ذكرى “الأم فاما”.. “لاباسيوناريا” المغربية

عبد الرحيم التوراني
تحل اليوم الأربعاء 19 مارس 2025، ذكرى مرور 21 سنة على وفاة مناضلة يسارية طغى لقبها على اسمها المدون في سجلات الحالة المدنية..
الجميع كان يعرف “الأم فاما”، بينما يجهلون اسمها الحقيقي، وهو “فاطمة اعزاير”. وقد أطلق اسمها على الثانوية الإعدادية المجاورة لسوق جوطية درب غلف في الدار البيضاء، وقبلها، في حياتها حمل لقبها اسم مركز لمناهضة تعنيف النساء والدفاع عن حقوقهن.
مثل العديد من الشخصيات الوطنية في المغرب، التي قوبلت بالجحود والنسيان، عبر التعتيم على أسمائها وذكراها بهدف محوها من الذاكرة الشعبية، يحصل الأمر ذاته مع “الأم فاما”، إذ باستثناء شريط وثائقي يتيم، (جرى إعداده في آخر حياتها – لحسن الحظ- وبثته القناة الثانية “دوزيم”)، لم تنجز أعمال أخرى بغاية توثيق كفاح هذه المرأة الاستثنائية، التي قاومت المستعمر، وواجهت بعد الاستقلال قوى الطغيان والاستبداد واهبة حياتها وعمرها للنضال من أجل تحقيق قيم العدالة والديمقراطية والمساواة، بمشاركتها في جل المعارك التي خاضتها القوى التقدمية ضد الاستبداد وضد الحكم الفردي، ومنها مقاطعة الاستفتاء على الدستور الممنوح سنة 1962، ومعركة انتخابات 1963. كما كانت “الأم فاما” حاضرة باستمرار خلال فترات احتدام القمع واشتداد أوار سنوات الرصاص، منذ ما سمي بـ”مؤامرة 16 يوليوز 1963″، وانتفاضة 23 مارس 1965، مرورا باعتقالات مارس 1973، وانتفاضة 20 جوان 1981، وما تلاها من محن وشدائد ألمت بالصف اليساري والتقدمي والديمقراطي في المغرب. حيث ظلت “الأم فاما” تنتقل بين السجون وبيوت عائلات المعتقلين للاطمئنان عليهم ومواساتهم ومساعدتهم.
كانت “الأم فاما” مناضلة استثنائية من زمن يبدو أنه ابتعد عنا ابتعاد المجرات عن كوكبنا الأرض…
لقد اشتهرت بنعت “ساكنة جلبابها”، إذ بقيت تتجول بين بيوت المناضلين، وعندما استفادت من جبر الضرر الذي أقرته هيئة الإنصاف والمصالحة، باعتبار “الأم فاما” من ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، تعرضت لجملة من الاعتقالات وذاقت التعذيب في سنوات الرصاص، صرفت مبلغ التعويض بأكمله على الأيتام من أبناء المقاومة والمناضلين، رافضة فكرة من اقترح عليها صرفه في امتلاك بيت خاص يأويها من التشرد.
بذلك أخبرت من أطلقوا عليها “ساكنة جلبابها”، أن الوطن هو من سكن قلبها وجوارحها وكيانها كل سنوات عمرها. هي التي رافقت المجاهدين والمقاومين في جيش التحرير، وحملت السلاح شابة صغيرة ضد الاستعمار الفرنسي، وانضمت للاتحاد الوطني للقوات الشعبية/الاتحاد الاشتراكي، وظلت دائما مخلصة لقيم الوطنية واليسار الحق والأصيل.
وبعدما اتخذ فيها مسؤول التنظيم الحزبي السيد محمد اليازغي وأصحابه قرار الطرد من الحزب، تساءلت بسخرية مريرة: “من الطارد ومن المطرود؟ “، وتصدرت صورتها الصفحة الأولى لأحد أعداد مجلة “الاختيار الثوري” التي كانت تصدر من باريس، وكان طردها موضوع افتتاحية العدد.
ظلت فاطمة اعزاير وفية لمبادئ وقيم وأهداف الاتحاد واليسار، واستمرت في ما بقي من عمرها مناضلة طليعية دائما في “الطليعة”.
اسم “الأم فاما” لا زال يذكر ويتردد حتى اليوم على ألسنة من عاشوا معها وعرفوها، خصوصا في الأوساط اليسارية والحركة النسائية، حتى أنها أصبحت تقارن بـ “لاباسيوناريا” المغرب، تيمنا باسم الثورية الأممية الإسبانية المناضلة ضد الفاشية: دولوريس إباروري (1895- 1989)، صاحبة مقولة: “يفضل الشعب أن يموت واقفا على أن يعيش جاثيا على ركبتيه”.
* فجر يوم الجمعة 19 مارس 2004 فاضت روح الأم فاما ولفظت آخر أنفاسها الزكية بمصحة “لاسورس” بالدار البيضاء.