«الأمير الصغير» يحتفل بعامه الثمانين

«الأمير الصغير» يحتفل بعامه الثمانين

باريس- المعطي قبال

   كتاب للصغار والكبار، ترجم إلى مائة لغة أجنبية ولا يزال يحتل المرتبة الثانية على مستوى المبيعات بعد كتاب الإنجيل: إنه كتاب «الأمير الصغير» للكاتب والطيار الحربي أنطوان دي سانت إيكزوبيري.

   صدرت هذه الرواية أو الحكاية لأول مرة بنيويورك عام 1943، عن منشورات رينال وهيتشكوك في 93 صفحة، وذلك بسنة واحدة قبل وفاة سانت إيكزوبيري التراجيدية حيث اختفت طائرته ولم يعثر على جثمانه إلا سنة 1988 بعرض شط مارسيليا. يصنف نقاد الأدب هذا الكتيب أو الكراس في خانة أدب الأطفال كون البطل طفل «نزل من السماء» بمخيل بسيط له ألفة بالحيوانات والطبيعة. يطمح الأمير الصغير إلى الحفاظ على براءة العالم وعلى براءته الشخصية. لذا ثمة مسحة دينية يرنو من خلالها الأمير إلى السمو. كما يزج بالقاريء وبالطيار الحربي في عالم العجيب والغريب: بدل أن يطلب منه ماء للارتواء في قيظ الصحراء أو الوقاية من حر الشمس، يطلب منه أن يرسم له خروفا. ستعقب هذه المفاجأة مفاجآت أخرى تجعل الطيار براجع أفكاره ومعتقداته. يجب أن لا يعتقد القاريء أن الأمير الصغير شخص ساذج وأبله، بل هو شخص عرف تجارب مريرة وصعبة إذ عرف الحزن، الخوف والعزلة. فمرحلة الطفولة ليست بمرحلة البراءة كما يعتقد البعض. في هذه الرواية استجمع أنطوان دو سانت إيكزوبيري مجموعة تيمات ثم رتبها بحسب ثنائية مبسطة: المرئي واللامرئي، الطفل والراشد، السفر والاستقرار، المكان والزمان، أسئلة وأجوبة، السعادة والاكتئاب الخ… هناك نزوع من طرف المؤلف إلى معانقة والدعوة إلى ما و روحاني وصوفي. فالأمير هنا أداة وصل قوية وظفها سانت إيكزوبيري بشكل جيد. 

   ثمة حكمة من بين حكم كثيرة توجه السلوكات والتي مفادها أنه «بالقلب وحده ننظر بشكل جيد، اما ما هو أساسي فيبقى غائبا عن العين». إن كان الوصف الرائج عن الأمير الصغير أنه حكاية فلسفية، فليس من المبالغة نعته أيضا بالحكاية الصوفية والشعرية. ذلك أن مقومات هذين التجربتين متوفرة: الصحراء، الخلوة، الطموح إلى السمو، التخلص من ماديات العالم التي تعتبر الطائرة أحد تعبيراتها التكنولوجية.

   ماذا لو كان الأمير الصغير ردا من طرف أنطوان سانت إيكزوبيري على عبثية العالم وهو في وضع خراب الحرب الكونية الثانية التي خلفت 40 مليون قتيل؟ ماذا لو كانت هذه الرواية دعوة إلى الإيمان بأحلام الأطفال وبهاء عالمهم النظيف؟  

   على أي وبعد مرور 80 عاما على صدور الأمير الصغير، لم يخف الشغف بقراءة هذه الرواية والتأمل في تجاربها ودروسها.

شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *