حليفي بمؤسسة “أبوبكر القادري”: المغرب الأطلسي والسردية التاريخية
متابعات:
عرف اللقاء الذي عقدته مؤسسة “أبو بكر القادري للفكر والثقافة”، في إطار برنامجها الثقافي والفكري، نقاشا موسعا حول أهمية السردية التاريخية في بناء الوعي والهوية، باعتبار أن الراهن بما فيه من مصاعب وأعطاب يحتاج إلى تحرير الذاكرة ومعاودة بنائها وفق أنساق جديدة، وهو ما يتطلب اختيارات جديدة في الكتابة عن الأعلام والأحداث، أو في الصورة الفنية وقدراتها التبليغية.
افتتح فريد القادري اللقاء بحوار مع الكاتب شعيب حليفي حول اهتماماته التخييلية والثقافية المرتبطة بالهوية والسرديات الكبرى والصغرى، وكانت أجوبة الكاتب تصب في أهمية الثقافة بالنسبة للاختيارات المجتمعية الاستراتيجية، ودور المثقف وإسهاماته الفعلية، وهي أدوار تتجدد انطلاقا مما راكمه الرواد في هذا المجال.
بعد ذلك فسح، منسق الجلسة، المجال لشعيب حليفي الذي قدم ورقة موسعة تروي حكاية مصطفى الازموري، المعروف في الأدبيات العالمية باستيبانيكو، في مبادرة تنفتح على الأطلسي وتتشابك ثقافيا وحضاريا مع إفريقيا وأوربا وأمريكا، بما في ذلك من تثمين للأفكار والاسئلة المشتركة.
تحدث الكاتب عن أن التاريخ المغربي منذ قرون مديدة عرف نساءً ورجالا، من كل فئات المجتمع صنعوا تاريخا أو رسموا أفقا أو أبدعوا أفكارا وحُلما أو اكتشفوا… وفي كل الحالات، هؤلاء حققوا صفة الشخصية التاريخية بما هي كائن رسم مسارا يَعْبُرُ الزمن، حاملا التأكيد على القيم الكبرى؛ ولعل هذا المسار الذي يحققه إنسان يتحول بفعله إلى شخصية تاريخية، هو الذي يصبح حكاية تحافظ على جوهرها.
بهذا المعنى فإن مصطفى الأزموري (ستيبانيكو)، مغربي من أزمور القرن السادس عشر الميلادي، قد انتقلَ من صورة مُواطن عادي إلى شخصية قَدَرية ترمز إلى التحرر والمغامرة، واستطاع أن يُحَوّل مجرى لحظة تاريخية ضمن سياق مطبوع بالمغامرات والاكتشافات والموت أيضا، وذلك لدوره الحاسم في استكشاف ولايات أريزونا ونيوميكسيكو وتكساس وفلوريدا. مثلما أن قبائل هنود زوني ما تزال تعتقد في “بركاته”، وهو المغربي الإفريقي الذي عَبر الموت عبورا قدَريّا، سواء وهو في البحر الذي الْتَهَمَ أمامه المئات، أو في طريق الصحارى القاحلة والقاتلة.ويضيف شعيب حليفي أن الأزموري رغم كونه لم يكن يجيد القراءة والكتابة لتدوين تاريخه، فقد كان يجيد لغة الحياة وأكثر من خمس أو ست لهجات تعلمها في عبوره الطويل.
كما استعرض بتفصيل السياق العام في النصف الأول من القرن السادس عشر بالمغرب وبأوربا، وتوقف عند العوامل الثقافية والإرث المحلي المشبع بالحياة والتحديات، كما ربط المرحلة بالتحرشات الأجنبية والعوامل الطبيعية من قحط ووباء، جعل البرتغاليين يجدون فرصة للنهب في الثروات، برا وبحرا، وفي الانسان عن طريق وجود نخاسين وقراصنة، وكان مصطفى الأزموري في ريعان شبابه، دون العشرين من عمره، واحدا ممن اختطفوا. يقول حليفي: “خرجت السفن بسرقاتها ،مثل لص لا يخفي شيئا، في منتصف النهار، تحت شمس حارقة ووجوم تام، وفي طريقها توزعت بين تلك التي توجهت إلى البرتغال وأسواقه، أو تلك التي اعتادت بيع حمولتها بقشتالة، حيث ينتظر نخاسون آخرون وسماسرة ومواطنون. فيتم الشروع في البيع بعد التقليب والرضى. وقد شاءت الأقدار أن يتقدم شاب إسباني، من نبلاء الطبقة الوسطى، اسمه اندريس دورانتيس، فاشترى مصطفى الأزموري الذي بدا مندهشا وحزينا ومستسلما. أخذه خادما تابعا له إلى بلدته الصغيرة ببيخار التابعة لنفوذ سلامنكا، والتي كانت قبل ثلاثين سنة عامرة بالعرب وغيرهم. وكان دورانتيس رجلا نبيلا وطيبا في نفس سن الأزموري (أو يكبره بثلاث سنوات)، فعمِلَ – حِفاظا على حياة تابعه –إعطاءَه اسما جديدا اشتقه من اسمه الأصلي ، فناداه استيبان أو استيبانيكو، كما عمل على تنصيره في واحدة من الكنائس بالبلدة”.
بعد ذلك يسرد المحاضر، تفاصيل الاستكشافية إلى العالم الجديد، تحت قيادة المستكشف بانفيلو دي نارفاييز، وحوالي ستمئة مشارك منهم النبلاء ودورانتيس منهم رفقة مساعده الازموري. رحلة ستعرف مغامرات قاسية لم يتبق منها سولى أربعة أفراد من بينهم كابيزا دي فاكا ومصطفى الأزموري/ستيبانيكو واندرياس دورانتيس وألونزو كاستيو مالدونادو. وسيعانون لسنوات من الأسر والاستعباد لدى السكان الأصليين إلى غاية سنة 1534، ثم سيواصلون التيه إلى أن يصلوا في يونيو 1536 إلى عاصمة المكسيك التي كان يحكمها أنطونيو ماندوزا وكيل التاج الاسباني، وصلوا كما يصف حليفي ذلك: “دخلوا وسط اندهاش أربعة يتقدمهم الأزموري بلباسه الشبيه بلباس المجاذيب وهدّاوة، خلفه النبلاء الثلاثة الذين أعياهم التشرد وسَحقت المغامرة كل كبريائهم، يتقدمون خلف سيد عالمهم الجديد، وهو مُحاط بباقي الأهالي من القبائل التي توزعت بركاته عليها، وقد نذروا أرواحهم القاصرة عن إدراك كل شيء، لخدمة هِبة الإله إليهم عِوض أولائك الغزاة”.
بعد ذلك سيتخلف الثلاثة عن مواصلة الرحلة إلى سيبولا، ويواصل الأزموري رحلته باعتباره قائدا ومستكشفا ميدانيا إلى جانب الراهب الفرانسيسكاني ماركوس دي نيزاىوذلك في فبراير 1539.
انتهت الرحلة بعد شهور من ذلك بروايات مختلفة ما تزال حتى الآن متدولة في نفس الأماكن التي عَبَرها أو انتهى إليها الأزموري الذي يعتبره السكان الأصليون اليوم، مثلما بالأمس، وكذلك المؤرخون والباحثون في تاريخ هذه المرحلة، مكتشف أريزونا والتكساس وفلوريدا، والممهد لمناطق مجاورة.