نحن اخترنا الكتابة والكتابة اختارت الغرابة

نحن اخترنا الكتابة والكتابة اختارت الغرابة

د. عبد الكريم برشيد

فاتحة الكلام
       أنا الكاتب الاحتفالي أعترف لكم اليوم، بما ينبغي الاعتراف في عالم وكتابة هذا العالم، وقبل هذا الاعتراف، أسمح لنفسي بأن أتحدث باسمي الشخصي وباسم كل الكتاب الاحتفاليين في العالم، وأن أكتب وأقول لكم ما يلي:
    نحن الكتاب لا نكتب كل ما نشاء كما تشاء، ونخدع أنفسنا، ونخدع كل الناس لو قلنا عكس هذا. ونحن فقط نكتب ما نقدر عليه، وهو قليل جدا، بالقياس لما نعرفه ولما نحلم به، ولما يمكن أن نكتبه وأن نبدعه وأن نكشف الحجب عنه، ولما يمكن أن نقدمه لكم وللتاريخ.
والأصل في هذه اللغة التي نكتب بها وفيها هو أنها بحر بلا ضفاف، وهي امتداد غير محدود، وقد نعتبر أنها – في العربية – مجرد ثمانية وعشرين حرفا فقط. وأنها بذلك محدودة، لأنها لم تكتب إلا بهذه الحروف المحعدودة والمحدودة، ورغم هذا، فإنني لم أفكر يوما في أن أضيف إلى هذه اللغة العربية من عندي حرفا واحدا، أو حتى مجرد نقطة أو فاصلة، لأنني أعرف أن هذه الحروف كافية وزيادة. وأن الأساس هو أن نعرف هذه اللغة، وأن نعرف أسرارها الخفية، وأن نعرف بلاغتها وبيانها، ومن أدرك هذه المعرفة، فإنه لابد أن يدرك أسرار الوجود وكل أسرار الكون، لأن في رحم هذه اللغة من العلوم والفنون والآداب والحكمة ما لا يعد ولا يحصى.
 
الكتابة اختيار والمسرح اختيار
    والمسرح في كتابتي اختيار، وكتابتي في هذا المسرح اختيار، واعتناقي الاحتفالية طريقا وطريقة وفلسة هو اختيار ايضا، وهذا الاختيار المتعدد والمركب هو بالتأكيد اختيار وجودي، ومن خلال هذا المسرح اخترت الاحتفال، ومن باب هذا الاحتفال دخلت التاريخ، بأزمانه وبأمكنته وبأسمائه وبقيمه وبجمالياته المتعددة، وأن تختار أن تكتب للمسرح الحديث بهذه اللغة (القديمة) جدا، فتلك مخاطرة بكل تاكيد. ولا وجود لإبداع صادق وحقيقي بدون مخاطرة، وفي كل مخاطرة علمية وفكرية بوجد شيء من النجاة كما يقول النفري، ومن أجل الأمل في الفوز والنجاة، وفقد خاطرت بالكتابة في المسرح وبالمسرح، وكان ذلك حبا وعشقا في الإنسان والإنسانية وفي الحياة والحيوية وفي المدينة والمدنية وفي الجمال والجمالية وفي العيد والعيدية.
    وأن تسعفك هذه اللغة (القديمة) جدا، في أن تترجم هذه الحياة اليومية، الجديدة جدا والمعقدة جدا والغامضة جدا ، فإن ذلك لا يمكن أن يكون له إلا معنى واحد، وهو أن هذه اللغة هي لغة كل الناس في كل زمان ومكان، وأنها لغة الإقناع ولغة الإمتاع ولغة الاحتفال ولغة السمر ولغة المؤانسة ولغة التواصل ولغة الحوار مع الله ومع الناس ومع الطبيعة ومع التاريخ ومع الأشياء.
    وأعترف بأن هذه اللغة هي أكبر وأرحب وأعمق وأخطر وأغنى من كل كتاباتي المحدودة، وهي أساسا عوالم وأكوان بها أسرار سحرية خفية، ولقد عرفت بأن هذه اللغة، بخلاف ما قد يظهر، ليست لغة بسيطة ولا سهلة، وهي لغة ماكرة وزئبقية ولولبية، وكأنها لغة الجن ولغة الملائكة، ولكنها أبدا لا يمكن أن تكون لغة الشياطين، ولذلك فقد تماهيت فيها. وذبت فيها، وحللت فيها، واتخذتها مسكنا لروحي وسكنت فيها، وذلك حتى أبلغ أقصى وأعلى درجة في العشق، ويكون بإمكاني حينها أن أقول نفس ما قال الصوفي، وأن أقول بخصوص هذه اللغة ما يلي:
– أنا هي وهي أنا، نحن روحان حللنا بدنا.
    والاحتفاليون يكتبون بهذه اللغة، ويكتبون أيضا بلغة الصمت، وفي تغريدة له، يستعرض علينا الممثل جواد العلمي مقطقا صغيرا من مسرحية (المقامة البهلوانية)، والتي كان أحد أبرز الممثلين فيها، يقول الحكواتي الأب لابنه الحكواتي الابن، وهو يسعى لأن يثنيه عن مهنة الحكي والمحاكاة، بحكم أنها متعة وشاقة وغير آمنة وغير مربحة، وهذا نص ما قاله:
    (جميل أن تشتغل في الكلام، وأن تكون من علماء الكلام، ولكن الأجمل من كل هذا يا ولدي هو أن تكون حكيما مثل الصور والتماثيل ومثل السادة الأموات.. هل جربت يوما لغة الصمت؟).
    وفي الكتابة الاحتفالية شيء كثير من الصمت ومن نقاط البتر والتي هي صمت ينبغي قراءتها قراءة خاصة.
وأن تكون اليوم كاتبا، وأن تكون لك رؤية واسعة بالعالم، فأنت بالتأكيد بحاجة إلى لغة واسعة وغنية ودقيقة وعميقة وساحرة ومبهرة ومركبة ومتحركة وحية، وأنا، في هذا المسرح، اخترت الكتابة باللغة، وتحديدا بلغة عربية وسعت علوم الأقدمين والمحدثين، ووسعت روح وعقل ووجدان وخيال شعوب وأمم كثيرة جدا، وهذه اللغة هي لغة الضاد، والتي قال في حقها القائل ما يلي:
(إن الذي ملأ اللغات محاسن. جعل الجمال وسره في لغة الضاد).
    ومن مكر هذه اللغة، هو أنها قد تجعلنا، وفي كثير من الحالات، نقول ما لا نريد، ونريد ما لم نقل، ولعل (أسوا) ما في هذه اللغة هو تلك القوالب الجاهزة، وهي التعابير العامة التي يمكن أن يقولها كل الناس، من غير أن تكون تعبيرا خاصا بواحد من الناس، أو أن تكون خاصة بحالة من الحالات أو بموقف من المواقف، ولقد حرص الاحتفالي على أن يفكر بهذه اللغة، وبدل أن يجعلها تفكر به وفيه، وأن تقول من خلاله ما تريد هي، وليس ما يريد هو، وليس هذا بالأمر السهل أبدا..
    ولأجل هذا يسعى الكاتب الاحتفالي من أجل أن يكون غنيا وقويا وبليغا وساحرا ومقنعا وممتعا ومدهشا وجديدا ومجددا ومتمردا وساحرا وعرافا وشاعرا وحكيما وأمينا وصادقا على الدوام،
    ولأنني أعرف ان هذا المسعى ليس بالأمر الهين. فإنني أعول على عون ربي، ودائما. أرفع كفي إلى السماء عند ساعة الكتابة وأقول في الدعاء:
– رب إني أشكو إليك فقري، في مقابل غنى هذه اللغة الغنية، واشكو إليك ضعفي، في مقابل قوة هذه اللغة الناعمة والحالمة، فأعني حتى أكون في مستواها، أو على الأقل أن أكون قريبا منها، وألا أخون بلاغتها وبيانها وسحرها وتاريخها.
 
سلطة الحكي وسلطان الكلام
    وفي كتاب (الاحتفالية في التاريخ والتاريخ في الاحتفالية)، والذي هو أحد الأجزاء المكونة الكتاب الموسوعي (التيار الاحتفالي في المسرح العربي)، والذي مازال لحد هذا اليوم مجرد مخطوط، يقول الاحتفالي (وأول الكلام في هذه الاحتفالية هو التأكيد على أنها أساسا اختيار حر، وعلى أن فعل هذا الاختيار ليس بريئا، وليس فعلا بلا معنى، وذلك لأن طبيعة فعل الاختيار أن يكشف عن طبيعة الفاعل المختار، وكما تكون اختياراتنا نكون نحن مثلها، فالجميل يختار الجمال، وعاشق العلم يختار العلم، ومحب الحكمة يختار الحكمة، وفي هذا المعنى يقول الشيخ محمد عبده (قد عرفناك باختيارك، إذ كان دليلا على النبيه اختياره)، وبهذا نقول بأن أول درجة في سلم الاحتفالية هو سلم الاختيار، أي اختيار الحياة والحوية، واختيار الإنسان والإنسانية، واختيار المدينة والمدنية، واختيار الجمال والجمالية، واختيار الحق والحقيقة، واختيار البهجة والفرح، واختيار العيد والاحتفال، واختيار الاستقلال والاستقلالية، واختيار الحضور والتلاقي، واختيار الحرية والتحرر، واختيار الفن الذي يجمل الحياة اليومية، ويجمل الواقع والوقائع، ويعيد للأيام العادية عنصر الإدهاش فيها،
    وفعل الاختيار هو بالتأكيد حق مشروع للجميع، وبهذا فهو ليس جريمة، ولقد مارسه الاحتفاليون عن قناعة فكرية، إيمانا منهم بأنه عنوانهم في دنيا الوجود، وأنه هويتهم وبصمتهم المتميزة في الحياة).
    ونحن اخترنا الكتابة، واخترنا معها وفيها الكتابة بلغة عربية قديمة وشعرية وسحرية، وفي المقابل فإن هذه الكتابة اختارت الواقع والوقائع الحية. واختارت في هذا الواقع قدرته في أن يكون مفتوحا على التاريخ وعلى الحكاية وعلى الخرافة على الأسطورة وعلى المنام وعلى الأحلام وعلى الأوهام وعلى الحضور وعلى الغيب وعلى الممكن وعلى المحال وعلى المعروف والملفوف وعلى المجهول.
    ولقد اختار الاحتفالي الكتابة، وهي في درجة الحكمة وفي درجة الجمال والكمال وفي درجة الصدق والمصداقية، وارتضى لنفسه أن يكون مواطنا حرا في مملكة الكتابة الحرة والمستقلة، وفي هذه الكتابة شيد صرحا عاليا جدا، واختار أن يكتب حياته، وأن يحيا كتابته، ولقد وجد نفسه داخل شبكة واسعة وجميلة مرتبطا بالناس وبرب الناس وبالأفكار وبالاختيارات المتعددة، وداخل شبكة هذه العلاقات الإنسانية الحية والتاريخية عاش حياته مع شخصيات من جميع من الأوطان والأزمان، ولولا سحر هذه الكتابة فهل كان ممكنا أن أصاحب المتنبي وعنترة وابن الرومي وامرؤ القيس والحلاج وعطيل ولونجة وعبد السميع والخامسة وفاوست وابن رشد وسقراط وعيشة قنديشة والسندباد والأطلس الجبار وقراقوش الكبير والحكواتي وخيطانو المجنون وغيرهم كثير؟
    وعن بلاغة الكلام وسحر الكلام والمتكلمين يقول ذلك الاحتفالي المشتغل بالكلام في احتفالية مسرحية عنوانها (شكوى المهرج الحكيم)، ويقول الحكواتي في المسرحية تعقيبا على صوت أتاه من خارج المكان والزمان:
    (كان هذا صوت جدتي شهرزاد الأولى، المرأة التي قهرت الطغيان بسحر الكلام، والتي علمت الإنسان بأنه لا سلطة تعلو فوق سلطة الحكي والكلام).
وهذا هو نفس رأي الاحتفالية والاحتفالي (لا سلطة تعلو فوق سلطة الحكي والكلام).
    وفي الكتابة الاحتفالية يحضر الكاتب الذي يكتب، ويحضر الحكواتي الذي يحكي، ويحضر المصور الذي يصور، ويحضر المؤرخ الذي يؤرخ، ويحضر الرسول الذي يحمل الرسائل إلى الناس، ويحضر العراف الذي يرى ما سوف يأتي، وكيف سيأتي، ومتى سيأتي، ويحضر الشاعر الذي يتغنى بجماليات الأجساد والنفوس والأرواح وبجماليات العلاقات بين الأفراد والجماعات والمجتمعات والشعوب والأمم والثقافات والحضارات واللغات المختلفة.
 
ترويض الحروف وترويض الكلمات
    وكثير مما أقول الآن واكتب، سبق وقالته شخصياتي المسرحية. وكان ذلك باقتراح مني وبتفويض مني، وأعترف أنها، وفي كثير من الحالات، قد كانت أكثر صدقا وأكثر جراة وأكثر معرفة مني، وفي بداية مسرحية (شكوى المهرج الحكيم) يظهر الحكواتي وهو في زي مروضي الأسود في السيرك، وتنتصب أمامه الحروف والكلمات والعبارات والصور الغريبة، وكأنها وحوش مفترسة. والتي لم يكن يراها إلا هو وحده، ويمكن لكل مخرج أن يجسد هذه الحروف الوحشية والمتمردة كما يشاء، وبطريقته الخاصة، وأن يجعلها صورا تتحرك بحسب ما يطلب منها الحكواتي المروض، ونجده في المسرحية يقول لها بلهجة الأمر:
(اصطفي أيتها الحروف المتوحشة
اصطفي أيتها الكلمات المتمردة
اصطفي أيتها العبارات الهاربة
اصطفي أيتها الصور والمشاهد الغريبة
اصطفوا جميعكم صفا واحدا
حقا، لا شيء أجمل من النظام إلا الفوضى المنظمة والمرتبة،
الأطول منكم في الخلف، والقصير في الأمام
اصطفوا قلت لكم، ألا تسمعون؟
والآن ارقصوا كما تشاءون، رقصا شرقيا أو غربيا لا يهم، والمهم هو أن تكون لكم ارواح حية، وأن تتجاوب هذه الأرواح مع الموسيقى في الكون).
    هذه هي الكتابة كما يراها الاحتفالي، والتي هي غابة لا تحدها الحدود، من يدخلها مفقود، ومن يخرج منها مولود ولادة ثانية، وبهذا فقد استحقت هذه الكتابة أن يقول عنها الاحتفالي بأنها مخاطرة، وهذا الكاتب الاحتفالي الذي يسكنني هو نفس ذلك الحكواتي، مروض الحروف والكلمات والعبارات، والذي قال في المسرحية:
    (يا الله، لو أستطيع أن أكون كما أشاء، وأن أجعل الحروف والكلمات والعبارات طيعة على لساني، وأن اجعل الأسماء والأشياء طيعة بيدي، ورغم أن هذا السوط بيدي، فإنني أخافها، وحق الله إنني أخافها.. أخاف الكلمات الوحشية، وأخشى أن تفترسني الصور المرعبة، وأن تدمرني الأفكار المدمرة، ولهذا فإنني أحاول ان العب معها لعبة الأسود ومروض الأسود، هي لعبة ألعبها أو تلعبني.. لست أدري..).
    وهذا الكاتب الحكواتي، والذي فرض علي في مسرحية الوجود أن العب دوره، وأن أستعير وجهه أو قناعه، وأن أكلم الناس بلسانه، هو الذي ينبغي أن نساله اليوم وغدا من يكون.
    وجوابا على هذا التساؤل الافتراضي نجد ذلك الحكواتي يقول (أنا) (صانع أحلام ومروض أحلام وتاجر أحلام وفقيه أحلام وعالم أحلام في سيرك الأحلام، وما هذا العيش سوى أحلام في أحلام في أحلام حتى ينتهى هذا المنام.. تسألون متى ينتهي.. وأقول لكم ليته لا ينتهي).
    وهذه الاحتفالية ليست مجرد أسماء تفكر وتكتب وتبدع في المسرح وفي الحياة… سماء قد نعرف بعضها فقط، ولكننا نجهل أغلبها، والاحتفالي الصادق هو من يعيش احتفاليته بصدق وأمانة، وهو من يحاول أن يعرف كل الناس، والذي لا يهمه بأن يعرفه أو يجهله بعض الناس، ووجود فنه وفكره وعلمه، وفي العالم الرمزي أهم وأخطر من وجوده الحسي والمادي في العالم الواقعي والطببعي.
 
الاحتفالي الخارج عن الصف
    ولهذا نقول بأن ما يميز هذه الاحتفالية أساسا هو أنها مسار وجودي متكامل، مسار فيه الكائن والممكن، وفيه المحتمل والمحال، وفيه الظاهر والخفي، وفيه القريب والبعيد والمستبعد، وفيه الحاضر والغائب والمغيب، وفيه المحسوس والمتخيل، وفيه الواقعي والافتراضي، وفيه البراني والجواني، ولعل أهم ما يميز هذه الاحتفالية، بشكل عام، هو أنها كائن اعتباري معاند ومشاكس ومشاغب، وأنها سباحة حرة ضد التيار، وأنها فعل يومي سيزيفي يتجدد بتجدد الحياة، وهي تفكير جاد وجديد في زمن الشعارات، وأنها في حقيقتها ذات عاقلة ومفكرة، وذلك في زمن اعتقال العقل والفكر، وابن هي السلطة التي يمكن أن تعتقل العقل، وتعتقل الأفكار ، وتعتقل الخيال، وتعتقل نور الله؟
    ولقد كان من حظ هذه الاحتفالية، أو من سوء حظها، أنها قد ظهرت إلى الوجود في زمن التعدد والاختلاف، أو في زمن اللااختلاف، وهو الصحيح بكل تأكيد، وظهرت في زمن تجريم فعل الاختلاف والحق في الاختلاف، وفي كلمة له في حق المخرج الاحتفالي عبد المجيد فنيش، بمناسبة تكريمه، يقول الاحتفالي في شهادته الصادقة بأن الاحتفاليين قد جاءوا هذا العالم في (زمن غير احتفالي وغير ودي وغير متسامح وغير ديمقراطي، زمن تغولت فيه سلطة وسلطان وسطوة واستبداد وهيمنة غول الإيديولوجيا على الثقافة وعلى عقول المثقفين والفنانين، وكان هذا في المغرب، وفي كل العالم العربي، ويومئذ كان الفرح ممنوعا، وكان الاحتفل مؤجلا، وكان الاختلاف غير مسموح به، وكان باب الاجتهاد الفكري غير متسامح معه، وكان التجريب حقلا ملغوما لا يدخله إلا الانتحاريون، وكان الإيمان بالهوية المغربية والعربية والعالم ثالثية رجعية وارتدادا إلى الخلف، وكان النبش في التراث تخلفا، وكان الخروج عن الصف (العسكري) انحرافا وتحريفا، وكان السؤال الفكري فضولا بلا معنى، وكانت الحرية مطلبا بورجوازيا، أو كانت عبثا وفوضى، وكان نقد الرموز الفكرية والسياسية السائدة وقاحة، وأن من يجرؤ على أن يسبح ضد التيار لا يمكن أن يكون إلا مثقفا ملعونا ومتخلفا ورجعيا).
    في هذا الزمن جاء الكاتب الاحتفالي، ليؤكد على حقيقة أساسية وجوهرية، وهي أن الكتابة حرية وتحرر، وأنها أحلام إنسانية جميلة في ليالي سوداء ومظلمة، وفعل هذه الكتابة، كما يؤكد على ذلك الاحتفالي دائما هي فعل يشبه القبض على الجمر، ومن يجرؤ على أن يقبض على الجمر الملتهب إلا من كانت لهم أرواح من نار ونور؟
Visited 19 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. عبد الكريم برشيد

كاتب مغربي