كيف وصلت العلاقات الجزائرية – المغربية إلى القطيعة؟

كيف وصلت العلاقات الجزائرية – المغربية إلى القطيعة؟

عبد السلام البوسرغيني

كيف يمكن للمرء أن يستوعب الحديث عن نزاع عمره أربعة عقود ونصف، وكان نتيجة صراع دام عقودا طويلة بين بلدين متنافستين وإديولوجيتين تبدوان متناقضتين؟

 لقد كان في الواقع صراعا مريرا تخللته احتكاكات، وكانت رمال الصحراء المتحركة منشأه ومفجره. تلك هي الحالة التي اتسمت بها العلاقات بين بلدين جارين، هما المغرب والجزائر. والاستنتاج الذي يمكن للمرء أن يتوصل إليه شخصيا من خلال البحث والأستقصاء، أن الصراع نشأ بين البلدين، ولا أقول الدولتين، لأن الجزائر لم تكن قد اتخذت صبغة دولة عندما ظهرت أولى بوادره سنة 1958، وأن نشأته ترجع إلى تاريخ انعقاد مؤتمر طنجة بين الحركات السياسية المغاربية البارزة آنذاك، للنظر فيما ستكون عليه العلاقات بين المغرب والجزائر وتونس. وهذه الأحزاب هي: حزب الاستقلال المغربي، وحزب الدستور التونسي، وجبهة التحريرالوطني الجزايرية. وهي التي كانت في العقد الخامس من القرن الماضي مهيمنة على الحياة السياسية وذات نفوذ وطني وإقليمي.       

 في مؤتمر طنجة، الذي كان أول مؤتمر مغاربي بين مسؤولين سياسيين، بدت معالم تفكير كل طرف في الحجم الجغرافي الذي يطمح أن يكون عليه بلاده، إذ كان الغموض يسود حجم كل بلد، وماذا تنوي فرنسا تقريره بشأن الحدود بين بلدين دخلت في حكم نفوذها بمقتضى التقسيم الاستعماري للقارة الإفريقية قبل نهاية القرن التاسع عشر. ولقد كان امتناع الجزائريين عن طرح موضوع الحدود يعكس طموحهم في أن تشمل بلادهم كل التراب الذي تعتبره فرنسا جزءا من ترابها في (الجزائر الفرنسية)، وبذلك انصرف الاهتمام بقضية الحدود في المنطقة التي ستحمل فيما بعد اسم “المغرب العربي”.

 ويسجل التاريخ للمغرب أن ملكه المرحوم محمد الخامس رفض أن يتفاوض مع فرنسا على حدود المغرب مع الجزائر، إيماناً منه بأن فرنسا لا تملك الشرعية في تقرير مصير الحدود المغاربية، وثقة منه رحمه الله في قادة الدولة الجزائرية المقبلة في إنصاف المغرب.      

 والواقع أنه منذ ذلك الحين تكونت لدى الجزائريين فكرة أن الحجم الذي ستكون عليه الجزائر، سيخول لهم في المستقبل أن تكون بلادهم الدولة الأكبر الأجدر بأن تقود المنطقة وتخضعها لسياستها، ولحد الآن ما تزال هذه الفكرة مسيطرة على قادة الجزائر، ولا يفتأ يعبرعنها كل من تولى السلطة بعد أن رسخها الرئيس هواري بومدين في الأذهان، أو بالأحرى منذ فرضها كمذهب للدولة، وهذا ما يبدوحاليا من تصريحات الجنرال السعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الجزائري، ومن تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون. وهي الفكرة التي تشبع بها أفراد النخبة الجزائرية وجعلوا منها مذهبا يتحكم في سياسة الدولة، وظلت كذلك منذ إرساء النظام العسكري السياسي الذي أقامه الرئيس الراحل هواري بومدين ليحقق له مطمحه في أن يجعل من الجزائر(يابان إفريقيا) والقوة العظمى في المنطقة، وظل يعمل على تحقيق ذلك طوال حياته.      

 ومقابل هذا الطموح الجزائري لم يكن المغاربة والتونسيون يطمحون سوى في أن ينصفهم قادة الثورة الجزائرية، التي لم يبخلوا عليها بالمساندة أثناء حرب التحرير، وأن يرفعوا عنهم الغبن الذي تعرضوا له أثناء التقسيم الاستعماري وخلال ترسيم حدود الأقطارالمغاربية الثلاثة. بل، ولقد ذهب بعض النافذين الجزائريين، حسب ما أشيع، إلى  حد تبني فكرة معمرين فرنسيين من مدينة وهران، كانوا قد سعوا إلى مد حدود الجزائرإلى نهر ملوية شرق المغرب، وتلك قصة أخرى كشفت أطماع التوسع الاستعماري، ولم تستسغها الدولة الفرنسية. كما لم تجد الفكرة قبولا لدى القادة الجزائريين.   

لقد أتيت بهذه القصة لأنها تعكس مدى التطرف في المواقف لدى بعض القادة الجزائريين، وهي مواقف تعكسها حاليا سياستهم إزاء المغرب التي ذهبت إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية، إضافة  إلى إصرارهم على استمرار في إغلاق الحدود ومحاولة الإضرار بمصالح المغرب الذي يعكسه إغلاق أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي.    

 تلك في نظري، هي قصة ذلك الصراع المرير الذي ظهرت ملامحه في مؤتمر طنجة المغاربي سنة 1958، وظلت جذوته كامنة تحت الرماد لتنبعث نارا في أكتوبر1963، بنشوب حرب الرمال التي كانت جرحا في العلاقات المغربية الجزائري، لا يريد له قادة الجزائر أن يعالج أو يندمل، ويصر قادة الجزائرأن يجعلوا منها مبررا لكل مظاهر العداء ضد المغرب.  ومن المؤسف بالنسبة للمغرب أنه خرج من حرب الرمال بنكسة سياسية وبدا وكأنه المعتدي، مع أنه كان يحاول، كما يقول المغاربة، استرجاع مناطق كانوا قد تساهلوا في وضعها تحت تصرف الثورة الجزائرية أثناء حرب التحرير، أو فقط غضوا الطرف عن ذلك.                                                       

لقد كان لقادة المغرب على ما يبدو من المبررات ما جعلهم يلحون على قادة الثورة الجزائرية التعهد بتسوية مشكل الحدود، واستطاعوا أن ينتزعوا من الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية برئاسة فرحات عباس سنة 1961 الوعود بإنجاز ذلك، خصوصا فيما يتعلق بالصحراء الشرقية للمغرب، موطن قبائل القنادسة وتوات وغيرها المنتسبة للمغرب، ومن المعلوم أنه لم تكن معالم الحدود واضحة، قبل أن تكشف الصحراء عما تختزنه من ثروات بترولية في الصحراء الكبرى وقبل أن يعثرعلى ثروات  معدنية في منطقة تندوف. وكان من نتائج اكتشاف فرنسا لتلك الثروات، أن فكرت في إنشاء كيان صحراوي يتيح لها الاحتفاظ باستغلال ثرواته.  

لقد حدث ذلك التطور في التفكير الفرنسي مع ظهور بوادر انتصار الثورة الجزائرية. بيد أن ما تحلت به هذه الثورة من صمود وإصرار على الاستمرار في الكفاح وتقديم مزيد من التضحيات أتاح لها كسب المعركة، وساهم في ذلك ما نالته مواقفها من مساندة، كان أقواها مساندة المغرب بكل فئاته مسؤولين وقوى سياسية، ساعد الجزائر على كسب معركة الصحراء. ولا يجب أن ننسى أن جيش التحرير الجزائري كان يتوفر في المنطقة الشرقية من المغرب على قوة بعتادها وذخائرها، كانت متأهبة لتجاوز الحدود، وهو ما حصل بالفعل وأتاح للعقيد هواري بومدين أن يمهد للسيطرة على الحكم. كما لا يجب أن ننسى أن جيش التحرير الجزائري كان يتمتع بحرية التحرك وبموافقة السلطات المغربية العليا ومؤازرتها.  وإذا كان من بين الجزائريين من يتنكر لذلك، فلا أعتقد ان التاريخ سينكره أو يغفله.

Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد السلام البوسرغيني

صحفي وكاتب مغربي