هل يسبق “الهدوء النسبي” عملية اغتيال ما؟
سمير سكاف
تريد إسرائيل تفكيك ما تبقى من سلاح حزب الله، و”الغاية تبرر الوسيلة” بالنسبة لها! هذا في حين لن يتأخر قطار الحرب على المحور الإيراني ببلوغ وسط مدينة طهران قريباً، مع الاستمرار على العمل على قطع أذرعها في بغداد وصنعاء، ومع الاستمرار الإسرائيلي بتفكيك البنية المقاتلة للجيش السوري.
وبين المؤشرات الظاهرة والنوايا الخفية تبدو إسرائيل وكأنها تريد تأجيج نار الحرب على لبنان. أو أنها تعمل على تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار بشرط تدخلها في لبنان عندما ترى ذلك مناسباً!
وتعود إسرائيل بذلك لتحقيق شرطها في المفاوضات، التي لم تنجح في تمريره خطياً؛ وهو أنها سوف تتدخل عسكرياً مباشرةً في لبنان، وبغارات جوية وبقصف مدفعي وبتوغل بري… وطبعاً بتنفيذ الاغتيالات عندما ترى ذلك مناسباً!
خمس جبهات يمكن لإسرائيل فتحها أو تحريكها ضد لبنان. ثلاث جبهات برية، وجبهة جوية وجبهة بحرية. فما الذي يمنع إسرائيل مثلاً إذا ما قررت، دخول لبنان من جهة جبل الشيخ وراشيا، أو حتى من جهة معبر المصنع، بالإضافة الى المواجهات الجنوبية؟!
إن الغارة على قوسايا والمعابر الحدودية بين لبنان وسوريا، والتوغل في وادي الحجير (ثم التراجع) على أهميته المعنوية “دفناً” لمقبرة الميركافا، والغارة على سهل حزين البقاعي وتفجير المنازل وجرف البساتين في يارون ومارون الراس واستهداف عيتا الشعب المدفعي… كلها خروقات لا تأبه إسرائيل بها لا للمراقبة ولا للجنة المراقبة ولا لليونيفيل ولا للجيش اللبناني.
هناك أمثلة كثيرة أخرى لهذه الخروقات، بالإضافة إلى حركة مسيّرات الـ MK الاستطلاعية التي “لا ترتاح ولا تريِّح” اللبنانيين، لا فوق بيروت ولا فوق الضاحية ولا فوق أي من المناطق اللبنانية… كلها تؤشر أن هذا “الهدوء النسبي” يسبق عاصفة ما!
إن التجريف في وادي الحجير ومحاولة فصله عن وادي السلوقي (ومن ثم الانسحاب من المنطقة)، على سبيل المثال، هو خطوة عسكرية ميدانية عملانية. خطوة تدخل لا شك في فصل المناطق عن بعضها البعض، للاستفراد بكل منها، ولقطع طريق الامدادات بالذخيرة واللوجستية عن داخلها. ولكن من غير المفهوم ما إذا كانت هذه العمليات محدودة أم تمهد لعودة حرب أكبر وأكثر شمولية!
لم تكن إسرائيل مجبرة على وقف النار ولا على القبول باتفاق وقف إطلاق النار في المرحلة السابقة. إلا إذا كان الموقف تكتيكياً ومرحلياً لالتقاط الأنفاس وإعادة تنظيم الصفوف وتنظيم ألوية الجيش بعد إراحتها وبعد إراحة طائرات الـ F16 وال F35!
ومع ذلك، فإن إسرائيل ما تزال ضمن مهلة الستين يوماً، التي بدأت في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
وقد أخلت إسرائيل بعض المناطق. وقد دخل الجيش اللبناني بعضها، كما في مدينة الخيام، التي ما يزال رفع شهداء حزب الله منها مستمراً حتى اليوم.
ولكن هل تعود إسرائيل لحرب أكثر وضوحاً، ليس فقط بغية إضعاف حزب الله، بل بهدف كسره وكسر قدراته العسكرية وتدمير بنيته التحتية بشكل نهائي؟ وهل تعود الحرب عندها بعد فترة الستين يوماً؟! وهذه الفترة التي عانت في نصفها الأول قد لا تصمد حتى بلوغ نهاية نصفها الثاني!
في قراءة للأسلوب العملاتي الإسرائيلي يمكن الاعتقاد أن إسرائيل يمكن أن تنفذ في أي لحظة عملية اغتيال لشخصية لبنانية من حزب الله أو من الشخصيات المقربة منه، من دون أن تعتبر ذلك خرقاّ لوقف إطلاق النار! وطبعاً، من الأرجح أن تنفذ اغتيالات أخرى في قيادات “الممانعة” في بغداد أو صنعاء أو طهران.
حزب الله، من جهته، يلتقط انفاسه أيضاً. ويحتاج لإعادة تنظيم بعض من صفوفه، مع استحالة واقعية في إعادة التسلح والتزود بالصواريخ وتصنيعها، ومع استحالة زمنية في إعادة تشكيل الفرق المقاتلة لديه بعد خسارة معظم القادة العسكريين من أصحاب الخبرات القتالية، وخسارة أكثر من 7.000 مقاتل من أصحاب الخبرات نفسها بين شهيد وجريح غير صالح للقتال، خاصةً إثر عملية البايجرز ومن بعدها اللاسلكي. وهو يحتاج لذلك لسنوات طويلة لتعزيز خبرات القياديين والمقاتلين الشباب في صفوفه.
ومع ذلك، فمن وجهة نظر حزب الله، لن يسكت الحزب طويلاً على الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار. لا بل يمكن للحزب أن يبادر بعملية ما وبإطلاق صلية صواريخ على الجيش الاسرائيلي، في الداخل اللبناني على الأرجح كمرحلة أولى، كي يثبت أنه لم يوافق على ما يراه الكثيرون اتفاق إذعان أو استسلام.
مع نهاية شهر كانون الثاني/يناير المقبل، أي مع نهاية فترة الستين يوماً، وبعد انتخاب أو محاولة انتخاب رئيس جمهورية في لبنان في التاسع منه بعد فراغ رئاسي لأكثر من سنتين، ومع تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العشرين منه، تذهب المؤشرات الى أن فصل الشتاء سيبقى حاراً في لبنان، على أمل أن تبقى هذه الحرارة معتدلة على الأقل. وعلى أمل ألا تتحول هذه الحرارة، وهو أمر ممكن جداً، الى حارة جداً بنيران الغارات الجوية المدمرة… من جديد!