“بيضة العقر”.. في سياق التحولات المجتمعية ومعاني العمق الإنساني

أحمد حبشي
في زمن آخر كانت الروابط تستقيم ومقاصد الغايات، حكايات كثيرة تكشف عند سرد تفاصيلها على ايقاع توالي الأيام، خفايا البهجة ودواعي التفاعل والانفعال. في إطلالة على مواقع وأحداث ميزت مسيرة مجموعات من الأشخاص، كانت أواصر علاقاتهم أكثر تفاعلا مع وقائع المجتمع، وأشد انفعالا وتأثيرا من أجل تغيير إيقاع تطوره.
رواية “بيضة العقر” استعادة لصفحات من ماضي جيل استفاق على شواظ خلاف تعددت جوانبه. هي رحلة في عوالم ثلة من الشباب، انصهرت في ما يعتمر المجتمع من قضايا ووقائع، فشكلت جسر عبور لعوالم شديدة الاختلاف، كان اختراقا مدويا لكل الأعراف والاستعادة عن الواقع بزكي الأحلام والطموح الدافق في التغيير الشامل، لكل مظاهر الحياة الاجتماعية والروابط المجتمعية.
هي عوالم صاخبة يعيد الأستاذ محمد الهجابي من خلالها رفاقه، والكثير ممن جايله، إلى أجواء تميزت بحركية شديدة التفاعل مع ما يعتمر المجتمع من وقائع واحداث، وما كانت تصوبوا إليه طلائع شبابيه من آفاق لتحقيق تغيير بأبعاد نوعية الدلالات، واعتماد منهجية تعيد النظر في العلاقات المجتمعية وكيفية تدبير الشأن العام. الجامعة كفضاء يرتقي بالمدارك ويجلي آفاقا تحقق رؤية فعل ناضج، بتجاوز كل معيقات الامتداد والحد من وقع الارتدادات، تتيح المجال لأكثر من مبادرة في تقوية الروابط وتوحيد المنطلقات. هو مسار مشترك سعى الخصوم إلى الحد من فورة تماسكه، وسلاسة امتداده بمختلف أشكال الزجر والتنكيل.
في التفاصيل تنجلي حقائق الفعل المشترك، معالم التباين وحدود الاختلاف في التمثل والاقرار. تجربة متعددة في تجليات وحدتها وقوة فعلها المشترك، استقراء مستمر لمختلف التحولات التي يعرفها واقع، تحيط بمعطياته ملابسات تعيق الفعل وتحد من تطلعات مختلف أغلب الفئات.
“بيضة العقر” فورة شبابية بصمت مرحلة في سياق التحولات المجتمعية، التي عرفها المجتمع المغربي على أكثر من صعيد، حيث أصبحت مسايرة التحولات تقتضي فعلا نضاليا، يقوم على قاعدة نظرية تضع مسار الانتقال في سياق نسق فكري، يعتمد على استقراء مختلف المعطيات وتحديد آفاق تطورها. وهو ما كان يقتضي نوعا من الفعالية تقوم على “تغيير أشكال الكفاح وأساليب القيادة مع محاربة الأساليب التي ترتكز على العفوية والمغامرة والانعزالية والمساواة غير المبدئية”. تلك أهم المنطلقات التي تمكنت من فرض إيقاع نضالي منظم، تحكمه قواعد والتزامات. هكذا يتجلى مفعول الفعل من خلال تطور وعي الفرد بجدوى الانخراط في مسار نضالي على قاعدة الفعل المشترك وتمتين الروابط، للرفع من منسوب العطاء، وتحقيق التواصل بكل ما يساعد على بلوغ كامل الأهداف. بالموازاة مع كل ذلك تنساب الحياة بكل مجاري التواصل وتصريف الرغبات، أحاديث لا تحدها قواعد الامتثال وعلاقات تتفتق عن مباهج تجمل الروح وتطلق العنان للخيال. هي دورة الحياة بكل مجاري أحوالها وانسياق لحظاتها مع كل ما يتسع له المجال، ويكتمل به معنى الوجود ودواعي الفعل فيه.
“بيضة العقر” صراط مستقيم يتسع لكل معاني الفعل الإنساني، في تفاعل خاص مع كل ما يقوي الروابط ويرتقي بالعلائق، خطوة أولى نحو أفق تعددت معالمه، واكتملت دواعي الفعل من أجل الارتقاء إلى عوالم أكثر رحابة، حيث تسمو أنبل القيم ويستعيد الانسان حضوره الفعال، تحفه الكرامة وتدثره العفة بكل ما يحقق السلم والاستقرار.