النازحون السوريون في البازار اللبناني
حسين عطايا
منذ شهر مارس- آذار العام 2011 وتطور انتفاضة الشعب السوري، والتي أصبحت ثورة عمّت أرجاء سوريا، ونتيجة أعمال القتل المتعمد لإرهاب المنتفضين والتي استعملتها آلة القتل السورية، بدأت أفواج النازحين السوريين الدخول إلى الأراضي اللبنانية، وكانت في البداية عبارة عن عشرات أو مئات العائلات، وتطورت وفق أجندة القتل التابعة للنظام السوري، ثم تزايدت أكثر بعد تدخل “حزب الله” اللبناني عبر ميليشياته، تحت حجة حماية المقدسات الشيعية في أطراف دمشق وفي داخلها.
إلا أنه منذ أواسط العام 2012، ازدادت أعداد النازحين السوريين، وبدأت تتخذ طابعاً يزيد عن قدرة لبنان على تحملهم واستيعابهم، وبدأت المنظمات الدولية تولي اهتمامها أكثر فأكثر بملف النازحين عبر تدفق المساعدات للبنان لتوفير الإقامة اللائقة لهم.
وهنا يطرح السؤال التالي: هل عالج لبنان ملف النزوح السوري بمهنية ومسؤولية؟
بالطبع الجواب واضح وجلي، بأنه كالعادة في لبنان كل الملفات تُدار تحت بند 6 و6 مكرر، وتُحسب طائفياً، وماهية الاستفادة المادية للقيمين على منظومة الحكم، وللحقيقة كان في حكومة النظام اللبناني أكثر من رأي، البعض عبر عن ضرورة إقامة مخيمات للنازحين لتكون تحت الرقابة الأمنية وفي الوقت ذاته توفر القدرة على استيعاب النازحين ومعالجته وفق ما تقتضيه أعمال الإغاثة وحفظ النظام، وهذا كان رأي ممثلي الحزب التقدمي الاشتراكي في الحكومة مع بعض الأطراف الأخرى كالقوات اللبنانية وتيار المستقبل الذين دعوا إلى إقامة مخيمات قريبة من الحدود اللبنانية ــ السورية، ولكن الفريق العوني يسانده حزب الله، اعترض على الموضوع وترك الأمر يفلت على غاربه، ونتيجة أفواج النازحين المتتابعة التي كانت تصل لبنان عبر معابر شرعية وغير شرعية أي تهريب، والتي بلغت حوالي المليون ونصف مليون نازح سوري، توزعوا على مجمل الأراضي اللبنانية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، مرورا بكل الدساكر والنواحي اللبنانية.
ولا شك بأن المنظمات والدول المانحة لم تبخل بالمساعدات إن لوزارة التربية، حيث تم تقديم مئات ملايين الدولارات لتعليم الطلاب السوريين النازحين ومعهم الطلاب اللبنانيين في المدارس الرسمية، ولا زالت تلك المساعدات تأتي إلى يومنا هذا.
وبالطبع، الجميع في لبنان يعلم كيف توزع المساعدات، وكيف تدخل في الحسابات المصرفية للقيمين على ملف النزوح والوزراء المحظيين، الذين يمتلكون القدرة على تنفيذ برامج المساعدات وفقاً للصيغة اللبنانية، وخصوصاً في ظل العهد القوي ووزير تربيته المدلل إلياس اأو صعب، والذي استحدث دائرة خاصة في القصر الجمهوري تحت مسمى “دائرة الهبات والمساعدات” برئاسته، لتلقي تلك المساعدات والهبات، ولتبقى تلك المعونات تأتي لحسابه وليس لوزارة التربية مباشرة، وجميع من يتعاطون بملف النازحين والتربية يعرفون السيدة صونيا خوري وماهية وظيفتها فوق العادية في وزارة التربية، خصوصا المشكلة التي حصلت في عهد وزير التربية الأسبق مروان حمادة، يوم أراد نقل السيدة خوري إلى منصب آخر في إطار التشكيلات الجديدة، وكيف تدخل رئيس الجمهورية ميشال عون خصيصاً لحمايتها وإبقائها في مركزها.
هذا ناهيك، عن زيارة رئيس الجمهورية الخاطفة إلى موسكو في أواخر شهر مارس- آذار من العام 2019، حيث رافقته فيها ابنته كلودين كمستشارة، وصهره جبران باسيل، ودام الاجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحدود الأحد عشر دقيقة. وإذا ما احتسبنا وقت الترجمة من الطرفين لكانت مدة اللقاء كلامياً لا تتعدى الخمس دقائق، حيث سلم الرئيسان على بعض وودعا بعض لا أكثر،.وتم خلال اللقاء، وفق الصهر باسيل، بحث القضايا الاستراتيجية وموضوع النازحين.
ولا ننسى الأفواج الكبيرة من النازحين السوريين التي دخلت لبنان في العام 2014، أثر دخول “حزب الله” إلى منطقة القلمون الغربي، أي مدينة القصير وتوابعها في ريف دمشق وريف حمص، حيث أحكمت ميليشيا “حزب الله” السيطرة كاملة على تلك المنطقة لقربها من الحدود اللبنانية في محاذاة مناطق الهرمل وغيرها. وتقريبا تم التعتيم على ملف النزوح السوري في أغلب الأوقات، ماعدا بعض الزيارات لوزراء لبنانيين تابعين لمحور الممانعة بين الحين والآخر، إلى أن تمت منذ أسبوعين تقريبا، أي في بداية هذا الشهر زيارة لوزير المهجرين عصام شرف الدين، والذي يُعتبر مبعوثاً فوق العادة لزعيمه طلال أرسلان، وتلك المسرحية السمجة التي افتعلها في آخر جلسة للحكومة اللبنانية نهار الخميس الماضي في 10 مارس – آذار الحالي، حيث خرج من جلسة مجلس الوزراء غاضباً معترضاً على عدم مناقشة بند النازحين السوريين والذي كان بحثه في دمشق وهو فرِحٌ بما توصل إليه من وعود من بعض مسؤلي النظام الأسدي في دمشق. كل العالم الغربي والدولي يعلم بأن هذا النظام هو الذي قام بتهجير نصف شعبه في البلاد المجاورة، الأردن وتركيا ولبنان، حيث وصل النازحون السوريون الى جمهورية مصر العربية والسعودية وألمانيا وغيرها من دول العالم. كما أن الجميع يعلم بأن ملف النزوح السوري أصبح أممياً ولم يعُد محصوراً بين أيدي السوريين، أو وزير المهجرين اللبناني الراغب في تسجيل بطولات على حساب قضية إنسانية، يعلم علم اليقين بأن محوره الممانع هو الذي يقف خلف تلك المأساة الإنسانية وما تمثله من أحزان ومشكلات للنازحين، خصوصا إذا ما عادت بنا الذاكرة إلى البراميل المتفجرة التي كان يُلقيها النظام على المدن السورية إبان ايام الحرب تلك.
كما أن الجميع يعلم بأن عودة النازحين السوريين أصبحت مرتبطة بإعادة إعمار ما دمرته آلة القتل السورية الإيرانية – الروسية والتي أصبح من المعروف بأن الروس ليسوا بذلك السخاء الذي يُعيد إعمار ما تهدم، وأيضا بالنسبة للإيرانيين، فهم متخصصون بالتدمير من خلال إنشاء الميليشيات وتمويلها ودعمها بكل انواع الاسلحة لتُحدث دماراً وخراباً وقتلاً ولا يمكن من يُدمر أن يُعيد بناء ما تهدم.
لذلك، وفي الربع الاخير أو الأشهر الأخيرة من هذا العهد البائس، لايمكن لنا أن نلمس أي تقدم في هذا الملف، مع العلم قد ينجح هذا العهد بإحداث بعض التقدم والنجاح لو تمكن من مُطالبة حليفه النظام السوري في فتح باب العودة إلى المناطق الآمنة والواقعة تحت سيطرة النظام وميليشياته أو في ظل سيطرة ميليشيا “حزب الله”، ولكن الأمر ليس بهذه الأهمية بالنظر للعديد من الامور أبرزها:
1 – إن النظام السوري غير راغب بإعادة النازحين إلى قراهم وبلداتهم ومدنهم حتى لا يُسببوا له أي إحراج أمني أو توفير بعض مقومات الحياة الانسانية نتيجة ظروف وأوضاع النظام المالية والاقتصادية، ناهيك عن عمليات التغيير الديمغرافي المعتمدة في تغيير الواقع السكاني على أرض الواقع.
2 – كان من الممكن أن يتم إعادة النازحين من منطقتي القلمون الغربي وريف دمشق وريف حمص، والتي دخلت تحت سيطرة ميليشيا “حزب اللهط منذ العام 2014، إلا أن هذه المناطق وما تمثله من منطقة حيوية وآمنة لزراعة حشيشة الكيف، وورش صناعة حبوب الكبتاغون المخدرة، والتي تدر ملايين الدولارات، وما يُحيطُ بها من معابر حدودية بين لبنان وسوريا، غير شرعية يُسيطر عليها “حزب الله”، ومنها تمر كل أنشطة التهريب بدءاً من المواد الغذائية والمشتقات النفطية والمخدرات على أنواعها، والتي تُشكل أهم الأنشطة الاقتصادية التي يستفيد منها كل من ميليشيا “حزب الله” والفرقة الرابعة الخاضعة لسيطرة ماهر الأسد شقيق رأس النظام السوري.
لهذا فإن مسرحية وزير المهجرين الأخيرة، وكل ما سبقها من مسرحيات تُعتبر ذات غخراج سيء وحبكة بسيطة، ليست بقدر من الأهمية، لإن إعادة إعمار ما هدمته الحرب السورية لا تستطيع القيام به روسيا، خصوصا بعد دخولها في مغامرة بوتين الأخيرة إلى أوكرانيا، ولا يمكن لإيران المنهكة اقتصادياً أن تُبادر إلى الإعمار، لأنه أساساً لا يدخل ضمن اختصاصها، ولأنها غير قادرة على توفير الماء والكهرباء لشعبها لكي تستطيع إعادة إعمار ماهدمته مليشياتها المتعددة في القرى والبلدات والمدن السورية. هذا عدا عن أن إعادة الإعمار مرتبط بقرارات دولية وقرارات الدول القادرة على إعادة الإعمار مثل دول الخليج العربي، لاسيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وبرأينا هذه العملية لا تبدأ إلا بعد أن يتعهد الروس بإحداث تغيير على الأرض السورية، خصوصاً إخراج الميليشيات الطائفية الإيرانية والتغيير الجدي في سُدة الحكم السوري، وهذا ما تجري على أساسه المحادثات بين الروس المنهكين حالياً في أوكرانيا، وهذا مايمكن للقادة في البلدين العربيين صاحبتي الشأن من استغلاله لتوفير عودة آمنة وكريمة للنازحين السوريين في شتى أصقاع الارض.