بانتظار الحلول الدبلوماسية.. المواجهة تتصاعد

بانتظار الحلول الدبلوماسية.. المواجهة تتصاعد

أحمد مطر

       تستمر المواجهة العسكرية بين حزب الله وقوات العدو الإسرائيلي على جانبي الحدود اللبنانية الجنوبية، مع خروقات متبادلة من الطرفين بالداخل اللبناني وفي عمق الاراضي الفلسطينية المحتلة، من دون تغيير بقواعد اللعبة المعتادة، منذ نشوب هذه المواجهة بعد عملية طوفان الأقصى، في حين تتسبب التهديدات المتبادلة ولاسيما منها الإسرائيلية لتنفيذ عملية عسكرية مفتوحة وواسعة النطاق ضد حزب الله، لتغيير الواقع الحالي في الجنوب بالقوة، بتزايد المخاوف ومشاعر القلق الشديد، من اندلاع حرب واسعة النطاق بين الطرفين، يدفع ثمنها اللبنانيون، الذين يعانون من سلسلة ازمات سياسية ومالية ومعيشية، ويرزحون تحت وطأة، انهيار مؤسسات الدولة ومصادرة قرارها ومقدراتها.
    مجمل التصريحات من قبل مسؤولي إسرائيل السياسيين والعسكريين ليس من باب التهويل، وهدفه ليس ردعياً بل هو مقدمة لعمل ستقدم عليه دولة الاحتلال.
    طلبت واشنطن مهلة تمتد لأسبوعين في حدها الأدنى ولا تتجاوز نهاية شهر تموز، في حدها الأقصى، بهدف التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى، وهو احتمال ضعيف حدوثه، على الرغم من الأجواء الإيجابية لجهة رد حماس، والحديث الآن عن أن الحرب بمعناها التصعيدي قد انتهت، وأن الاحتلال ذاهب إلى المرحلة الثالثة في حربه على قطاع غزة، لذلك يجب أيضاً أن يتم تخفيض التصعيد في جبهة الشمال إلى الحد الأدنى وإطلاق مبادرة دبلوماسية. 
    الحكومة اليمينية الصهيونية تقدر أن إمكانية التوصل إلى توافق عبر مبادرة دبلوماسية غير متوفرة، بسبب طلب حزب الله وإصراره على المقايضة في أي حديث يتعلق بالترتيبات الأمنية على حدود الطرفين، وإسرائيل غير مستعدة لذلك ولن تقبل به، لذلك فمن المرجح أن الدبلوماسية القسرية التي تمارسها إسرائيل الآن عبر التهديد غير كافية، والخيار هو الذهاب لضربة انتقامية محدودة بعدها يأتي الاتفاق المطلوب.
    ما زالت حكومة اليمين الصهيوني تعيش وهم ما قبل السابع من أكتوبر- تشرين الأول، وهي تظن أنها تتمتع بقوة الردع، لذلك فهي تنسى ما حدث وتمارس هواياتها القديمة الجديدة، أي التهديد والتدمير الفعلي.
    هناك مسألتان هامتان لدى طرفي المعادلة، أي الدولة الصهيونية وحزب الله، هما:
أولاً: حكومة اليمين الصهيوني ما زالت ترى في القوة المفرطة، وفي إظهار المزيد منها، يؤدي بالضرورة إلى فرض شروطها، وواضح أنها لم تأخذ دروس غزة بعين الاعتبار. الناطق باسم الجيش هاغاري يقول بعد المعركة في الشمال سنصل لاتفاق، إما مع الحكومة اللبنانية وإما مع حزب الله، أعتقد أن تقديرهم غير صحيح فالاتفاق هذه المرة سيكون مع كل المحور بما يشمل الشمال والجنوب إذا ما اندلعت نيران الشمال، والتي لن تنطفيء إلا بقرار المحور أيضاً.
ثانياً: لدى حزب الله تقديرات بأن الحكومة اليمينية لن تغامر بشن حرب في الشمال، خاصة مع ما حدث ويحدث في قطاع غزة حتى الآن، وما تعرض له الجيش من إنهاك، عدا عن أمور أمنية وعسكرية أخرى يحسب لها الطرف الصهيوني حساباً، ويستندان في ذلك أحياناً إلى المحللين العسكريين والسياسيين المتقاعدين الصهاينة، أو للتصريحات والتسريبات الأمريكية.
    هذا تقدير، إن وجد وكان صحيحاً، فهو سطحي ولا يحاكي في الحقيقة لا العقلية الصهيونية ولا القدرة التدميرية عبر سلاح الجو والصواريخ، والتي يستند لها الاحتلال، عدا عن نظرة التكبر والاستعلاء والحاجة إلى استعادة الردع في المنطقة ككل، وبالذات أمام الدول العربية المعتدلة، وفي سياق أن حكومة الاحتلال قادرة على فرض معادلات تُلجم المحور وعلى رأسه إيران، إضافة لعدم قراءة الموقف الأميركي قراءة صحيحة، وهو بمجمله يحاكي الهدف الصهيوني ويعمل على تحقيقه كما فعل في الخداع والتضليل وشراء الوقت.
    وفي التقديرات، فإن الهجوم على حزب الله ليس ببعيد، وكل المبادرات الدبلوماسية الأميركية كانت ولا تزال تهدف إلى منع التصعيد في جبهة الشمال بالتزامن مع التصعيد في الجنوب، بل المحافظة على تصعيد منخفض في الشمال حتى الانتهاء من جبهة الجنوب، وهذا ما نجحت أميركا في تحقيقه حتى الآن، بمعنى أنها نجحت في شراء الوقت الكافي الذي تحتاجه الحكومة الإسرائيلية، وسيثبت ذلك في الأسابيع القادمة. وكما نجحت أنجيلا ميركل ونيكولا ساركوزي في شراء الوقت لتحضير أوكرانيا للحرب لمواجهة روسيا بطلب أميركي، عبر اتفاق مينسك عام 2014، نجحت الحكومة الإسرائيلية وتحملت تسعة شهور من انتهاك حدودها وتفريغ مستوطني الخطوط الأولى من جبهة الشمال، وحافظت على تصعيد منخفض في الشمال لإتاحة الفرصة لها لتدمير قطاع غزة، وفي نفس الوقت نجح الأميركي في البقاء بعيداً عن التدخل المباشر بقوات على الأرض، والتي كان بالتأكيد سيفعلها لو كان التصعيد في الشمال كما في الجنوب.
    متطلبات الأمن الجديدة لإسرائيل لا تعني ردعاً ولا خفضاً للتصعيد ولا منعاً له، بل أكثر من ذلك بكثير هو اجتثاث أي تهديد على مستوطني إسرائيل، وفقاً لما حدث في السابع من أكتوبر-تشرين الأول، ويعني ذلك فرض المخطط الأمني في الجنوب اللبناني وفق رؤية أمنية صهيونية، وهذه ستكون البداية إذا ما استطاعت إسرائيل تحقيقها.
    ختاماً، انتهى عهد التسويات، وفقاً لما كان عليه الواقع الجيوسياسي قبل السابع من أكتوبر-تشرين الأول، ونحن الآن في خضم خلق وقائع جديدة سيحددها الميدان، وبالرغم من التوقعات التي تستبعد خيار قيام إسرائيل بالحرب ضد حزب الله ولبنان حاليا، إلا أنه يخشى أن تعرقل إسرائيل التوصل إلى أي صفقة لإنهاء حرب غزة، ويستمر رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو بالتهرب من الموافقة عليها، ويُبقي جبهة الجنوب اللبناني مفتوحة ويعمد إلى شن حرب ضد حزب الله، ويسعى من خلال ذلك، لاستدراج الإدارة الأميركية لدعمه في الوقت القصير الحرج، والفاصل عن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الاميركية.
Visited 45 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني