ثغرات في ذاكرة الحرب

ثغرات في ذاكرة الحرب

باريس- المعطي قبال

  عام 2006 عرض على نطاق واسع فيلم «البلديون» للمخرج الجزائري رشيد بوشارب. قام بالأدوار الرئيسية ممثلون محترفون مثل جمال الدبوز، رشدي زيم، سامي بوعجيلة، سامي الناصري، ميلاني لوران… تدور أحداث الفيلم حول موضوع تجنيد أربعة مغاربيين (سعيد، عبد القادر، مسعود وياسر) في صفوف الجيش الفرنسي. مثلهم مثل 130 ألف بلدي دفعت بهم فرنسا إلى المجزرة الكبرى خلال الحرب العالمية الثانية لتحرير المناطق المحتلة من طرف الجيوش النازية. نجح الفيلم في استمالة 3 مليون متفرج وقد سد ثغرة أولى في ذاكرة الحرب الفرنسية – الألمانية ورد الاعتبار لمن عاملتهم فيما بعد فرنسا بالكثير من الإجحاف والازدراء.     

    بعد 17 عاما على فيلم رشيد بوشارب الذي صور بالمغرب، طرح ابتداء من اليوم، الأربعاء 5 يناير، فيلم «القناصة» للمخرج ماتيو فادوبيي… وبطولة عمر ساي والسان ديونج، والاثنان من أصول سنغالية. والفيلم حصيلة نقاش بين عمر ساي وماتيو فادوبي لسد ثغرة أخرى في تاريخ الحرب الفرنسية-الألمانية. لإنجاز فيلم عن الأفارقة وبالأخص منهم السنغاليون الذين لعبوا دورا رئيسيا خلال الحرب الكونية الأولى ضد القوات الألمانية. لم تجند فرنسا هذه القوات ضد الجيوش النازية وحسب بل جندتها كذلك ضد المقاومة الوطنية بالمغرب. وقد احتفظ المغاربة بالذكر السيئ لـ «ساليغان». (هذا عامك يا ساليغان، لي فيه الحق يبان» كما تقول الأغنية التي استغلتها فيما بعد فرقة ناس الغيوان.

    يحكي فيلم القناصة التجنيد القسري للسنغاليين في الجيش الفرنسي الذي لا يولي أي اعتبار لعامل السن، ما يهمه هو تضخيم عدد الفيالق والدفع بها إلى ساحة القتال من دون خبرة ولا تدريب! يعرض الفيلم قصة باكاري ديالو الذي ينخرط في الجيش الفرنسي عام 1917 للالتحاق بابنه البالغ 17 عاما والذي خضع للتجنيد القسري على الجبهة الشمالية بفرنسا: منذ البداية ينشب خلاف بين الأب (عمر ساي)، وابنه ثيارنو (ألسان ديونج). الأول يحاول الإفلات من الجبهة بجلده وجلد ابنه، فيما هذا الأخير يظهر حماسة مبالغ فيها تدفع بضابط إلى ترقيته إلى رتبة «كابران». هكذا تعهد لهذا الأخير مهمة الإشراف على فيلق ينتمي له والده أيضا. ما بين 1914 و1918 جند حوالي 135000 ألف قناص في جبهات، بل في جحيم فيردان ومنطقة السوم.

    في الميدان يبرز الفيلم بجلاء الفوارق بين هؤلاء المجندين الذين لا يتكلمون نفس اللغة بحكم أن لكل منطقة من مناطق السينغال لهجتها. علاوة على جهلهم الحديث باللغة الفرنسية. غياب التفاهم هو في حد ذاته دراما سريالية وعبثية لحرب اجبرتهم فرنسا على خوضها من دون أن تأخذ رأيهم. الماساة أن فرنسا بعد نهاية الحرب نسيتهم بل تنكرت لهم بالكامل. في هذا السياق أثار عمر ساي، الذي يحتل المرتبة الثالثة في قائمة الشخصيات المحببة لدى الفرنسيين، أثار زوبعة استياء في بعض الأوساط المحافظة أو المتطرفة لما تساءل في مقابلة مع صحيفة لوباريزيان عن الحزن الذي يبديه الفرنسيون عما يجري في أوكرانيا ولا يتأثرون بما يقع في إفريقيا. اتهمه فريق بجهله للسياسة الأفريقية لفرنسا، هو الذي يعيش في أمريكا، فيما اعتبره البعض الآخر ناكرا للجميل، بتصريحه لمس عمر ساي طابو عنيد يتمثل في «قداسة القضية الأوكرانية» التي لم يتجرأ أحد من الساسة، المثقفين، الفنانين، على فضها أو هتكها. وقد فضح بذلك سياسة الكيل بمكيالين.

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".