الرئيس الجزائري.. ما أن يفكر في المغرب حتى ينهار لديه المنطق

الرئيس الجزائري.. ما أن يفكر في المغرب حتى ينهار لديه المنطق

اليزيد البركة

         لم يخرج خطاب الرئيس الجزائري أمس الأحد أمام غرفتي البرلمان، عن الخط السياسي العام القائم على مناوءة الشعب المغربي في حقه في استكمال وحدته الترابية، وهو نفس الخط الذي اختارته القيادة العسكرية. لن اذكر أي شيء يتعلق بالسياسة الداخلية في الاقتصاد والقانون والسياسة العامة، وسأكتفي بموضوع الصحراء المغربية الذي أضاف له الرئيس بعض المستملحات السياسية المستقاة من الكذب على الأموات. وقد لفت الانتباه في خطابه أنه حينما كان يتحدث عن الصحراء ألح على سرد العديد من الكلمات التي تؤكد على ألا أطماع للجزائر في الصحراء، سواء في القديم أو الآن، فقط “الحق” وضد “الاستعمار”، ومع حق تقرير المصير. وتساءل لماذا تريدون أن تفرضوا عليهم الحكم الذاتي؟ دعوهم هم يختارون، ومعلوم أن هذه الكلمات التي تبرر الدعم السياسي والعسكري والديلوماسي والمالي.. تتناقض تماما مع العملية السياسية القائمة على العملية الاستخبارية التي تورط فيها النظام، وتتعلق باحتضان علني لسياسة فصل الريف عن الوطن المغربي، ووضع كافة الإمكانات تحت تصرف مجموعة من الانفصاليين. وبما أن تلك الكلمات تتناقض مع هذه السياسة فقد ضرب صفحا عنها هذه المرة، حتى تحين فرصة ربط الريف أيضا بفلسطين، كما ظلت أبواق العسكر تردد في موضوع الصحراء المغربية.

علاقة الجزائر بفرنسا، والتي لخصها في العلاقة بسياسة ماكرون فقط، هي التي سبقت في خطابه موضوع الصحراء، والتي تناول فيها موضوع الذاكرة و”قضية صنصال”، الذي كال له أبشع الأوصاف، إلى درجة أن وصفه بأنه مجهول الأب وأن فرنسا هي التي وراءه، وأراد من ذلك ربط موضوع الصحراء أساسا بسياسة فرنسا. في حين أن أمريكا، ورغم أنها متقدمة في تاييد المغرب عن فرنسا، فقد أكرمها وأشاد بها.

من المستملحات الملفتة أن الرئيس تبون قال بأن الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب هو من فرنسا، وأشار إلى الرئيس السابق جاك شيراك، في خطوة لربط موضوع الصحراء بمزاج الشعب الجزائري حول الذاكرة وموقفه من الاستعمار الفرنسي، الذي أفاض فيه الرئيس في خطابه. والحقيقة أن فكرة الحكم الذاتي في الصحراء جاءت من الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي عبد الرحيم بوعبيد، في صيف سنة 1976، وتلك أول مرة في تصريح لصحيفة “لوموند” الفرنسية قبل ان يعيد التأكيد عليه في لقاءاته الحزبية وفي تصريحاته الصحافية، بينما جاك شيراك لم يصبح رئيسا لفرنسا إلا في سنة 1995. وأكثر من هذا أن الملك الحسن الثاني لم يأخذ برأي عبد الرحيم بوعبيد إلا في ما بعد، وبدأ يفكر في اقتراح عبد الرحيم بوعبيد المتعلق بالحكم الذاتي، دون ان يعلن عنه، بعد تخطي المواجهة العسكرية ووقف إطلاق النار أولا، وبعد أن وصل الطريق الذي سلكه والمتعلق بالاستفتاء إلى الطريق المسدود ثانيا، رغم أن الملك كان يردد للشعب المغربي على أنه “استفتاء تأكيدي”، موحيا على أن الصحراويين لن يتخلوا عن مغربيتهم. غير أن رفض البوليساريو ومن وراءها الجزائر، تسجيل بطون وأفخاذ من القبائل الصحراوية التي هربت أو هزمت في المقاومة أو شردت إلى مناطق شمال الصحراء، على وسطه في اللوائح الانتخابية، عجل بفشل مخرج الاستفتاء، وأفشل الخطوة التكتيكية للملك الحسن الثاني. أما في الحقيقة فإن القانون الدولي لا يعرف شيئا مما يسمى الاستفتاء التأكيدي، إذ وجد الملك بعد عدم تمكن المفاوضين المغاربة من تسجيل كل الصحراويين في اللوائح، أمام مجازفة خطيرة، لا يمكن أن يقدرها من يتبنى أي بند في القوانين الدولية من رؤية ثقافة حيادية وحوارية (نسبة إلى الحواريين).

المستملح الثاني هو ترديد مستمر لحق تقرير المصير وربطه بالاستعمار وتأكيده على أنه هو ما تؤكد عليه الامم المتحدة. وهذا غير صحيح، الأمم المتحدة بكل مؤسساتها لم يسبق لها أن أصدرت وثيقة واحدة بعد أن دخل المغرب إلى الصحراء، وبعد الاتفاقية مع اسبانيا تقول إن المغرب استعمر الصحراء، ووجود الموضوع في اللجنة الرابعة تم إبان الاستعمار الاسباني، والمغرب هو أول من وضعه فيها في سنة 1964، وكل الوثائق تشير إلى وصف “نزاع ” منذ تاريخ 1975.

المستملح الثالث هو التساؤل الذي يقدم على أنه بريء، والقائل: “لماذا تريدون أن تفرضوا عليهم الحكم الذاتي؟ والحقيقة أن الحكم الذاتي هو مقترح جاء بعد فشل مخرج الاستفتاء، فشل برأي الأمم المتحدة نفسها، وهو متقدم على الاستفتاء، لأن هذا الأخير ليس إلا آلية من آليات الخلوص إلى حق تقرير المصير، في حين أن الحكم الذاتي هو أحد أشكال حق تقرير المصير، وهو قابل للنقاش لإغنائه، كما أن آلية تطبيقه قابلة للنقاش أيضا، الشيء الثاني أن الرئيس الجزائري تكلم عن فرض الحكم الذاتي اثناء حديثه عن الطرف الذي يرفضه ويتبنى الانفصال، وكأنهم الوحيدون من يمثل الصحراويين، أما الباقي فلا وجود له لديه، لأن سياسة النظام قائمة على دعم وترجيح الانفصال. ولهذا فإن سياسة النظام الجزائري هذه ليست لوجه الله، كما يدعي الرئيس الجزائري، بل هي نفس السياسة المنادية بحق تقرير المصير في الصحراء في سنة 1968 من طرف فرانكو، عندما بدأ الصحراويون الوحدويون المغاربة يطالبون بجلاء اسبانيا عن الصحراء.

على كل، حق تقرير المصير في الصحراء المغربية طريق مغرٍ ليسلكه صنفان من البشر، خارج مغربية الصحراء بدون لف ولا دوران، الأمر الذي يعني إنهاء الاستعمار عن طريق المسيرة وتركيز الإدارة والسلطة، الأول من ينطلق من أن للشعب المغربي حق استكمال وحدته الترابية، وهو الذي يرى كيف يدبر علاقات مجاله الترابي وقوانينه، والإدارة هي التي تنفذ السياسة العامة لهذه العلاقات، والأمم المتحدة ليست إلا مساعدة لإنهاء ملف كان تحت الاستعمار الاسباني وانتهى، وبقيت ذيوله التي تحاول دولة جارة أن تعيده إلى نقطة الصفر مع مجموعة انفصالية تابعة لها وليست مستقلة.

الثاني، يستغل حق تقرير المصير للوصول إلى انفصال قسري ضد حق الشعب المغربي وضد أغلبية سكان الصحراء، ولصالح أقلية انفصالية غير مستقلة القرار ولصالح دولة جارة، وتستغل هذه الاقلية مع الدولة الجارة الأمم المتحدة لتحييد الإدارة المغربية وفرض إدارة أممية، حتى يتم جمع الكثير من الأوراق بما فيها الاستفتاء بدون كل الصحراويين، وفقط من بقي في الصحراء في 1975 حسب إحصاء 1974، وذلك لترجيح كفة الانفصال، وطبعا يدخل ضمن هذا الصنف الثاني من يتبنى حق تقرير المصير بصيغته الجزائرية وصيغته الفرانكاوية، والذي يجعل حق الشعب المغربي ألعوبة تفسير نظري قانوني وحياد إزاء التفاسير وإزاء الخطوات والمواقف السياسية لكل الاطراف المتعددة بما فيها من له أطماع التمدد والسيطرة.

Visited 25 times, 2 visit(s) today
شارك الموضوع

اليزيد البركة

كاتب وصحفي مغربي