الأفق المسدود للثورة المسلحة في سوريا

الأفق المسدود للثورة المسلحة في سوريا

إسماعيل طاهري

         لقد بدأت الثورة السورية في 2011 سلمية شعبية ثم سلحت بدعم تركيا وأمريكا، تم قمعها بتحالف إيران وحزب الله مع بشار الأسد. وتمكن نظام البعث وشبيحته من طردها وعزلها في شمال سوريا. لكن التطورات الأخيرة في حرب لبنان أخرجت حزب الله وإيران من سوريا عمليا، مما أدى إلى اختلال في موازين القوة فاانهيار النظام وضعف مفاصله لعد تخلي القوات الروسية عنه، بحكم انشغالها بثغرة حرب أكرانيا. وبعد أيام قليلة من وقف حرب لبنان وإسرائيل فاجأت المعارضة الجميع وقادت هجوما منسقا يضم عشرات التنظيمات الجهادية، واستغلت قوات الطائفة الكردية، المسماة “قوات سوريا الديمقراطية”، الوضع لتوسيع مجال نفوذها الترابي شمال سوريا.

كان الهجوم برعاية خفية وعلنية لمخابرات تركيا وقطر وأمريكا وإسرائيل، ولم يكن أمام النظام سوى الانسحاب من الميدان، وبالتالي تم دخول أرياف/ أقاليم ومدن حمص وحماة ثم دمشق، بدون مقاومة تقريبا، وعبر رئيس حكومة بشار الأسد عن الرغبة في تسليم السلطة سلميا والحفاظ على مؤسسات الدولة، لكن ميلشيات المعارضة فضلت تدمير مؤسسات الدولة والدخول إلى القصر الرئاسي (قصر الشعب)، والعبث فيه وحرق المربع الأمني رغم انسحاب الضباط من وزارة الدفاع ورئاسة الأركان وخروج الجيش النظامي إلى خارج دمشق..

طريقة التعامل مع مؤسسات الدولة تذكرنا بما حدث في ليبيا ومصر واليمن.. والنتيجة كانت هي دخول هذه الدول في حروب أهلية وانهيار الدولة، ما عدا مصر التي استعاد فيها الجيش المبادرة بانقلاب عسكري مدبر..

وسوريا اليوم مرشحة لإعادة تجربة طالبان أفغاستان، والدولة مرشحة بقوة لتكون رهينة في يد معسكر أمريكا وإسرائيل والإمارات والسعودية وقطر..

نتمنى ألا تنتقل سوريا إلى دوامة حرب أهلية وحرب تقسيم.. ولكن هذا التمني سيكون من ترتيبات الذهن الجميلة، فلا يمكن أن نراهن على الأصوليين الجهاديين، عملاء أمريكا وربيبتها إسرائيل، في الانخراط في مسلسل الانتقال الديمقراطي. ففاقد الشيء لا يعطيه.

لهذا فكروا في المستقبل يا أنصار الثورة السورية المسلحة في المغرب وخارجه، ولا تعمي أبصاركم وبصائركم الحقيقة التاريخية الصلدة. لاحظوا أن إسرائيل دمرت وتدمر المقدرات العلمية  والعسكرية لسوريا خلال ثلاث أيام من الفراغ السياسي الأولى.. مسلحو تحرير الشام/ النصرة وملشيات 60 تنظيما معظمه أصوليا رفضوا تسلم السلطة في دمشق وظلوا يقاتلون الأشباح، رغم أن النظام انتهى وترك مواقعه. وظلوا يدمرون القصر الرئاسي، مع أن هيئة الأركان ووزارة الدفاع فارغة، ونسوا أنهم انتقلوا من الشمال إلى دمشق بدون قتال..

نعم أهل مكة أدرى بشعابها.. ولكن نحن لسنا في الشعاب، نحن أمام قوانين تاريخية تحكم سير الدول الحديثة..

نحن نقدم رأينا فقط من باب حرية الرأي والتعبير ومحاولة سبر الحقيقة النسبية بطبعها وطبيعتها. ولن نكون سوريين أكثر من السوريين، ولوا كانوا حمقى أو أصوليين طائفيين فبالأحرى ديمقراطيين أو حداثيين.

ولنا ولكم عبرة في التاريخ يا أولي الألباب:

الثورة الفرنسية والروسية أو الصينية انتصرت ولا يمكن تجاهل العبر التي يجب استخلاصها من هذه التجارب الثورية، خصوصا وأن خلاصة تاريخ هذه الثورات بات معروفا ومرتبا في موسوعات المؤرخين وأسفار كليات التاريخ والجغرافيا.

والحال أن ثورة الربيع العربي أجهضت بسبب الأخطاء التي ارتكبها الثوار عندما سلحوها ودينوها وطيفوها، فتكالبت عليها الدوائر الغربية والصهيونية مدعومة من بنية الاستبداد التي تحكم عقلية الدولة والمجتمع في العالم العربي. لنتخيل سلوك الثوار في ليبيا عندما حرقوا قنصلية الولايات المتحدة  الأمريكية ببنغازي واغتيال السفير الأمريكي “كريس ستيفنز” سنة 2012. وما تلاها من فوضى واقتتال والخلاصة نهاية الدولة الليبية الموحدة، أما الديمقراطية والعدالة وأحلام الثورة فصارت سرابا على أرض الواقع مما جعل بعض الليبيين اليائسين يحنون إلى عهد القذافي.

كنت أتمنى أن يستلم الثوار السلطة ويعينون رئيسا وحكومة مؤقتين وعدم تغيير رموز الدولة، من علم وغيره إلا بالقانون. والإعلان عن أجندة لإقامة المجلس التأسيسي وعدم حل البرلمان والأحزاب والنقابات، بما فيها حزب البعث. وأن يستفيدوا من البيروقراطية الدولتية التي قاربت القرن، وإلا فإن الأمور ستنفلت من بين أيديهم.. وللأسف فبوادر الانفلات الأمني والاقتتال الطائفي تنبئ بالشر المستطير بعد حل الأجهزة الأمنية وترك الجيش في الثالوث المرفوع، فإسرائيل تدمر الترسانة الأمنية، ولا أتصور أنها فعلا تنوب عن الثوار في حل الأجهزة الأمنية.. والثوار لم يكتبوا بيانا واحدا لإدانة الهجوم العسكري الإسرائيلي على سوريا، مع العلم أن تدمير الجيش واحتلال انطلق تزامنا مع دخول مسلحي الثورة إلى ساحة الأمويين بالعاصمة دمشق. ولم يدينوا احتلال أراض واسعة مجاورة لمرتفعات الجولان. وهذا موقف غير وطني مخز. بل إن القيادة الجديدة ماضية على نار هادئة إلى طلب وساطة أمريكا لبحث إمكانية التطبيع مع إسرائيل، كما صرح محافظ دمشق الجديد. فأول شيء فرطوا فيه هو السيادة الوطنية. وهذا وحده نذير شؤم لكل غيور على مستقبل سوريا الجديدة.

Visited 36 times, 14 visit(s) today
شارك الموضوع

اسماعيل طاهري

كاتب وباحث من المغرب