سيمون دو بوفوار – نيلسون أليغرين: أنتَ حاضر دائما تسكن فؤادي.. عليكَ أن تعلم ذلك
ترجمة: سعيد بوخليط
* الأربعاء (بدون تاريخ)
أحببت عنوانكَ ”المهجَّنُ والمهرِّبُ”، جملة ترِنُّ.
حبيبي نيلسون، وصلتني رسالتكَ ذات اللون الأصفر بحجمها الكبير، مع صور صغيرة، كم أحببتها! بدت الصورة التي ضمَّتنا معا وفق المستوى المطلوب، تتمتع حقا بوجه رائع ”طازج ”.
كيف يمكن لرسالة مني أن تحرجكَ؟ ما أرسله لكَ غمره دائما حب طافح.
حبيبي،
سواء فترات انكبابي على الكتابة أو أشرب نخبا، وحيدة أو رفقة أشخاص، فأنتَ حاضر دائما تسكن فؤادي، عليكَ أن تعلم ذلك.
أيضا، شرعتُ في وضع لبنات برنامجي حين قدومي عندك إلى أمريكا، سنكون سعيدان.
سأرسل اليوم هذه الرسالة.
إذن إلى اللقاء
أحبِّكَ يا مجنوني.
*ليلا في وقت متأخر
شعرت بالاستياء قليلا نحوكَ حينما قرأت بأن رسالتي أثارت حفيظتكَ.
غباء مفرط، حتى بالنسبة لمجنون مثلكَ، إبداء حسِّ عدم الارتياح جراء رسائل مفعمة بأعمق مشاعر الحب.
نيلسون حبيبي،
يصعب علي تحمل مشاعر الإحساس، بأنكَ لست على مايرام نتيجة كلامي، مع ذلك قد تحدث أمور من هذا القبيل، لكن خاصة أخبرني، ولنحاول باستمرار الإفصاح عن الحقيقة، وتجنب كذب أحدنا عن الثاني.
كلام جعلني أذرف الدموع، وأحسست بغرامكَ عبر سطور ماكتبته.
* السبت صباحا 28 يونيو 1947
نيلسون،حبيبي
أجواء باريس سيئة، مكثت هناك لمدة يومين، تحت وطأة حرارة لم تعرفها المدينة منذ سنة 1900. لحظتها، حلَّق ذهني صوب شيكاغو، فالحياة قاسية هناك أيضا، وحرارة الطقس، على امتداد شارع وابانسيا.
نعاين هنا جريمة قتل، مثلما تقولون في أمريكا. بالتالي أن تبادر إلى الكتابة أو القيام بعمل معين، يقتضي الأمر طاقة كبيرة.
تناولتُ البارحة العشاء صحبة المرأة البشعة (أخبرتك عنها سابقا)،داخل مطعم أثري فاتن ينتمي لأروقة القصر الملكي(1)، احتسينا نبيذ الشامبانيا. لكن مادواعي إقبالنا باستمرار، أنا وهي، على الشامبانيا؟ لاأملكُ حقيقة جوابا.
أيضا، تواجد في عين المكان جان كوكتو (الشاعر الفرنسي الشهير، اللُّوطي، قارب عمره ستين سنة) يرافقه ثلاثة شباب مثليين، يحظون بوسامة كافية.
انخرطنا جميعا في نقاشات خلال مدة معينة، بدا كوكتو ودودا للغاية، ومَرِحا جدا.
بما أنه لاتتجلى إمكانية أخرى أمام المرأة البشعة سوى أن تكون بدورها مثلية، فقد كنتُ الوحيدة ضمن المجموعة صاحبة التوجه الجنسي المغاير، محض انحراف أكابده، وفق تصور هؤلاء.
انبعث ضحكي وأنا أتابع طريقة تصرف هؤلاء المثليين :مجهودات كبيرة حتى يكتسب مظهرهم فحولة، واتسام مظهرهم بالصلابة، وقد غمرت مختلف ذلك أنوثة دفينة.
جميعهم أصدقاء المرأة البشعة، أظني هيأت للأخيرة الأفضل، بحيث ساعدتها كي تتطور على مستوى الكتابة ثم تنسج علاقات صداقة بفضل مؤلفاتها، لذلك لم تعد قط تعيسة مثلما السابق. إنها بالتأكيد المرأة الأكثر إثارة للاهتمام التي تعرفتُ عليها وقضينا معا أمسية رائعة.
قبل ذلك، خلال فترة الظهيرة،أقامت دار النشر غاليمار احتفالا أدبيا كبيرا، تخللته بهذه المناسبة مأدبة طعام مهمة: تسليم كاتب شاب جائزة مالية تقدر ب مائة ألف فرنك، وقد حصل عليها شاعر معروف أيضا بميولاته الجنسية المثلية، حدثتكَ عنه في مناسبة سابقة (2)، طفل لقيط أضحى لصا ثم بعد ذلك مؤلف كتب فاحشة رائعة.
حاليا تؤثث صوره كل الجرائد،علما بأن خلِيلَه يقضي حاليا عقوبة سجنية تقارب مدتها ثمان عشرة شهرا، لأنه انتشل من فندق كبير ملاعق فضية صغيرة. كان سعيدا لحصوله على المبلغ المالي، ومتذمرا في الآن ذاته من الصور.
بعد ذلك، دائما داخل فضاء غاليمار، حفلة كوكتيل على شرف جون ستاينبيك، لكن في خضم وجود حشد هائل، فقد حال ذلك بيني ولقائه شخصيا.
تحضر حاليا إلى باريس حشود أمريكية، فلماذا أنت حبيبي لست ضمن هؤلاء؟
طيلة اليومين المنصرمين، استمر لقائي بصديقة قديمة تعرفت عليها قبل عشرين سنة تقريبا، سيدة عجوز جذابة، لاسيما، ألهمت إعجابي وأنا صغيرة بينما كانت تبلغ من العمر أربعين سنة :اعتقدتُ آنذاك رائعا ومذهلا بلوغ امرأة سن الأربعين، وقد حدث معي السياق حاليا ثم أدركتُ بكيفية ملموسة بأنها مرحلة مقارنة مع باقي الأعمار، ليست أفضل ولاسيئة.
بلغت هذه السيدة راهنا عقدها السادس، ولم تعد قط تجذب اهتمامي، مع ذلك لازلتُ أحبها بسخاء. اصطحبها ثنائي شاب وشابة، وأصدقاؤها بمثابة أصدقاء لي. بالكاد استعادت الشابة عافيتها بعد أن ازدردت دبوسا!
منذ بضعة أيام على متن سيارة، أدت رجة مباغتة إلى ابتلاعها دبوس ضخم،تغافلت عنه بين شفتيها.
هكذا نقِلَت سريعا إلى المستشفى وظلت تحت العناية الطبية لمدة أربعة أيام. بفضل أشعة x تمَّ اقتفاء أثر الدبوس داخل المعدة، وانزلاقه نحو الأحشاء، وأخيرا التمكن منه وإخراجه.
لو حدث معي نفس الأمر لأصابني الرعب، غير أن هذه الفتاة تعيش باستمرار مغامرات من هذا القبيل، وضع مرهق بالنسبة لزوجها المسكين.
طيب حاليا، سأعود إلى العمل، الاشتغال على موضوع النساء، بهذا الخصوص اتفقت مع هيئة تحرير مجلة نيو- يورك كي ينشروا بعض ماكتبتُه، وقد وصلتني مئتان وخمسون دولارا كدفعة أولى، ثم نفس المبلغ حين صدور المقال.
حبيبي، سأودِع هذا المال في نيويورك، لأنه سيمنحنا إمكانية قضاء أيام معا في مدينة أورليانش الجديدة.
أن أكتب، يعني الشروع في التحضير لسفرنا وسعادتنا وكذا حبنا، دافع محفِّز جدا.
إلى اللقاء حبيبي،
أتمنى عدم تضمن هذه الرسالة لأيِّ سمٍّ ضارٍّ بالنسبة إليكَ، بل فقط الورق، والحبر والغرام، معطيات لاأعتقد بأنها تسبب لكَ سوءا، مع ذلك أتهيَّب من الأمر قليلا.
نيلسون،عِشْقي
أتمنى أن لايقلقكَ أبدا تصرف أنا مصدره، قد أخلق لديكَ شعورا بالاشتياق، وبوسعكَ التحسر مادمت بعيدة عنكَ، بدوري اشتاق إليكَ ويحزنني ذلك، لكنه ليس بضائقة.
أتمنى أن يغطِّيكَ غرامي، برقَّة ودفء، غاية شعوركَ بأنكَ تستوطنه بكيفية مريحة.
أحبُّكَ جدا،مع أني لاأعتقد بأني سأحبُّك هناك في شيكاغو،بنفس قوة ماأحسه بين طيات هذا الصيف الفرنسي الحارق.
أقبِّلُكَ.
سيمون كلها لكَ.
هامش:
(1) مطعم فيفورVéfour
(2) جان جنيه
مصدر الرسالة:
<
p style=”text-align: left;”>Simone de Beauvoir :un amour transalantique(1947 -1964) ;Gallimard1997.PP :53.56