من هم المشاهير الذين غادروا روسيا؟
د. زياد منصور
عندما يكون هاجس المثقف الربح المادي وليس الهوية الوطني
قضية المثقفين وموقفهم من القضايا الكبرى، دائماً ما تتعرض للتشريح والتحليل والتقويم، خصوصًا عندما يبتدع المثقف لنفسه هوية كوسموبوليتانية خارج حدود انتمائه الوطني، فيتحول مهد صعوده وتألقه وتطوره إلى مجرد سرير هجين ذو هوية ملتبسةـ تضع في أولوياتها المصالح الآنية على مصالح البلد والشعب والروحانية، وتغلِّب الجانب المادي على ما عداه.
يبدو أن هذا ما هو حاصل اليوم مع مجموعة من الأنتلجنسيا الروسية التي قفزت من قارب شعبها، باحثة عن قارب آخر خارج الحدود ووراء المحيط، في خطوة أثارت حالة من الحنق والغضب لدى غالبية من أبناء الشعب الروسي، حيث تتعرض رموز الثقافة والفكر والفلسفة والأدب والفن والرياضة الروسية على موجة من الرهاب لا تستثني الشخصيات التاريخية التي لها شأن وعظمة ومكانة، واحتلت موقعها في الفكر الإنساني.
هكذا على خلفية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والعقوبات التي تلتها والأزمة الاقتصادية، غادر عدد كبير من المشاهير الروس، من صحفيين وفنانين ومدونين إلى أوروبا وإسرائيل.
وفيما طالب بعض نواب الدوما الروسية بضرورة إقرار قانون يمنع هؤلاء من العودة، ذلك ان على الجميع اليوم أن يتحدوا ويبدعوا من اجل التماسك والتنمية المتعددة الأشكال في روسيا، صرح زعيم الحزب الشيوعي الروسي غينادي زيوغانوف أنَّ هناك أشخاصاً لديهم إمكانية الوصول إلى معلومات سرية هربوا من الاتحاد الروسي! من بينهم خمسة نواب سابقين لرئيس الوزراء ومستشارين للرئيس، هؤلاء هم من باعوا البلاد بالجملة والمفرق منذ فترة طويلة. مضيفا: “نحن بحاجة إلى استخلاص النتائج. لكن، للأسف، لا يزال هناك “طابور خامس” في كراسي السلطة”.
من بين أبرز هؤلاء أناطولي تشوبايس صاحب نظرية الخصخصة في روسيا منذ بداية التسعيناتويطلق عليه الروس كذلك أسماء كثيرة منها: الحاخام الاقتصادي، والكاوبوي الأمريكي في البراري الروسية، والكاردينال الأشقر. عمل مديراً لمكتب الرئيس الروسي السابق يلتسين، وكان مبعوثاً دولياً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما تولى تنسيق أهداف روسيا للتنمية المستدامة على المستوى الدولي. إضافة إلى أركادي دفوركوفيتش نائب رئيس الوزراء في الحكومة الروسية منذ يوم 21 مايو عام 2012. وكان يتولى قبل ذلك منصب مساعد الرئيس الروسي ومنصب رئيس إدارة الخبراء لدى الرئيس الروسي (اعوام 2004 – 2008) ونائب وزير التنمية الاقتصادية والتجارة (أعوام 2001 – 2004).
تعليقا على ما يحصل علق الكرملين عبر المتحدث باسم الرئيس الروسي ديمتري بيسكوف، قائلاً:” هناك العديد من المواهب في روسيا، لذا فإن النجوم التي تركت لا “تصنع الطقس الفكري والثقافي”.
من هم الذي تركوا البلاد إلى اليوم؟
من الصحفيين أعلن رئيس تحرير مجلة “دوجد” (المطر) تيخون دزيادكو، رئيس تحرير مطبوعة ريبوليك (Republic) ديمتري كوزلوف، الناقد السينمائي أنطون دولين. لا يمكن تعداد الصحفيين الذين أُجبروا على مغادرة روسيا بسبب الحصار الجماعي على وسائل الإعلام المستقلة، وهم ما لا يقل عن 150 صحفيًا. ومن بينهم صحفيون من ميدوزا وإيخو موسكفي (صدى موسكو) ونوفايا غازيتا(الصحفية الجديدة) وذا فيليدج ومراسلو خدمة بي بي سي الروسية وبلومبرج وراديو ليبرتي. تركت ليليا جيلديفا قناة NTV وسافرت إلى الخارج. بالإضافة إلى ذلك، غادر الصحفيان جانا أغالاكوف (Zhanna Agalakova) وفاديم غلوسكير (Vadim Glusker) القنوات الفيدرالية.
المدونون:
غادر بعض المدونين المعروفين روسيا قبل اندلاع الأعمال العدائية في أوكرانيا وسط القضية المرفوعة ضد يوري خوفانسكي ، بمن فيهم رسلان أوساتشيف وديمتري لارين. بعد 24 شباط، على سبيل المثال، غادر غريغوري ماسترايدر وماري سبيك روسيا. كما تركت البلاد المدونة والكوميدية دانيل بوبيررشيني “غادرت لأنني كنت خائفة. سأعود إلى روسيا في المستقبل القريب”.
الفنانون:
أعلن مخرج فيلم ديلدا كانتيمير بالاغوف ، والشاعرة فيرا بولوزكوفا، رحيلهما وقالت بولوزكوفا: ” لقد طرنا بعيدا. لقد كان أسبوعًا مريرًا جدًا. أسافر طوال حياتي، وأعيش حيث تسمع لغتي. من المؤلم جدًا أن تجمع الأطفال في عيد ميلادك وتودع الأصدقاء، لأنه لم يكن لديهم خيار، “. وكتب بالاغوف: “قلوبنا مع أوكرانيا والروس الذين يعارضون هذا الكابوس”. غادرت راقصة الباليه الأولى أولغا سميرنوفا مسرح البولشوي وانضمت إلى فرقة الباليه الوطني في هولندا. قبل ذلك بوقت قصير، ذكرت أن “القضايا السياسية في المجتمع المتحضر الحديث يجب حلها حصريًا من خلال المفاوضات السلمية”.
أعلن أليكسي فينيديكتوف ، المالك المشارك لـ “صدى موسكو” التي تم اغلاقها ، عن رحيل كسينيا سوبتشاك. أكدت سوبتشاك نفسها أنها سافرت جواً من روسيا، لكنها وصفتها بأنها إجازة مقررة مسبقاً، وليس هجرة. واعلن أن المدير العام لشركة إيروفلوت ، ميخائيل بولوبويارينوف، ترك منصبه والبلاد ، لكن شركة الطيران تنفي ذلك.
وغادرت الممثلة ومؤسس صندوق “بوداري جيزن” (امنح الحياة) تشولبان خاماتوفا إلى لاتفيا. أصبح معروفًا مؤخرًا عن الرحيل الطارئ لفاليري ليونتييف من البلاد. أخبر صديق مقرب للمغني: “طار فاليرا إلى أمريكا ، إلى ميامي. لديه عقارات هناك. اشترى الفنان فيلا من طابقين في الولايات المتحدة منذ سنوات عديدة مقابل 3 ملايين دولار، وبحسب مديره الموسيقي، فإن ليونتييف لا يعيش عمليًا في روسيا. وأوضح أنه “حتى منذ الوباء، حدث هذا، حيث لا توجد جولات أو عمل عمليًا”.
في كل الأحوال تطرح هذه القضية السؤال الرئيس الذي يثير الكثير من القلق حول موقف الانتلجنسيا الروسية التي يبدو أنها جعلت من روسيا ملاذا للربحية والشهرة، في الوقت الذي قد لا يجد هؤلاء لأنفسهم مكاناً بين عمالقة الفن الغربي الذي يقتات في الكثير من الأحيان على موجة العدائية السافرة والمفرطة لروسيا وحضارتها التي يصفها كثيرون هناك بأنها حضارة بربرية لا تعرف إلا العنف..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصورة المرفقة بالمقال للممثلة الروسية تشولبان خاماتوفا مع الرئيس فلاديمير بوتين