ما هذه الأخطاء اللغوية الفادحة في الوصف الرياضي؟

ما هذه الأخطاء اللغوية الفادحة في الوصف الرياضي؟

عبد السلام بنعيسي

أثناء وصف مباريات كرة القدم الدائرة حاليا في قطر في إطار المنافسة حول الفوز بكأس العالم لدورة 2022، وقبل هذه المنافسة أيضا، تتواتر على ألسنة الواصفين الرياضيين للمباريات أخطاء لغوية واضحة وفادحة، لا يتعين القبول بارتكابها من طرف الواصفين للمقابلات، وترويجها وسط الجمهور الرياضي المتابع لتلك لمباريات والذي يقدر بالملايين من المشاهدين، لكل مباراة على حدة. إنها أخطاء شائعة، وتكاد تعاد بشكل متواتر، في أي وصفٍ، أو تعليق، أو حتى تحليل لكل مباراة من المباريات الكروية.

من بين هذه الأخطاء الدارجة، استعمال كلمتي، ادعاء، أو دعوى، حين يقال مثلا: الحكمُ يُصفِّرُ معلنا عن ضربة جزاء، بدعوى، أو بادعاء، لمس المدافع للكرة باليد، أو إسقاطه للمهاجم في مربع العمليات، فرغم أن خطأ المدافع يكون واضحا ولا غبار عليه، أو لمسه للكرة باليد، يبدو بيّنا بالعين وبالصورة البطيئة، فإن الواصف الرياضي يقول، إن الحكم أعلن عن ضربة الجزاء، بداعي الخطأ المرتكب من المدافع، أو بدعوى لمسه الكرة بيده.

 استعمال كلمة، ادعاء، أو دعوى، في مثل هذه الحالات، يكون استعمالا خاطئا، لأن هذا الاستعمال يفيد بعدم وجود خطأ يستوجب الإعلان عن ضربة جزاء، وأن الحكم لم يحسن التقدير في اتخاذه القرار المعلن عنه، وأنه ظلم فريقا وانحاز لآخر، والحال، أن قرار الحكم سليم، وأن استعمال كلمة ادعاء في الوصف من طرف المعلقين هو الخطأ، وهو الذي يتعين مراجعته، إذ من الأنسب القول، إن الحكم أعلن عن ضربة جزاء، بسبب لمس الكرة باليد من طرف المدافع أو بسبب ارتكابه لخطأ ضد المهاجم.

 فتوظيف كلمتي ادعاء ودعوى هو الذي يقلب المعنى للحدث الجاري أمامنا، ويُصوِّرُه، بشكلِ مُشوَّهٍ، وعلى غير واقعه، إذ يجعل الحكم ظالما، والحُكم الصادر من طرفه جائرا، في حين أن الأمر ليس، لا هذا ولا ذاك، وإنما توظيف مصطلح ادعاء ودعوى في الوصف الرياضي هو الذي كان غير صائب، وفي غير محلِّه.

ومن الأخطاء اللغوية الشائعة خلال الوصف الرياضي القول مثلا، إن المدرب أخرج اللاعب زيد وأقحم مكانه اللاعب عمرو، فكلمة أقحم هنا ليست في محلها، إنها مستعملة بشكل خاطئ تماما، لأن معنى، أقحم  يُقحم، إقحامًا، هو الإدخال بالقوة، وفي المكان الذي لا ينبغي أن يكون فيه الإدخال، كالقول مثلا، أقحمَهُ المكانَ: أدخله فيه قسرًا، أو أقحمه في الأمر، أي، أدخله فيه بلا رويّة، أو ورَّطه فيه ، أو كالقول، أقحمَ بلادَه في مخاطرة رَعْناء، أو أقحَم أسرته في مشكلة مع جيرانه، أو أقحم نفسَه فيما لا يعنيه، أي أنه، تدخَّل بالرأي على سبيل التطفُّل والحشرية.

لقد صار توظيف فعل أقحم يتمُّ على نطاق واسع في وصف مباريات كرة الكرة والتعليق عليها، حتى أن استعمال هذه الكلمة بالطريقة الخاطئة المشار إليها، أضحى وكأنه استعمالٌ صحيح وسليم. وكان من الأفضل والأصح، بدل استعمال، فعل أقحم، بهذه الطريقة الخاطئة، تبسيط الأمور، والقول مثلا، استبدل المدربُ اللاعبَ الفلاني باللاعب الفلاني، أو قام بإخراج لاعب وتغييره بآخر، فكلمة أقحم هي التي تبدو مقحمة هنا من طرف الواصفين الرياضيين في نقلهم للمباريات الرياضية.

ولا يدري المرء لماذا يتمسك أهلُ التعليق والوصف للمباريات بهذه الكلمة، ولماذا يصرون على إقحامها في نقلهم للمباريات، باستعمالها في خارج سياقها؟ وما الذي يعجبهم فيها؟ وهل من الصعب تغييرها بكلمات أخرى تكون ملائمة للحدث، وتؤدي الوظيفة المطلوبة منها بطريقة صحيحة؟؟؟

ومن الأخطاء اللغوية التي تستعمل خلال نقل مباريات كرة القدم أيضا، كلمةُ، جَاوَرَ، ويقع هذا الاستعمال كثيرا في الوصف الرياضي المغربي، بحيث يقولون، جاور اللاعب حميد مثلا، فريق الرجاء، وانتقل منه إلى فريق الوداد، بالمعنى الذي يفيد، أن كلمة جاور تعني لعب في صفوف الوداد لمدة زمنية، والحال أن هذا الاستعمال لفعل جاور ليس في محلِّه بتاتا، إنه استعمال خاطئ.

 فمعنى كلمة جاور يحيل على مصطلحي، جيرة وجيران، إذ يقال: جَاوَرَ فلانٌ فلانًا: لاصقه‏ في المسكن، أي سكن بقربه، وتجمعه به صلات القرب والجيرة في السكن والإقامة، فاللعب مع فريق لمدة من الزمن لا يعني أن اللاعب صار جارا للفريق الذي لعب لفائدته، فهذا استعمال لفعل جاور يحتوي على خلل كبير، ويغير المعنى لكلمة جاور، ويتعسف في إعطائها معنى لا علاقة له بالمعنى الحقيقي للكلمة في أصلها اللغوي. إنها مصطلحات لغوية يتناقلها العديد من الواصفين الرياضيين بينهم، ويجعلون منها مصطلحات قائمة وسائدة ومفروضة على الجمهور، رغم أنها موظفةٌ، بعيدا عن معناها الفعلي، كما هو متواضعٌ عليها في قاموس اللغة العربية.

شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *