من يعطل حل الخطوة ـ خطوة في سوريا؟

من يعطل حل الخطوة ـ خطوة في سوريا؟

فؤاد إيليا

 تقرأ التوقعات في الحقل السياسي بناء على تبدل في توجهات أو مصالح الجهات الفاعلة أو تبدلات موازين القوى التي يشتغل فيها ذلك الحقل.

   في الأزمة السورية لم يطرأ أي تبدلات تسمح بالتوقع، فالثورة التي تمثل مرجعية ومحرك للأحداث، والتي نشهد تداعياتها إلى الآن، خمدت تحت ضغط الفعل العسكري الذي قدم وعودا وعجز عن تحقيقها بعوامل ذاتية وموضوعية، ثم الفعل المعارض المؤسساتي الذي ابتعد منذ البداية عن إرادة التغيير الثوري ودخل لعبة الرهانات، ثم التبعية لهذا الطرف أو ذاك.

   أما القوى الفاعلة الدولية فقد تجاوزت ذروة الصراع وبقيت موازين القوى ثابتة، بمعنى لم ينتصر أي طرف بما يسمح له بفرض شروطه، كذلك لا يوجد عوامل تسمح بتوقع تغيّر المصالح التي تبنى عليها إرادات ومواقف تسمح بتفاهمات تفضي إلى حل أو تسوية ما.

   في الجانب الآخر، تبدو القوى الدولية الفاعلة والمؤسسات الاممية ذات الإهتمام عاجزة عن إيجاد منهجية ونمط علاقات بفعالية إيجابية تسمح بحل الأزمات بدل مراكمتها، وأتحدث هنا عن أزمات الربيع العربي والنووي الإيراني والصين، وصولاً إلى أوكرانيا طبعا. ويعزى ذلك وفق إعتقادنا أيضا إلى صعود قوى سياسية سميت بــ”الأوتوقراطية” سمحت لنفسها التدخل في شؤون الدول والدفاع عن الأنظمة، بينما انتقلت الدول التي تسمي نفسها ديموقراطية إلى موقف الحياد السلبي قد يصل إلى الدفاع عن النفس، وأذكر هنا عربدة بوتين وملاحقته لخصومه ومعارضيه في أوروبا وليس انتهاءاً بتدخلاته في الانتخابات الأمريكية.    

ضمن هذا المناخ لايمكن توقع إمكانية حل من داخل البيئة السورية والفاعلين فيها، إلا بحراك اجتماعي من الداخل السوري ربما شهدنا بواكيره في السويداء وعوامله كثيرة من أزمة اقتصادية خانقة وأزمات معيشية وانعدام خدمات ووو…. 

   ويبقى عامل خارجي ربما غير متوقع في المنظور القريب، وهو تراكم الازمات على مستوى العالم والتناقضات المتصاعدة في الكم والنوع لا يمكن أن تستمر، فهي أما تؤدي إلى حرب ربما غير تقليدية، أو أن تتفق الأطراف على تسوية بالتأكيد لا ترضي الجميع لكنها ستجنبهم الكارثة، وبالتأكيد سورية ستكون جزء من تلك التسوية، بإعتبارها التمثيل الأكثر وضوحا عن التناقض، ويمكن قراءة ذلك من خلال زيارة وزير الدفاع الروسي (شويغو) لسوريا في قمة التوتر العسكري على حدود اوكرانيا وكذلك التوتر السياسي.   وتقوم مهمة الامم المتحدة عبر محادثات مبعوثيها وآخرهم غير بيدرسون على ثنائية متناقضه جذرياً، تتمثل بتحقيق تطلعات الشعب السوري المتمثلة بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية من جهة ومن جهة ثانية بتسوية المصالح المتناقضة للدول الفاعلة في الملف السوري وقد جرى بإطراد تهميش العامل الأول لصالح العامل الثاني نتيجة عوامل عديدة لعل اهمها تضحية (السلطة) بالسيادة وتضحية (المعارضة) بالشرعية الثورية لصالح جهات استأثرت بقرار الطرفين. 

وبالتالي أصبح أي حديث عن توافق سوري، حديث مفرغ من أي مضمون وليس له قيمة وهكذا أصبح وجود السوريين في الفعاليات الخاصة بهم وجود صوري وغير فاعل ربما التجربة الوحيدة ــ نسبياً ــ التي لم تتقدم خطوة واحدة هي تجربة اللجنة الدستورية، يمكن أن نذكر هنا إجتماعات جنيف وفيينا، أما التي جرت في أستانا وسوتشي فقد كان السوريون فيها شهداء زور فقط.   ضمن هذا المناخ نفهم تنقلات المبعوث الدولي في عواصم العالم، لحل الأزمة السورية، ومن هذا المنظور يجب أن نفهم سياسة الخطوة مقابل خطوة، حيث المقصود بها ليس السوريين بتوجهاتهم الراديكالية الجذرية وغير القابلة “للتسوية”، بل الأطراف الدولية ذات المصالح المتباينة، وصولاً إلى التناقض الصريح ويعتقد بيدرسون أنه عندما يتم تسوية خلافات الدول الفاعلة في سورية يصبح حل الأزمة تحصيل حاصل ـــ وهو فعليا كذلك كما نعتقد ـــ ولكننا نرى الصراعات الدولية تفتح جبهات جديدة في أماكن متباعدة لا تنذر بإمكانية حل منفرد حتى في أزمة إنسانية كالأزمة السورية تنزاح بعيدا عن دائرة الاهتمام.  

Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

فؤاد إيليا

ناشط سياسي سوري