جائزة الغونكور: حوريات كمال داود بين الجنة والنار

جائزة الغونكور: حوريات كمال داود بين الجنة والنار

باريس- المعطي قبال

        لكمال داود أعداء كثر، سواء بين الذين يعرفونه قراءة والذين لا يسمعون عنه سوى بالقيل والقال. لكن العداء الأكبر هو الذي يكنه له نظام العسكر الذي يحمله كل الآفات: التجسس، الخيانة، المس بالمقدسات والغوص في المحرمات التي تمثلها سنوات الرصاص الحالكة التي ذهب ضحيتها بدءا من عام 1992،  200 ألف شخص في مواجهات دامية بين الإسلاميين والعسكر. نحن هنا في مجال يخرج عن نطاق الأدب، للخوض في مجال الأيديولوجيا والسياسة.

تعززت شعبية داود لما كان معلقا صحافيا بصحيفة “لوسوار” حيث كثر قراؤه وتابعوا مقالاته الساخرة، القدحية للمجتمع الجزائري. ولما أصدر لأول مرة روايته «ميرسو تحقيق مضاد» عن منشورات البرزخ قبل أن تصدر في طبعة فرنسية لدى أكت سود، وقف القراء هذه المرة عند كاتب ألمعي. بعد رحيله من الجزائر إلى فرنسا وبفضل الشهرة التي حققها بفضل هذه الرواية، حظي من طرف الإعلام الفرنسي باحتفاء بالغ. عندها شعر باعتراف لا علاقة له بما كان القراء يكنونه له : في تنقلاته لإعطاء محاضرات أو المشاركة فيها أو توقيعات كان يطالب بمستحقات لا تقدر المؤسسات المضيفة رفضها.

وكان التحاق داود بأسبوعية “لوبوان” اليمينية والمعادية للإسلام نقطة تحول في مشواره. وانساق المعلق داود هذه المرة إلى تيار مناهضة كل ما يمث للإسلام والحضارة العربية بصلة. لم تفلت من انتقاداته اللاذعة لا اللغة العربية، ولا الجسد أو الجنس، أو الثقافة، أو ثورات الربيع العربي، أو فكر القبيلة… نهل من معين الجزائر التي عرفت تاريخا مرصعا بحوادث سير قاتلة لإسقاطه على بقية المجتمعات هو الذي لم يزر أو يقم بدول الخليج ولا بدول الشرق الأوسط التي عاشت ولا تزال كوارث مضاعفة.

 يحتل موقع الصحفي الملتحق بمكتبه ولا ينزل إلى أرضية الوقائع لمعاينة بشاعة الحروب مع تشريد وإبادة الأطفال والنساء والشيوخ. وما موقفه من حرب غزة سوى عرض على انسلاخه عن ارضية الواقع الدامي.

 جائزة الغونكور التي منحت له هذا اليوم، تكريس لسياسة الوفاق والتوافق الفرنسية. سعي الرئيس ماكرون إلى الاعتراف من دون طلب للغفران أصبح عقدة تؤرق ضمير الاليزيه. إن كانت الجزائر تطالب فرنسا بالاعتراف فإن رواية «حوريات» تطالب الجزائر بالاعتراف بالمجازر التي ارتكبها النظام في حق الأبرياء والتي يحجبها وراء قناع سميك.

رهان الذاكرة هو البراديغم الرئيسي الذي يحكم كل هذه العلاقات. تحتل إحدى ضحايا هذه المجازر في اسم فجر Aube مشهد الرواية. ثم نحرها وهي في الخامسة من عمرها عند نهاية عام 1990 بقرية حد شكالة. نحرت ولم تمت فقدت أوتارها الصوتية لكنها تنطق وتهمس إلى البنت التي في بطنها. لكن لن يتسن لهذا الجنين أن يرى النور في بلد لا يحب إلا صمت النساء وطاعتهن الخرساء، اللائي لا كلام لهن. تعرض علينا الرواية شخصية الإمام، شخصية الرجل المهووس بالتضاريس الجغرافية للكارثة ثم شخصية فجر التي لا تقدر على النطق.

تخلف رواية حوريات انطباعا بأن داود يعيد سرد محكيات يعرفها الجميع لكن ضربت من حول ذاكرتها سياج فولاذية سميكة: الوضع الاسترقاقي للمرأة، استبدادية الدين والحاكم، البؤس الجنسي الخ… نعرف أن القاريء الفرنسي شغوف بهذا النوع من المواضيع التي تبخس من الإنسان العربي والمسلم سعيا إلى مسح رؤيته من المشهد. ويساهم كمال داود بطريقته في هذا التوجه وهذا المشروع.

Visited 90 times, 90 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".