى جنب أمام تابوت رئيس الجمهورية.
فيليب سوليرز: مايمكنه أن يكون ثوريا، وجود ثلاث نساء على الأقل، ولما لا، خمس أو ستّ، إبان مشهد الجنازة. أجد عدد امرأتين، يثير شيئا من الشفقة، إنَّه مجرد بورجوازي صغير. تمتلك فرنسا تقليدا كبير بخصوص وجهة النظر هاته. لكنها، تستحق الأفضل، بصراحة، خاب ظني. حدثني ميتران ذات يوم عن قراءته لكازانوفا، مما يظهر بأنَّه كان ضمن السبيل الملائم. أخيرا، إذا أبدى الأمريكيون صدمتهم، فلن نلتمس منهم أكثر.
لونوفيل أوبسرفاتور: بداية هذا القرن، تواعد الفيلسوف جاك ماريتان وزوجته رايسا ماريتان، حول العِفَّة. ألا يمثِّل ذلك وسيلة جيدة بغية الحفاظ على الرغبة سليمة؟
فيليب سوليرز: الرغبة، أيّ رغبة؟ هل نسيتَ وجود طرف ثالث بالنسبة لهذه المسالة، إنَّه الإله؟
جوليا كريستيفا: يبدو بأنَّ الإيمان بالله يمنح توازنا كبيرا إلى الأزواج. ينصبُّ كل السؤال حول معرفة من يأخذ حاليا، مكان الله، مقابل عدم إيماننا به، أستمع على الأرائك خلال جلسات التحليل النفسي، إلى أفراد وضعوا طقوس الفنون والآداب محل الله. بينما آخرون، يشتغلون معا، فقد حوَّلوه إلى مقاولتهم.
فيليب سوليرز: ثم من يقولون: ”سنزهد من أجل خير المقاولة!” (ضحكات).
لونوفيل أوبسرفاتور: مقابل الوفاء في إطار امتناع جاك ماريتان، هل تفضلان الشغف الملتهب حماسا كما أوضحه دينيس دي روجمونت عبر صفحات كتابه: ”الحبُّ والغرب”؟
فيليب سوليرز: الشغف بغير سؤال لماذا. أما الوفاء، فيجيب على هذا السؤال. الشغف غير مبرَّر، يفعل ما يحلو له،سعادة أو شقاء. تبقى أطروحة دي روجمونت، إذا كنت أتذكَّر جيدا، رومانسية جدا، فاغنيرية (نسبة إلى فاغنر). يقود الشغف بالحبِّ، آليا، نحو التضحية والموت. إيديولوجية مهيكَلة جدا، وأكثر قوة اليوم.كما لو يلزم بالضرورة معاقبة الشغف بالضرورة، كما لو أنَّ الحب يفضي حتما نحو الكارثة. بهذا الخصوص، لدي موقف سجالي جدا وعنيف. ليس مفهومي عن الحب. أنا بالأحرى ”موزارت إلى الأبد” بدل فاغنر، كما يقول جون لوك غودار. خاصة لا مجال للتعاسة. الوفاء، عدم الوفاء أسئلة ملموسة، اجتماعية، لِمَ لا؟ لكن الشغف يستند على زمن آخر.
جوليا كريستيفا: يتطلَّع الشغف صوب المطلق، وفي نفس الوقت، يسائله ثانية.لا يمكننا القيام بأيِّ شيء ضد عنف تجاوزاته المفرطة. الموصولة بنظام اللذَّة وكذا التدمير. الشغف حماس واقتراب من الموت. سعادة وموت. تدمير وابتهاج. إنَّه شكسبيري. اندلاع، تشظِّي خارج الزمان. الوفاء، يكمن داخل الزمان. أعتقد بأنَّ دي روجمونت يحيل على تجربة غرامية سابقة على الفرويدية، ماقبل الحداثة. قبل بيكاسو وأرتو، أو إذا توخيت قبل محلات الأدوات الجنسية والشواذ. يستحيل اليوم التغافل على أنَّ الجنسانية أضحت أساسا جنوحا وتعدَّدت أشكاله.
لونوفيل أوبسرفاتور: هل تخيَّلتما إمكانية استسلام أحدكما للشغف، وفي هذه الحالة، توقُّع استعراض غير قابل للتبرير.
فيليب سوليرز: في حالة عدم ملاحظتك للأمر، أودُّ الإشارة إلى أنَّنا نعيش شغفا كبيرا (قهقهات) .
جوليا كريستيفا: نحيا معا تجربة إعجاب كبير متبادل، اقتناع كل واحد منا بذاته، ثم بنا معا في نفس الوقت، لذلك استعصى علينا تخيُّل حالات من هذا القبيل (قهقهات). على الأقل، شغف يعيد النظر في توافقنا. ربما تتأتَّى صعوبات حين انبثاق صلة موازية أكثر أهمية من الباقي، بيد أنه يكمن تواطؤ فلسفي جوهري يدفع العلاقة الأخرى صوب الانحلال أو الصمود، لكن وفق قيمة أقل. أسمع باستمرار مريضاتي الخاضعات للتحليل يتفوَّهن بالجملة التالية: ”لقد تعرَّضتُ للخيانة” (الرجال من باب الكبرياء، يشتكون بكيفية أقل). أستوعب موقفهن انطلاقا من موقعي كمحلِّلة نفسانية، وليس كشخص. يفترض الإحساس بالخيانة انعدام الثقة في الذات، نرجسية منهكة للغاية إلى درجة أن أبسط إشارة لتأكيد فردانية الآخر نعيشها بكيفية مدمِّرة. ذلك، أنَّ أبسط لسعة بعوضة تشعرك كما لو أنَّها انفجار نووي.
فيليب سوليرز: تبدو لي فكرة معارضة شغف بشغف ثان، غير خاضعة لتقييم جيد وبشكل فظيع. لقد رأيت باستمرار في تأويل من هذا القبيل عودة للديني، والذي يسمِّم هذا النوع من القضايا. ينبغي طرح كلمة ”شغف”بصيغة الجمع. الإقرار بالتعدُّد!
جوليا كريستيفا: نعم، لكنه تصور يفترض فردا ليس ”أحاديا”، بل متعدِّدا. هل بوسع الجميع، أن يحيا مشاعر عدِّة في الوقت نفسه؟ ليس بديهيا. تكمن هنا وجهة نظر الفنان والكاتب. يتوخى الشخص الكلاسيكي وحدة ذاته. يعيش انفعالات متباينة، تلغي الواحدة منها الأخرى.
فيليب سوليرز: حسنا، أظنُّه خطأ. اجترار دائم للرومانسية وكذا القرن التاسع عشر. أعتقد بأنَّه أمر لا يستقيم خلال العصر الحالي.
جوليا كريستيفا: يكبت بعض الأشخاص شعورا مقابل شعور ثان: لديهم لاوعي. آخرون يوظِّفون آلية الفصل ثم يراكمون: إنَّهم أصحاب أشكال متعدّدة.لا أشعر قط بقربي من الفريق الأوائل. يلزمني أن أكون محافِظة أكثر مقارنة معك.
لونوفيل أوبسرفاتور: لكن هل ساورتكما مشاعر الغيرة؟
جوليا كريستيفا: بهذا الخصوص لا أحبُّ بما يكفي النساء. ربما يمثل ذلك مشكلة، لكنه وضع مريح للغاية!
فيليب سوليرز: أقدِّم نفس الجواب: لا أنجذب كثيرا نحو الرجال.
لونوفيل أوبسرفاتور: يثير الرجل الخائن الضحك، بينما تتحمَّل المرأة دائما وِزْر حُكْم اقترافها الخيانة الزوجية. فهل تغيَّر الوضع بعد ثورة الأعراف منذ ثلاثين سنة؟
جوليا كريستيفا: تحوُّل لامس الظاهر. الحركة النسائية، تطور الايدولوجيات التحرّرية وكذا التطورات التقنية، كما أنَّ وسائل منع الحمل وفَّرت حرية للجنسانية النسوية. لكني أعتقد بأنَّ العوامل الاجتماعية تبقى قوية جدا. يحدث الإقرار لامرأة بحياة جنسية حرَّة، لأنَّها من جهة أخرى، لا تمتلك مميِّزات أخرى. لكنها عندما تمارس مايسمى بالمسؤوليات، ولها قدرات تفكيرية أو امتلاكها كلمة تدلي بها على مستوى الحقل الاجتماعي، ثم انقادت خلف رغباتها، ستصبح حينها تهديدا للمجتمع. لقد صارت سيِّئة وخائنة: قذرة. حاليا، هذه الكلمة صعبة التلفُّظ، ونقول بدلا عنها ”متمرِّسة”، “أصليَّة”، أو فقط رسم ابتسامة دون إضافة كلمة أخرى. أغلب النساء الفرنسيات اللواتي حوصرن في الحياة السياسية أو الإعلامية، مصدر ذلك أساسا نميمة أو افتراء بخصوص حياتهن الجنسية. تحضر هنا بزخم كبير فكرة أنَّ امرأة بلغت ما أرادته حينما تقاسمت الفراش مع رجل.
فيليب سوليرز: بالتالي قوة هذا الحكم الجاهز ساحقة، إنَّه هوس ديني علماني.مع ذلك، أعتقد بأنَّ إمكانيات النساء بخصوص اختيار شريكهن قد تطورت بكيفية معتبرة. وكلما توسع مستوى استقلالهن الاقتصادي، بقدر مايصير بوسعهن التعبير عن ما يرغبن فيه وما يرفضنه.
لونوفيل أوبسرفاتور: نعم، اختيار شركائهن. لكن هل يمنحن فعلا، مثل الرجال، الحق في أن يحظين بالعديد منهم؟
فيليب سوليرز: لازال نوع من السرِّية ماثلا.
جوليا كريستيفا: تصرُّ النساء على إخفاء الأمر،بالتأكيد قصد حماية أنفسهن. يتجنبَّن فعلا رواية خياناتهن في الفضاء العمومي، بينما يفعل ذلك الرجال عن طيب خاطر.هذا الخوف من الجنسانية لدى النساء، والاستبعاد الذي يتوافق مع الحاجة إلى الاحتماء. يحتاج المجتمع إلى تمثُّل أمومي للمرأة التي تمكث داخل المنزل كي تهتم بشؤوننا. لذلك، بمجرد أن تجسِّد امرأة قوية حسب الصورة المجتمعية حياة جنسية حرَّة، نشعر حينها بوجود خطر. تعتبر الحاجة إلى الأمن تحت كنف امرأة مخلِصة، متأصِّلة لدى الإنسان العاقل، ضمن رواسب الكائن. بدأنا في التخلُّص من هذه الصورة، لكننا لازلنا بعيدين عن التوضيح.
لونوفيل أوبسرفاتور: يبقى الإقرار بالخيانة أو إخفائها، إشكالية كبيرة بالنسبة للأزواج.
جوليا كريستيفا: لا أعتقد بوجود سرٍّ، أو على الأقل مطلق. أسلوبنا حاذق جدا بخصوص اختراق الأحاسيس والسلوكات، ويمكن بسهولة أن نفهم دون وضع النقط على الحروف. فضلا عن ذلك، تتناسل المعلومة، النميمة، الشائعات. إذن، حتما تنكشف الأمور. حاليا: أن تقول أو لا تقول؟ أن تعترف أو لا تعترف، إذا فضَّلت ذلك؟ يمكننا قول الأشياء بكيفية جارحة، مثلما بوسعنا التعبير عنها بكيفية تحترم الآخر. لقد صادفنا جميعنا أزواجا يتمتعون بحرية مفرطة يروون مغامراتهم بنوع من الإذعان السادي- المازوشي بحيث تنتهي علاقتهم إلى التدمير. قد تتأتى في خضمِّ “قول كلِّ شيء”، رغبة تدمير في الوقت ذاته الشريك الثانوي وكذا الأساسي. يستحسن أولا التساؤل شخصيا حول قضية التحدُّث؟ وما الغاية؟ الإخفاء أحيانا غير ممكن، لكن أيضا الصدق في هذا المجال مجرَّد وَهْمٍ. بالتالي، ضرورة تبلور علاقة تحليلية بجانب الشغف.
فيليب سوليرز: أنا مع التكتُّم (كما لو صدفة، يشير المفهوم إلى أحد عناوين مؤلفاتي)، أو على الأقل من أجل حيِّز خصوصية أكبر. لا أعتقد أبدا بأنَّ الكائن البشري يمكنه التبرير بناء على جنسانيته، لأنَّه مسؤول عنها تماما. ولايجعلها موضوعا لحديثه، سوى إذا أشعره هذا الجانب بكونه مريضا، حينها، يمكنه الذهاب إلى أريكتكَ النفسية. قد نُحاسب بناء على المستوى الاجتماعي، المادي، الفكري، العاطفي، لكن جنسيا أبدا. لذلك، فكرة الرقابة الجنسية غير مقبولة. أيضا، أعتقد بهذا الخصوص نزوع الرقابة الاجتماعية الدائم صوب تقليص حرية الأفراد. هناك كابوس استبدادي ضمن هذا المعنى، مقابل ديمقراطية مشرقة تضمرها دائما محاولات مقموعة. نعيش لحظة تاريخية تشعرنا كليا بوجود إرادة تقبض على أيادينا من خلال وسائل عدَّة، ضمنها التعصب الديني. الإبقاء على السرِّ ضروري، لأنَّه قماش الحرية. حاليا، كي أضفي على كلامي مَرحا، أستحضر في هذا السياق عبارة لكيركجورد مأخوذة من عمله ”يوميات غاوٍ”: ”امرأة تكرهني؛ امرأة ذكية، تخافني، امرأة متسامية تحبني”. جميل، أليس كذلك؟
جوليا كريستيفا: يستعيد كيركجورد كل شيء! (قهقهات) لكي نعود إلى السرِّ: بالتأكيد، يحافظ على صاحبه أو صاحبته، لكن قد يجعلهما أيضا ضحيَّة، ليس فقط الطرف المقصيّ، لكن بكيفية أخرى، الثنائي ”السريّ” نفسه، وقد تحصَّن ضمن لغزه اللا-اجتماعي. بالتالي، وجب النزوع نحو الوضوح. أشعر بأنَّ الأشخاص الخاضعين للتحليل النفسي، حتى الذين تربطهم بهذا المجال فقط علاقة محض نظرية، يدركون بكيفية أفضل تنسيق المظهر القاتل لرغباتنا وكذا الجانب العنيف لمشاعرنا. لا ينبغي إضفاء طابع المثالية على الحرية، مادامت بدورها قاتلة.
فيليب سوليرز: من أجل ذلك تخيف الحرية كثيرا ويُقترف أحيانا القتل باسمها!
لونوفيل أوبسرفاتور: هل يشكِّل توافقكما قيمة نموذجية؟
فيليب سوليرز: نموذج؟ لا؟ فقط مغامرة شخصية.
جوليا كريستيفا: نموذج تناغمات متضاربة حقا! في كل الأحوال، ولا علاقة لذلك بصورة ثنائي رائع يعيش توافقا مثاليا!
مصدر الحوار:
Le Nouvel Observateur . août 1996