المسرحي الخطيب: جمرة العشق
نجيب طلال
لنؤمن بأن المشهد الثقافي / المسرحي، معطاء فعاليات فنية وإبداعية، مكافحة؛ مناضلة، لا تبتغي سوى بناء ثورة للعشق الركحي، دونما مقابل مادي أو بنية مبيته للركض وراء الكسب والشهرة، فمثل هؤلاء لا ننتبه إليهم، أو نبحث عنهم من باب ثقافة الاعتراف والتقدير لعطائهم الجمالي والفني ولتضحياتهم التي لم يدفعهم أحد إليها مرغمين. وكذا من باب إضاءة بعض البقع المظلمة في مسرحنا المغربي؟ بغية ربط تسلسل الأجيال! إذ المؤسف! كيـف لا ننـظـر للمسـتقـبل؛ بعيدا عن الـحـنين والنوستالجية، قريبين من بـعـد نظـر ثاقـب؛ أمام إحياء رجالات ووجوه كانت وقادة، نتفق معها أو نختلف، ولكنها أعـطت بكل زخـمها ودمـائها؛ أســس البـناء الصـلب للـمسـتقـبل؛ رغم الإكراهات وتعرضهم لأنواع القهر والحصار. فالشعوب لا تبني مجدها إلا بالتعريف بأبنائها. ولكن هل لأننا نعرفهم خارج سرب الانتهازية والوصولية ولهـذا فنسيانهم / إقبارهم/ تهميشهم/ – فضيلة – من فضائل بنود دوائر الشيطان؟ أم أننا لا نعرفهم ، وبالتعريف بهم سنصبح (نحن) الزمرة المنوجدة في المشهد لا شيء! وهم سيتصدرون مشهد الذاكرة: أوهام تغلب نوايانا وأفكارنا! فمهما [كنت] وقدمت وأعطيت لن تصبح (نجما) خالدا. إلا بنية صفائك، وطيبوبة سلوكك ومسلكك القيمي، فالذاكرة لا تحفظ إلا بياضها، والتاريخ يدون كل شيء، ليسعف الذاكرة على نقاء صفائها ، وتلغي سوادها!
وفي هَـذا السياق أكيد أن جيل أواسط (الستينات) يعرف الفنان المسرحي [المسرحي الخطيب] اسم فني أليس كذلك؟ بل اسم حقيقي وغير مستعار. أنجبه فضاء (الحي المحمدي) ذاك الفضاء الخليط من ثقافات وعادات، ولكنها منسجمة؛ متناغمة، بحكم شعبية ساكنته. وطابع روح البساطة عند أغلبيهم، هكذا عاش “محمد الخطيب” لكن حينما التهمته جمرة العشق في أحضان جمعية “أشبال البيضاء “المسرحية ، أصبح كائنا آخر، كباقي الشباب من أبناء الحي الذين استقطبتهم “دار الشباب الحي المحمدي” التي كانت بمثابة [مدرسة/ معهد] ومن جوانيتها اكتووا بجمرة العشق المسرحي، بالنسبة لصاحبنا [الخطيب] فالذي أعطاه دفعة القبض على الجمرة – الراحل- التهامي الجمرقان- رحمه الله، هذا الاسم بدوره لم ينل حظه في سجل الذاكرة، فبالأحرى في سجل التاريخ ، فالذي لا يعْـرف هذا الشخص (قيد حياته) لا يعرف حركية مسرح الهواة ، ولا نكهة الحي المحمدي، كرافد من روافد النضال والإبداع. بحيث كان رجلا مبتسما، متفائلا، مناضلا، مكافحا، نقابيا في ميدانه المسرحي، ووظيفته (المكتب الوطني للماء والكهرباء) في زمن اللاخوصصة! فللتاريخ: فالمسرحي الوحيد الذي لم يستطع رئيس جامعة مسرح الهواة [ ع الحكيم ابن سينا] تدجينه وتطويعه، من قلب [مكتب الجامعة] لذا فطبعه هذا عكسه على رواد جمعية [“أشبال البيضاء”] التي كان رئيسها. وتعد من أقدم الجمعيات بالدار البيضاء. وبالتالي فالمسرحي (محمد الخطيب) منذ بداية مساره المسر حي الفعلي، سنة [1970] إلا ويتألق في عطائه، فوق الركح، ممسكا بجمرة العشق، حتى لا تنفلت منه، وفي كل محطة نزل فيها، إلا ونزل معه عشقه. عشق لم يأت صدفة إلى عالم التشخيص والإخراج.
وبالتالي فالوقوف على مرحلة هذا المبدع ، الصادق مع نفسه، والصبور إلى أقصى حدود الصبر، من يوم شبابه إلى دخوله عتبة الشيخوخة (الشبابية) لأنه لازال يبدع. ومرتبط بجمرة العشق المسرحي يصعب سردها بالتفاصيل، بحكم أنها متشعبة بالعطاء في كل محطة [الدارالبيضاء/ سيدي قاسم/ القنيطرة] وذلك بحكم مهنته [المكتب الوطني للكهرباء] هنا نجد التأثير غير المباشر للفنان (التهامي الجمرقان) وليس هو وحده هناك رفيق دربه الراحل المسرحي (أحمد كارص) الذي امتهن نفس الوظيفة. الأهم في كل هذا [فمحمد الخطيب] لم يتخل عن “جمرة العشق” المسرحي، على مستوى الإبداع والإنتاج ، وفي أوج عطاء مسرح الهواة، هو ممثل مسرحي بالدرجة الأولى مند سنة 1970، كانت له بصمة جد مميزة مع عدة جمعيات بيضاوية [ك] (أشبال البيضاء) (الأنيسون) (الهلال الذهبي) (أهل الخلود) ( الأمل المسرحي) ( الستار الذهبي ) ( العمل المسرحي والثقافي) ( العـروبة – سيدي معروف (تقني إضاءة).
فأول عمل شارك فيه (واك واك الحق) ثم (الخبز أو ذهب) للمرحوم (التهامي جمرقان) وبعدها مسرحية (رقصة على ذراع الظمأ) كتابة (لمصطفى الكرناوي) إخراج (جماعي) لجمعية (أشبال البيضاء) كذلك. وبعدها انتقل لجمعية [الأنيسون] رفقة الفنان (محمد رضا) فلم تتحقق رغبته، والسبب يعود لعدم اتمام أحد العروض للمشاركة في إقصائيات مسرح الهواة. فانتقل لجمعية (الهلال الذهبي) التي كان يشرف عليها المسرحي [حسن بنواشين] رحمه الله حيث شارك في إحدى أعماله (خلخال عويشة ) وبعدها مسرحية (حي بن يقظان يتخطى الأسلاك (محمد صابر) إخراج( محمد شفوقة) ثم (طبل الإمبراطور) وآخر أعماله مع جمعية (الهلال الذهبي) كانت مسرحية حمزة البهلوان (محمد هلال عاطف) – رحمه الله- وإخراج (جماعي) لينتقل لجمعية (الستار الذهبي) بمنطقة ابن امسيك، لكن الفنان ( أحمد رضا) جلبه لجمعية (أهل الخلود) ليشاركه في مسرحية (رحلة المجذوب) ففي هاته الرحلة بين الجمعيات البيضاوية وهي مسألة طبيعية كانت في شق مسرح الهواة، لأن المسألة: كان العشق هو الهاجس الأول للممارسة والبحث عن التنويع في العطاء. بعدها انتقل لمدينة [سيدي قاسم] سنة 1992، ليعيش مع جمعية (اللقاء المسرحي) تجربة أخرى، وممارسة في فضاء مختلف، بحيث قام بتشخيص مسرحية فردية (هنا ولهيه) سنة 1993 كتابة (خالد كشورة) وفي نفس الوقت قام بإخراجها.
ولقد تميز “محمد الخطيب” كمخرج مسرحي حينما غامر لأول مرة سنة 1980 بإخراج مسرحية (السلسلة وأحلام) كتابة (التهامي الجمرقان ومحمد خاي) مع جمعية (أشبال البيضاء) ثم غامر بإخراج مسرحية (عُرس الدم) لـ[كارسيا لوركا] مع جمعية (الأمل المسرحي / بالحي المحمد ي) وبهذا اكتسب تجربة إخراجية، دفعته لإخراج كل الأعمال التي قدمتها جمعية (العمل المسرحي والثقافي) مثل مسرحية (س وبين المطرقة والسندان) كتابة (عبد المجيد السياغ) ومسرحية (باريس) (لحميد هام) حيث شارك فيها رشيد زكي/ عبدالرحيم المنياري.. وبناء على تجربته الإخراجية؛ وظفها بمدينة (سيدي قاسم) في العديد من العروض كـ[مسرحية إسخيلوس والنسر/ موت بدون ثمن) كتابة (عبد المجيد السياغ) وعمل (هاجوا هما جو ج) كتابة (عبد العزيز بوغابة) وفي سنة 2003 سينتقل لمدينة القنيطرة، لتحتضنه جمعية (المشهد المسرحي) هاته المرة [ممثلا] في مسرحية ليلة بيضاء إخراج (محمد الزيات) لكن رغبته في الإخراج دفعته ليلتحق بـ(نادي اللقاء) ثم فرقة طلبة جامعة ابن طفيل) و(محترف محتر ف سبو لفنون الدراما) ولكن مؤخرا استشعرت بأنه أمسى يميل للمسرح الإسلامي، وهذا من حقه كفاعل مسرحي، وقناعته الخاصة. واستشعاري هذا يرتبط بما يقدمه بين الحين والحين في وسيلة (اليوتوب) من خطاب يلامس ما استشعرت به وكذا مشاركته مع ثلة من الممثلين والفنانين العر ب في مسرحية (ملحمة محتاجين لك يا نبي) كتابة لعبد الناصر حجازي وإخراج طارق حسن) من (مصر). والحديث عن الفنان (محمد الخطيب [اب ] الحي المحمدي) ولادة وتربية ابتداء من سنة 1953 يصعب سرده كما أشرت سلفا، ويكفي أنه عاش مع المسرح والمسرحيين سواء في الدار البيضاء ( موطنه) أو على الصعيد الوطني. تاركا بصمته المتواضعة، في النسيج المسرحي، كيفما كان أيام كان مسرحنا، ولقد مارسه ولازال بقناعة وبحب وبشغف وعشق، مقتنعا بدور وأهمية “المسرح” في التغيير والتنمية. بحيث دائما يردد في تدوينته القول التالي [إذا كان الفنان في واد، والواقع في واد. فإننا نعيش فعلا فن الخيال الفراغي]. لكن كبقية مناضلي “مسرح الظل”. لم يحظ بأي التفاتة فنية/ اعترافية، سواء محليا أو جهويا، رغم مشاركته في العديد من المهرجانات والتظاهرات الوطنية والجهوية وراكم العديد من التجارب المسرحية المهمة. التي سلطنا الضوء على جزء يسير منها.