عامٌ بطعم الإبادَة

عامٌ بطعم الإبادَة

كاركاسون- المعطي قبال

         ونحن على مشارف العام الجديد، لا محيد كما هو معمول به، من القيام بجردة عامة بأهم الأحداث التي دمغت العام الذي نودعه. وتجدر الإشارة إلى أن ثمة شعور بالانكسار والتذمر واليأس انتاب ساكنة العالم وذلك على خلفية إرادة القوة لسحق بل لمحو الآخر. وقد شدد المحللون السياسيون والمفكرون على نهاية الديمقراطية على النمط الغربي مع استفحال الشعبوية والتطرف اليميني الذي اكتسح أكثر من بلد أوروبي وبالأخص أمريكا مع عودة دونالد ترامب و. وقد كانت ممارسة الإبادة بغزة نقطة التمفصل في هذه التغيرات. ومن بين الأحداث الفاصلة لعام 2024 المشؤوم، نذكر استقواء عصابات إنتاج وترويج المخدرات بكل من فرنسا وبالأخص العصابة الجزائرية النشطة بمدينة مارسيليا، هولاندا، إيطاليا وغيرها من نقاط التسريب ضمن شبكة عالمية.

الحدث السياسي الذي لا زالت أمريكا وأوروبا تدفعان ثمنه غاليا هي الحرب الأوكرانية-الروسية. وتتعامل هذه الدول، باسم الدفاع عن الديمقراطية، مع أوكرانيا كالطفل المدلل! إلا أن تراجع هذه الأخيرة في ساحة الحرب قد يضطرها إلى الدخول في مفاوضات من دون قيد ولا شرط.

طوفان الأقصى، العملية التي شنتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ضد إسرائيل فجر يوم السبت 7 أكتوبر، لا تزال تداعياتها سارية المفعول على ساحة القتال حيث نزلت إسرائيل معززة بالعتاد والتكنولوجيا الأمريكية بقطاع غزة لتخريب من دون تمييز المنازل، المنشآت والقطاعات الحيوية، وشملت الإبادة الأطفال، النساء، الشيوخ. وقد تم الإبلاغ عن مقتل أكثر من 42000 شخص (40972 فلسطينيًا و1478 إسرائيليًا) في المواجهة، بما في ذلك 116 صحفيًا وفقًا للجنة حماية الصحفيين (111 فلسطينيًا و2 إسرائيليين و3 لبنانيين)، و134 صحفيًا وعاملًا إعلاميًا وفقًا للاتحاد الدولي للصحفيين (127 فلسطينيًا و4 إسرائيليين). هذه الحرب مرشحة بأن تدوم خلال العام الجديد، خصوصا وأن دونالد ترامب تدخل مهددا بالوعد والوعيد ونهج سياسة الأرض المحروقة إذا لم تفرج حماس عن الرهائن. وباغتيال يحي السينوار، رئيس حركة المقاومة الإسلامية، في 16 من أكتوبر من عام 2024 ، فقدت المقاومة قوة الردع التي كانت تملكها. ويأتي هذه الاغتيال ضمن سلسلة الاغتيالات التي انتهجتها إسرائيل حين قتلت بطريقة هوليودية كلا من إسماعيل هنية، ثم حسن نصر الله عن حزب الله والذي تم اغتياله ببيروت في 27 من سبتمبر 2024.

حرب إسرائيل على لبنان وما خلفته من خراب انطبعت عنيفا على وعي اللبنانيين وضمائرهم. وقد  أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن أكثر من ثلاثة آلاف شخص قتلوا وأصيب أكثر من 13 ألف آخرين حتى الآن، وهو ما يتجاوز بكثير عدد الضحايا المسجل في حرب عام 2006. إن كان هدف إسرائيل هو تحويل فلسطين ولبنان إلى مقابر هامدة، فإن الأطفال الذين عاينوا القصف والقتل لن يغفروا غدا لإسرائيل صنيعها. في الوقت الذي اسودت فيه صورة إسرائيل، كسبت فلسطين تأييدا عالميا حتى من لدن بعض الاسرائليين أنفسهم. فقد توالت المظاهرات وحررت العرائض والتوقيعات وكانت هذه الأنشطة بمثابة مسامير في نعش إسرائيل.

فرنسا التي لم تعترف بفلسطين لاعتبارات تاريخية ولسبب النفوذ الصهيوني في دواليب السلطة، شهدت ترسخ مفهوم عداء السامية الذي أصبح لصقة لكل من ينتقد إسرائيل. على مستوى آخر شكل حل البرلمان من طرف إمانويل ماكرون وتنظيم الانتخابات التشريعية والأوروبية مناسبة لتعزيز الموقع السياسي للتجمع الوطني المتطرف. فقد أصبح اليوم صانعا للملوك.

على المستوى الوطني يبقى أهم حدث هي الرسالة التي وجهها إيمانويل ماكرون إلى العاهل المغربي  يعترف فيها بسيادة المغرب على الصحراء المغربية. تزامن إرسال هذه الرسالة    مع الذكرى الـ25 لاعتلاء الملك محمد السادس عرش المغرب. بعدها جاءت الزيارة الرسمية للرئيس الفرنسي  لتوطيد العلاقات بين البلدين وتأكيد ماكرون في خطاب أمام البرلمان على مغربية الصحراء. . 

دائما وفي ملف الصحراء المغربية، تعمقت هوة الخلافات بين الجزائر والمغرب، الشيئ الذي عزز المزايدات الجزائرية في أكثر من موضوع: فلسطين، « التآمر »، اعتقال الأديب بوعلام صنصال هذا من دون نسيان السباق نحو التسلح. فيما يخص بوعلام صنصال يتعلق الأمر بمحاولة انتقام في حق كاتب عبر بكل حرية عن رأيه في قضية النظام وفي مسألة الحدود ومخلفات الاستعمار. اعتقاله يثبت أن النظام يوظف مفهوم مفهوم القداسة (قداسة الثورة والحدود الخ…) لأغراض سياسية محضة.

تأتي أيضا على رأس القضايا التي طبعت هذا العام قضية تصدعات البيئة والمناخ والتي أحدثت آثارا وخيمة على الماشية، الأرض، الإنتاجية كما أضرت بالصحة العامة للمواطنين. فالصين، الهند، البرازيل ليسوا على استعداد للتخلص من سلوكات الاستهلاك التقليدية القائمة على استعمال الفحم. وقد يكرس دونالد ترامب أيضا هذا التوجه.

Visited 51 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".