نقاش في بيروت حول “العوربة”.. المفهومٌ الجديد للعروبة

نقاش في بيروت حول “العوربة”.. المفهومٌ الجديد للعروبة

حسين عطايا

في مطلع القرن الماضي، أي بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى، برزت أسماء عدد من اللبنانيين والعرب ينادون بمفهوم العروبة والقومية العربية، وأبرزهم كان اللبناني العربي أمين الريحاني، والذي نادى بـ”الولايات المتحدة العربية”، كما برز غيره الكثير ممن حملوا لواء العروبة، ولا يتسع لنا ذكر جميعهم في هذه العجالة.

 قد يكون مفهوم العروبة ذلك، وتطوراته فيما بعد، ونشوء الدول القومية العربية، كمصر في عهد جمال عبد الناصر، وعروبة ميشال عفلق البعثي، ثم تطبيق نظريات البعث في كل من سوريا والعراق، ومن ثم قومية أنطون سعادة السورية، وتلك الأفكار، كانت صالحة في المئة سنة الأولى الماضية، ومن الممكن أن تكون تركت أخطاءً حملنا عبئها على مدى سنوات القرن الماضي، ولكن ما كان يصلح سابقاً لم يعُد صالحاً في هذا العصر، نتيجة الشعارات والأفكار الجديدة التي أصبحت عالمية، ومنها أتت مقولة “العولمة” نتيجة انفتاح العالم على بعضه من خلال الشركات العابرة للجنسية أولاً، ومن ثم ثورة التكنولوجية والتي جعلت من العالم بأسره قرية كونية متواصلة مترابطة ببعضها البعض، وذلك أعطى للبعض، من أصحاب الفكر في عصرنا، الانطلاق بمفهوم “العَوْرَبَة”، والتي تتطابق مع مفهوم العولمة الذي يعيشه سكان كوكب الأرض في هذا الزمن. 

من هنا أتت فكرة العوربة، والذي كان موضوعا تمت مناقشته في السابع عشر من هذا الشهر في مؤتمر بفندق البستان في بيت مري ــ لبنان، شارك فيه حضوريا 157 من قادة الفكر والرأي والأكاديميين والباحثين والأساتذة الجامعيين والإعلاميين. وتميز الحضور بمشاركة عدد من السفراء اللبنانيين السابقين. وتابع أعمال المؤتمر عن بعد 37 مشاركا من فرنسا والولايات المتحدة الاميركية وكندا وبريطانيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وسلطنة عمان والعراق وسوريا والمغرب والجزائر. 

وقد حدد مفهوم العوربة المدير التنفيذي لمجلس أمناء “رؤية العوربة ” نوفل ضو، داعيا اإى”صياغة مصطلح “العوربة” وأسباب اعتماده ومفاهيمه اللغوية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية والثقافية والحضارية، والأهمية الجيوسياسية والاستراتيجية لرؤية العوربة”، وقال: “إن مصطلح “العوربة” هو تعبير جديد مبتكر ومركب من كلمتي “العولمة” و”العروبة”، ويقصد به “عولمة العروبة”، أو “العروبة المعولمة”، أي النموذج العربي من العولمة، أو الشراكة والمساهمة العربية في بناء العولمة لمواكبة “عصر التكنولوجيا”، بعدما تداعى “عصر الايديولوجيا” وما تلا هذا التداعي، من متغيرات وتحوّلات سياسية وعسكرية واقتصادية وفكرية وثقافية في كل أرجاء العالم، بما فيها الدول العربية”. ورأى أن “ما تلا سقوط الاتحاد السوفياتي من صراعات بين قوى إقليمية ودولية، على خلفيات استراتيجية وجيو سياسية واقتصادية ودينية، للحلول مكانه وملء الفراغ الذي تسبب به هذا السقوط، ترك بعض الدول العربية التي كانت تدور في فلك “المعسكر الشرقي”، أو التي كانت تتأثر به سياسيا وعقائديا، أو تتحالف معه، في حالة من انعدام الوزن السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي، وأدى ولا يزال إلى حالة عدم الاستقرار في هذه الدول، وهو ما يجعل من “العوربة” ضرورة جيوسياسية في هذه المرحلة لإعادة إنتاج نظام عربي شامل وجديد وفاعل، يساعد الدول المأزومة على الخروج من أزماتها”. 

وأوضح إأه “باللغتين الفرنسية والإنكليزية تم اعتماد مصطلح COSMOARABISM / E وهو مصطلح مبتكر ومركب على أساس – الكلمة اللاتينية COSMO التي تعني “العالمية” – والترجمة الفرنسية والانكليزية لكلمة العروبة ARABISM / E. لقد تعمدنا الابتعاد عن استخدام الكلمتين الرائجتين للتعبير عن “العولمة”:    MONDIALISATION بالفرنسية و GLOBALIZATION بالانكليزية، في المصطلح الذي نعبر فيه عن رؤيتنا للبعد العالمي للعروبة الحديثة، أو العروبة الجديدة. فرؤية “العوربة” ليست استنساخاً كاملاً لـ “العولمة”، ولكنها رؤية خاصة تهدف إلى المساهمة في معالجة الإشكاليات والتحفظات التي يثيرها المسار الحالي لـ”العولمة”، لا سيما لناحية المخاوف من التهديد الذي يمكن أن يشكله هذا المسار للخصوصيات والعادات والتقاليد والمعتقدات والثقافات والحضارات، خصوصا في الدول والمجتمعات العربية”. وبسبه أن “العوربة” رؤية لترجمة حوار الثقافات والحضارات والأديان والمعتقدات وتفاعلها عبر القارات، ولتطوير الدول والمجتمعات وتحديثها من خلال الاستفادة من خبرات بعضها، في مجالات استثمار الثروات والعلوم والتكنولوجيا والصناعة والزراعة والثقافة والفكر والأدب والفنون، وركن من أركان الجمع بين خبرات الآخرين وتجاربهم، وبين الحفاظ على الخصوصيات. وهي خيار حرّ بديل عن الاصطفافات الدولية والصراع بين القوى العظمى، القديمة منها أو الناشئة، للسيطرة على العالم وثرواته الطبيعية ومقدرات شعوبه الاقتصادية. وهي بديل عن الالتحاق أو التأثر بالأحاديات والثنائيات والتكتلات والأحلاف الاستقطابية. إنها مساهمة عربية في بناء توازن عالمي بعيدا عن مشاريع الغلبة، وعامل وصل وتكامل انساني يحافظ على التعددية ويصون مركبات الهويات ويحميها من نظريات الصهر والتذويب.

 إنها رؤية  شراكة كاملة ومتكافئة لا تميز بين لون وعرق ومعتقد، تهدف الى بناء حضارة السلام العالمي والكرامة الإنسانية”.  ‏وتحديده للمفهوم الجيوسياسي لــ”العوربة”، اشار الى تعني “العوربة” بالمفهوم الجيو سياسي، تعني النظام الجماعي العربي الجديد والحديث والمتكامل الذي يتشكل من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية لمواكبة القرن الواحد والعشرين، والذي بدأت أسسه السياسية والاقتصادية والثقافية والاستراتيجية تتبلور مع بروز الرؤى الإصلاحية والتنموية المستقبلية والمستدامة التي أطلقتها دول مجلس التعاون الخليجي على شكل مشاريع واستثمارات داخلية، ومفاهيم جديدة لطبيعة العلاقات الدولية بعيدا عن الأحلاف الجامدة، ومقاربة حديثة ومنفتحة للعلاقات الإنسانية والحوار بين اتباع الأديان، والتفاعل بين الثقافات والحضارات”.

 ويوضح ضو أن رؤية “العوربة” تنطلق من التراكمات التاريخية ودروسها وعبرها، الإيجابية منها والسلبية، لتوفر للجماعات والمجتمعات الأجواء الملائمة لحرية التفكير والرأي والمعتقد للتفاعل والتعاون حاضرا ومستقبلا، وللإنسان الفرد ما يحتاجه من مقومات للنمو الفكري والجسدي في افضل الظروف الصحية والتربوية والخدماتية، ولحياة كريمة في المراحل العمرية كافة من الطفولة الى الشيخوخة مرورا بالمراهقة والشباب”.

 وفي باب “العوربة” والهوية، أكد ان”العوربة” رؤية تكاملية تعاونية جامعة ومتحركة، بعيدة عن نظريات التذويب والانصهار، عابرة للحدود مع الحفاظ عليها كرمز سيادي للدول، وعابرة للغات المحلية مع صون ديمومتها، وعابرة للأعراق والقوميات والاثنيات مع احترام تنوعها، وعابرة للثقافات والحضارات مع التمسك بميزاتها، وعابرة للمعتقدات الدينية مع الاستثمار في غناها وقيمها الأخلاقية.

 إنها بيئة اقليمية جغرافية واجتماعية وإدارية وقانونية وسياسية واقتصادية وصحية وخدماتية:

 – تساوي بين أبنائها في الحقوق والواجبات، 

 – وتضمن لمواطنيها خصوصياتهم التي تكوّن هويتهم الإنسانية المركبة، 

 – وتؤمّن لهم متطلبات العيش المشترك والتعاون والتفاعل والتكامل، سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، وقواعد التنافس الشريف،  

– وتنتج”سلّم قيم” انسانية يحترم الحياة الكريمة للبشر ويؤمن لهم العدالة الاجتماعية والرفاه والسعادة والازدهار والتنمية المستدامة 

– وتقوم على استثمار الثروات الوطنية والطبيعية في بناء إنسان ريادي ومثقف ومنفتح على الآخر المختلف في سبيل بناء حضارة السلام والتسامح والتنمية والأخوة الإنسانية بعيداً عن مشاريع الحروب والتوسع والتسلط والفرض والقهر”. 

وتناول نوفل ضو الأطر التنفيذية لـ “العوربة”، معتبرا إنها تترجم طمن خلال مجموعة من الآليات والخطوات والتدابير والإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والمالية والثقافية والقانونية والبيئية… لمواكبة “العولمة”، لا سيما في مرحلتها الجديدة: “العولمة الرقمية”، بما يمكّن الدول والشعوب والافراد المعنيين من المساهمة في بناء شراكة كاملة وفاعلة مع العالم وفقاً لقواعد تضمن تكافؤ الفرص والتنافس الإيجابي، ومن خلال أداء قيادي وشعبي ديناميكي ومتحرك ودائم التطوّر، يشمل كل مجالات الحوكمة السياسية والإدارية والقانونية، وكل مجالات الحياة الاجتماعية”.

Visited 5 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين عطايا

ناشط سياسي لبناني