تأملات مفتوحة لتنمية سيادية بالمغرب

تأملات مفتوحة لتنمية سيادية بالمغرب

عبدالعالي بنشقرون

سعيد أن أتقاسم مع القراء الأعزاء إصداري الجديد وهو مؤلف تحت عنوان: Réflexions ouvertes pour un développement  souverain  au  Maroc,

ومن المنتظر أن أصدر قريبا مؤلفا  بالعربية يذهب في نفس الاتجاه، لكنه  يطور أكثر عدد من الجوانب الأخرى. ويقع المؤلف في 224 صفحة، وتتصدره لوحة فنية من لوحاتي، بعنوان “غابة الأمل”. ويتكون الكتاب من 5 فصول عن الدولة الاجتماعية التنموية، واستراتيجية التصنيع، السيارات والطيران، وإشكالية السيادة الطاقية، وملف مصفاة لاسامير الحساس، وقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وايضا موضوع الخط البرنامجي للفاعلين المدنيين من أجل التغيير وتبني القضايا التنموية الفعلية، علاوة على الوحدة الترابية..

يأتي عنوان الكتاب دعوة إلى التفكير المفتوح حول مواضيع مختلفة في التنمية الاقتصادية والصناعية والطاقية والتكنولوجيا والقطاعات الاجتماعية، كل ذلك من زاوية الدولة التنموية السيادية.

والهدف من الكتاب هو عرض بعض الأطروحات في الدولة الاجتماعية التنموية والسيادية الاقتصادية والصناعية والتكنولوجية، الخ. على أن يكون مساهمة غير مكتملة، في التبادل مع كل من يرغب في المساهمة في النقاش حول التنمية الفعلية، البديلة، في المغرب، إذ أنني أعتقد أن المشهد الفكري والسياسي في حاجة ماسة إلى ذلك. كما أن هذا النقاش ضمانة للديمقراطية والديناميكية، وهما السمتان المميزتان لأي مجتمع حي وفاعل. علما أن الكتاب، منذ البداية، ومن خلال أطروحات الكتاب، يتخذ بطبيعة الحال، مواقف نقدية من الوضع الراهن، ومن التوجهات والسياسات العامة المتبعة.

إذ إن الوضع في البلاد ينطوي على أوجه قصور واضحة، على الرغم من وجود بعض التقدم النسبي في بعض القطاعات أو المجالات من إدارة الشأن العام، او من حيث رسم معالم تطور بعض القطاعات الاقتصادية. طبعا كثيرا ما أقدم في الكتاب ، اقتراحات حول ما يمكن اتباعه من توجهات لتحسين وتأهيل القطاعات وسن سياسات جذرية مغايرة. ومن هنا الاستخدام المتكرر للشرطية في رؤية ما ينبغي القيام به أو تحقيقه، أو تحسينه من قبل المسؤولين والدولة.

هذا الواقع وهذه النقائص تتمثل أولا وقبل كل شيء في الفوارق الاجتماعية التي تزداد تعمقا، وفي التضخم المهول، خاصة مع الارتفاع “المصطنع” لأسعار المحروقات، وفي عملية تصفية صندوق المقاصة، وفي ارتفاع سعر البوتان وتأثيره الواسع، وفي الفساد المستشري في الإدارة والذي يكلف عدة نقط في النتاج الداخلي الخام، وفي قطاع الصحة التي تهدد حياة المرضى، وفي المدرسة العمومية التي وأوضاعها التي لا تبعث على الارتياح، وفي البيئة التي تتدهور، خاصة في المدن الكبرى، وكذا عدد من الظواهر الاجتماعية الضارة والسلبية مثل التسول الذي يشوه صورة البلاد.

ويوضح الكتاب ايضا ان الخيارات العامة في المغرب تميل إلى تقليص وزن القطاع العام لصالح القطاع الخاص، لا سيما في قطاعي الصحة والتعليم، اللذين يُنظر إليهما على أنهما “مناجم” للربح يمكن استغلالها. من هنا يتم تسهيل ذلك لصالح القطاع الخاص وعدد من الخواص، مغاربة أو أجانب.

وفي الحقيقة لا يمكن تفسير التوجهات الحالية، التي هي أيضا متمفصلة مع البيئة الدولية لـ”العولمة الرأسمالية“  النيوليبرالية، لا يمكن تفسيرها على أنها قدر محتوم على البلاد. إذ ان هناك بدائل لهذه الخيارات السياسية والاستراتيجية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. لهذا تستند مقاربتي على منطق يقطع مع فكرة “القدرية”، للمساهمة في تقديم حجة لمن يرغب في أن يكون من بين الفاعلين لصالح التغيير الممكن والجماعي والعقلاني

ويتناول المؤلف مشروع المشاركة في تنظيم كأس العالم 2030، الذي يعتبر فرصة تاريخية ذات حدين، بحيث إنه حدث فريد من نوعه عمل المغرب طوال عقود من أجل إنجاح ملفه بهذا الصدد. وفي النهاية تمكن المغرب من الفوز بهذا التنظيم، بحكم مجموعة من الظروف والتحالفات الخاصة والدبلوماسية. وهذه فرصة لا يمكن أن تتكرر لعدة عقود أو أكثر. لذا على المغرب استغلالها، ولكن بأي طريقة…

لذلك أطرح السؤال…هل يجب أن نركز أساسا على إنشاء البنى التحتية الرياضية الضخمة الباهضة الكلفة، أم أنه بجانب البنيات الرياضية، يجب أن نستفيد من هذه الفرصة الرياضية الهامة لنخطو خطوة كبرى في مجال التنمية، الاقتصادية والصناعية والتكنولوجية والاجتماعية؟

من الواضح أن المغرب يمكنه الاستفادة من زخم كأس العالم لمواصلة تطوير بنيته التحتية، الاقتصادية والصناعية، ومضاعفة عدد الفضاءات التكنولوجية والاستثمارات الإنتاجية والمنصات اللوجستية. بما فيها في المناطق المحيطة بالملاعب ، لجذب المستثمرين الاحتماليين أيضا من ضمن الأجانب الواردين على الملاعب، وذلك للاستثمار بالمغرب وجلب المشاريع التكنولوجية.

لذا أعتبر انها فرصة لتعزيز تنمية المناطق النائية وتقليص الفوارق المجالية وتطوير الاقتصادات المحلية في ضواحي المدن ”الرياضية“. وهي رؤية من شأنها أن تكون متسقة مع نهج آخر للسياحة، حيث تقدم منتجات سياحية جديدة للزوار في القرى البعيدة عن هذه المدن. وفي الوقت نفسه، ينبغي تشجيع الإنتاج الصناعي المحلي في قطاعات الأغذية الزراعية والملابس والسلع الاستهلاكية، لتلبية الطلب إبان كأس العالم نفسه وتعزيز الاقتصاد والصناعة بشكل عام.

ولكل ذلك، سيلزم تنظيم معارض صناعية ومعارض تجارية على هامش” المونديال”، للترويج للاختراعات ونتائج أبحاث كليات ومدارس الهندسة التي يمكن أن تحظى بإعجاب رجال أعمال احتماليين ضمن الجمهور الدولي والمهتمين. يجب أن يكون المونديال إذن فرصة ورافعة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية السيادية، بدلاً من أن يكون مناسبة لإنجاز مشاريع ضخمة سيظل نطاق جدواها سريع الزوال.

وعموما فإن أجرأة ما يعتبر “نموذج التنمية الجديد” تعتبر إشكالية حقيقية، إذ ان السياسات العامة والخطاب، في الحقيقة، يشهد فجوة بين الخطاب والواقع، بين التصريحات الصادقة لتطوير الاقتصاد والمجتمع، وبين الخطابات الرسمية أو الخطابية حول التنمية والنموذج التنموي.

إن الأمر كله يبدأ من سؤال الإرادة في العمل على تحقيق تنمية تكرس السيادة والاكتفاء الذاتي في القطاعات الحساسة، الغذائية، والادوية، والمواد الصناعية، ومختلف التجهيزات، كما أكدت ذلك تجربة الجائحة أو ايضا كارثة زلزال الحوز على سبيل المثال.

إذ أن الاختلالات الملاحظة في الاقتصاد والمجال الاجتماعي، تذكر الحاجة إلى دولة اجتماعية بمفهومها الواسع، دولة استراتيجية، تنموية وضامنة لمجتمع محصن ويقظ، لا سيما في ظل أوجه القصور في السيادة الغذائية والطاقية والصحية والتكنولوجية. إذ كشفت الجائحة، وكذلك الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز، عن أوجه القصور الاجتماعي، لا سيما في التعليم والصحة والسكن والبنية التحتية في المناطق المنسية من قبل الدولة وبرامجها. ان هذه النقائص في القطاعات الاجتماعية وخطورة التفاوتات وأثر هذه الأوضاع المتأزمة تظهر بجلاء الحاجة الملحة إلى إقامة دولة اجتماعية تنموية في المغرب.

من هنا نخلص الى ضرورة وضع ميثاق اجتماعي بهدف التوافق بين مكونات المجتمع والدولة والفاعلين، من أجل التدبير الرشيد في المجتمع والاقتصاد، وإدارة المؤسسات، بصفة الميثاق أحد الأسس الجوهرية للدولة الاجتماعية التنموية، التي من شأنها أن تؤسس لحماية اجتماعية فعالة.

وبذلك تفترض الدولة الاجتماعية التنموية، بمفهومها المجتمعي الشامل، إرساء أسس تنمية التصنيع المقترن بالبحوث والتطوير، والمتسق والخيارات الزراعية المتجددة المناسبة، وتعميم أوراش التنمية الوطنية والإقليمية والتركيز على إشكالية التشغيل بهدف تحقيق التشغيل الكامل، Le plein emploi، وإنقاد المدرسة العمومية والصحة العمومية، وأيضا إطلاق دور مبتكر للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وتحسين الأداء في القطاعات الاجتماعية عموم

لكل ما سبق، فإنه من ناحية الممارسة السياسية للقوى الوطنية الديمقراطية، فإن الخط البرنامجي الذي يستحب، بل يفترض ان يبلوره الفاعلون من أجل التغيير، والديموقراطيون وأيضا اليساريون، ينبغي طبعا العمل من طرف هذه القوى من أجل تطوير وبناء الدولة الاجتماعية التنموية والقطاع العام والحوكمة الفعلية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ومواجهة اقتصاد الريع والفساد،  الخ…

في الختام، فإن هذه التأملات مفتوحة على نقاش وحوار قد يكون مفيدا وضروريا بين الفاعلين وعموم الناس، بغاية البلورة المستمرة والتطوير المتواصل لبرنامج الدولة الاجتماعية التنموية… وتفعيل الممارسة التي قد تفضي إلي وضع أحسن ومتطور باضطراد.

Visited 49 times, 34 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد العالي بنشقرون

باحث في اقتصاد التنمية