مرسيل خليفة يرثي رفيقه صبحي زعيتر
مرسيل خليفة
صديقي صُبحي جمع ما بعثرته الأيام، وأكمل الطريق ليلسعه شتاء الربيع.
حمل الهواء بيديه ليبحث عن جنّة مفقودة في وطن “سعيد” وتلوّث الهواء أكثر، وتولاّه بُرْمٌ بوعد ليس يأتي، أو قد يأتي على بقية حياة في الخاطر.
روّض كلماته على التحليق بعيداً أيام جريدة النداء رفقة أعزاء رحلوا من زمان: خليل الدبس، جهاد رزق، سهيل عبّود ، نبيل هادي، ملحم ابو رزق..
يا سيّد الصمت،
إني لأذكر يوماً خريفيّاً مع هطول مطر خفيف. كان إيقاعاً مجنوناً لعاصفة مكتومة، دون أن أفطن إلى ذلك..
أتأمل خارج سينما الشمس في مدينة الشمس صفّاً حائراً من الأشجار وجمهوراً حاشداً لا تسعه القاعة الكبيرة..
كان عليّ أن أبدأ الأمسية وكنت بجانبي ساكتاً، غير أني أحسست بهمسك يشدّ من عزيمتي في عزلة الدقائق الأخيرة قبل الصعود إلى ركح السينما الصغير.
وفي صخب كبير اشتعلت الدبكة البعلبكية في الصالة على النغم مباشرة. وكانت هذه المحطّة الأولى في سلسلة طويلة من الأمسيات التي طالت المدن القريبة والبعيدة..
وبعد الحفلة التقينا على الصفيحة البعلبكيّة وكاسة عرق.
وكان قلبك كالطفل في فرح كونه يزهو.
أنظر اليوم إلى شاطىء ذكرى بعيدة تحت سماء حارقة..
وطن وقد أخذت منه زينته، عسير النطق، يتوحّل في أيّام موحشة. أتقشّف في التحديق ولا أطيل النظر..
شيء في داخلي يطلق ريحاً في الغمام .
أعرف يا صديقي بأن قلبك تقرّح من عفن المرحلة ومن تعب اسئلة قاحلة.
تخرج من صمتك إلى المقهى، تنتحي الركن القصيّ مع أصدقاء يرفعون القيد عن حميميّات في نهارات تتسّع للضوء والضوضاء..
لم تهدأ الريح يا صبحي والموت الهاطل يجعّد السماء.
تمضي الى الحياة بيدين عاريتين إلاّ من جمرة الحريّة: كاتباً، مناضلاً وثائراً على كل بالٍ ومهترىء في الوطن والدولة والمجتمع. لا تلوذ بالضفاف للاحتماء بها، ولكنك تنشر أشرعتك، متحديّاً العُباب الهائج.
صبحي زعيتر شكراً لك.