تحذير بوتين النووي.. مستعدون لاستخدام السلاح النووي واللعبة لن تجري وفقًا لقواعد الغرب

تحذير بوتين النووي.. مستعدون لاستخدام السلاح النووي واللعبة لن تجري وفقًا لقواعد الغرب

 د. زياد منصور

          انتشر خطاب بوتين في اجتماع مجلس الأمن القومي الروسي بسرعة وبشكل واسع في روسيا والعالم، حيث استعرض فيه مشروع التعديلات على العقيدة النووية الروسية. يمكن اعتبار هذا المشروع نهائيًا تقريبًا، إذ من المؤكد أن التعديلات ستُعتمد وتُنفذ بالشكل المناسب.

منذ عام 2020، تعد هذه هي المرة الثانية التي يتم فيها تعديل العقيدة النووية، وهذه المرة أيضًا تتجه نحو التشدد. حيث يتم توسيع نطاق الدول والمنظمات التي يشملها الردع النووي، وزيادة عدد الحالات التي تعتبر فيها روسيا أنه من الممكن استخدام الأسلحة النووية، كما تم تخفيض عتبة استخدام هذه الأسلحة. التعديلات الرئيسية تشمل: إمكانية الرد النووي على هجوم جوي-فضائي غير نووي واسع النطاق، إمكانية استخدام الأسلحة النووية في حالة تعرض روسيا لهجوم من دولة غير نووية مدعومة من دولة نووية، وإمكانية الرد النووي في حال تعرض بيلاروسيا لهجوم.

من السهل ملاحظة أن روسيا تحتفظ فعليًا بحق الرد النووي، سواء في حالة شن هجوم واسع النطاق على أهداف داخل أراضيها باستخدام صواريخ غربية بعيدة المدى غير نووية من أوكرانيا، أو في حالة تنفيذ الخطط التي يتم مناقشتها على نطاق واسع من قِبَل دول البلطيق وفنلندا لفرض حصار على كالينينغراد وإغلاق منافذ بحر البلطيق أمام أسطول البلطيق.

هذا لا يعني أن مثل هذه الإجراءات ستؤدي بالضرورة إلى رد نووي فوري. كما لا يعني أن الضربة النووية ستوجه فورًا إلى أراضي الولايات المتحدة. لكن لا يمكن استبعاد كلا الاحتمالين.

فالتعديلات في العقيدة النووية أجابت عن سؤال حول كيفية استعداد روسيا لمواجهة مشكلة الصراع مع الولايات المتحدة بعد هزيمة أوكرانيا، وما الذي تخطط السلطات الروسية لفعله للحد من احتمالية وقوع ضربات صاروخية واسعة النطاق على أراضي روسيا.

من الضروري هنا التأكيد على أنه لا يمكن استبعاد إمكانية تنفيذ ضربات على الأراضي الروسية حتى بعد التحذير الواضح من بوتين. ومع ذلك، لا تملك السلطات الروسية وسائل أكثر فعالية للتأثير على الغرب سوى التهديد المباشر والواضح بالرد النووي. لقد تدهورت منظومة العلاقات الدولية، التي كانت تعمل بصعوبة حتى وقت قريب، إلى درجة كبيرة، وليس في نية الغربيين التوقف عن لعبتهم المفضلة المتمثلة في رفع الرهانات. وبالتالي، لم يتبقَ لروسيا حجج أخرى سوى النووية.

الغرب الجماعي: الاتحاد الأوروبي + الولايات المتحدة، اليابان، أستراليا، كندا، جمهورية كوريا، نيوزيلندا + إسرائيل (مع تساؤلات حول تركيا التي قد تظل محايدة أو تدعم في اللحظة الحرجة حلفاءها في الناتو) – يمثل أكثر من مليار نسمة (ما يقارب عشرة أضعاف سكان روسيا)، وما لا يقل عن مليوني جندي في القوات المسلحة في وقت السلم، وأساطيل جوية وبحرية مشتركة تفوق من حيث العدد والإمكانيات القتالية جميع الأساطيل البحرية والجوية الأخرى في العالم مجتمعة. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع الغرب بقدرة صناعية هائلة، وعلى الرغم من أنها تتحول ببطء إلى الإنتاج العسكري، إلا أن هذا التحول لا ينبغي التقليل من شأنه. وإذا أكمل الغرب على الأقل ثلثي برامج توسيع قدرات مجمعه الصناعي العسكري، والمقررة للسنوات الثلاث المقبلة، فسيكون قادرًا، في حال نشوب حرب مع روسيا، على توفير ذخائر تقليدية بمستوى لا يقل عن مستوى القوات المسلحة الروسية.

في الوقت نفسه، وصلت روسيا إلى أقصى حدود إمكانياتها. بعد الزيادة الأخيرة، سيصل عدد جيشها إلى 1.5 مليون جندي (ما يقارب 2.5 مليون مع العاملين المدنيين). الاتحاد السوفيتي انهار عندما كان جيشه يبلغ 2.5 مليون شخص، ولكن كان عدد سكان الاتحاد السوفيتي ضعف عدد سكان روسيا الحديثة تقريبًا.

المسألة ليست فقط في زيادة عدد الجيش، بل يجب تزويده بالضروري (بشريًّا وماديًّا وتسليحًا) وبشكل دائم، بما في ذلك رفده بالضباط والمتخصصين والمهنيين. الجيش يحتاج إلى التغذية، الشراب، الملبس، التسليح. ومع ذلك، فإن كل 2 مليون و390 ألف فرد، الذين سيشكلون الحجم الكامل للقوات المسلحة الروسية، لن ينتجوا شيئًا، والمعدات العسكرية لن تساهم في رفع مستوى الرفاهية العامة، بل ستبقى في المخازن حتى يُحتاج إليها لصد العدو. بمعنى أن الأيدي العاملة في الاقتصاد ستقل، في حين سيزداد عدد المستهلكين الذين لا ينتجون شيئًا.

لهذا السبب لا تستطيع روسيا تحمل الدخول في لعبة “الردود المماثلة” مع الغرب (أنتم ضاعفتم جيوشكم، ونحن فعلنا الشيء نفسه). في هذه اللعبة، مهما كانت الجهود الروسية فعالة، ستستهلك الموارد، وخاصة الديموغرافية، قبل أن تنتهي موارد الغرب. لهذا السبب، منذ عام 2020، ومع تشديد العقيدة النووية واللغة المستخدمة في هذا السياق، تسعى القيادة الروسية إلى توضيح أن اللعبة لن تجري وفقًا لقواعد الغرب، وأن الخوف من تدمير الحضارة أو إرجاع البشرية إلى العصور الحجرية لن يوقف روسيا. نحن ندرك أن الغرب يملك الإمكانية التقنية لوضعنا أمام خيار الهزيمة أو استخدام الأسلحة النووية، ونحن مستعدون لاستخدامها، بما في ذلك ردًا على عدوان غير نووي.

ولعل هذا هو النهج الصحيح والوحيد الممكن لمنع المزيد من تدهور العلاقات الدولية إلى درجة تصبح فيها الكارثة النووية حتمية. ولكن هناك نقطة مهمة أو عقبة خفية.

المسألة تكمن في أن مفهوم الردع النووي يفترض أن ما يجب أن يوقف العدو ليس استخدام الأسلحة النووية بالفعل، بل التهديد باستخدامها ردًا على أفعال معينة. في القرن العشرين، حددت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي تجريبيًا الحد الذي تصبح بعده الحرب النووية حتمية، وحاولا ليس فقط عدم تجاوزه، بل حتى عدم الاقتراب منه.

ومع ذلك، وبالرغم من حذر السلطات السوفيتية والأمريكية بعد أزمة الصواريخ الكوبية، كانت الأطراف على حافة الصراع النووي بحلول أوائل الثمانينيات. اعتبر الأمريكيون نشر منظومات الصواريخ السوفيتية “RSD-10 Pioneer” تهديدًا لقدرتهم على الحفاظ على الجسر الأوروبي، واعتبر الاتحاد السوفيتي، بشكل مبرر، أن الرد الأمريكي عبر نشر صواريخ “Pershing-2” وصواريخ “Tomahawk” النووية في أوروبا محاولة من واشنطن لخرق توازن القوى والحصول على مزايا أحادية. كلا الجانبين كان يخشى من محاولة العدو توجيه ضربة مدمرة لمواقع الصواريخ، وكانا ينظران إلى الهجوم النووي الوقائي كوسيلة فعالة لتحييد التهديد الذي يواجه قواتهما النووية.

الآن الوضع أسوأ بكثير. روسيا والولايات المتحدة اعترفتا أنهما عمليًا في حالة حرب، رغم أن جيوشهما لا تتواجهان مباشرة في ساحة المعركة (حتى الآن لا تتواجهان). لذلك، أي تصرفات قادرة على تغيير توازن القوى تُعتبر ليست تهديدًا محتملًا، بل عدوانًا حقيقيًا.

في سعيها لعدم السماح للموقف بالتحول إلى مواجهة عسكرية مباشرة، دعت روسيا الولايات المتحدة مرارًا إلى ضبط النفس، وأظهرت هي نفسها مثل هذه الضبط، لكن لم يتم سماعها أو فهمها.

لقد توقف مفهوم الردع النووي عن العمل، لأن الجيل الجديد من السياسيين الأمريكيين يعتبر أنه من الممكن والضروري عمليًا معرفة أين يمر ذلك الحد الذي، إذا تم تجاوزه، سيؤدي إلى إطلاق الصواريخ الروسية العابرة للقارات. يعتقد الأمريكيون أنه إذا تبين أن روسيا مستعدة للضرب، فسيمكنهم التوقف في اللحظة الأخيرة. ولكن كيف يمكن فهم ما هو بعد الخطوة التالية، بل حتى مجرد حركة غير مريحة، والتي ستؤدي إلى رد نووي؟ كيف يمكن تحديد أنه يجب التوقف عن اللعب بالنار؟ كيف نفهم أن الإطلاق سيحدث تحت ظروف معينة قبل أن تحدث هذه الظروف؟

لا يمكن لأي جهاز استخباراتي أن يساعد في ذلك. فالولايات المتحدة لا يمكنها معرفة ماذا يدور في رأس بوتين ومعرفة أفكاره. فالرئيس الروسي هو من سيتخذ قرار الضربة النووية ردًا على بعض الأفعال العدائية من الولايات المتحدة وحلفائها. حتى إذا أبلغنا الولايات المتحدة بأن هناك حالات ستصبح فيها الردود النووية حتمية، فإنهم سيظلون يشكون في كوننا نمارس البلطجة.

ما هي البلطجة وما ليس ببلطجة سيحددونه بأنفسهم. وليس لديهم وسيلة أخرى سوى جمع وتحليل المعلومات. المصادر المتاحة لهم نوعين: مصادر مفتوحة (التحليلات العامة المنشورة في وسائل الإعلام) ومصادر ذاتية (آراء شخصية للدبلوماسيين والسياسيين الروس، وخبراء يتعاملون مع الحكومة). ستعتبر المصادر الذاتية أكثر موثوقية، حيث إن الأمريكيين قد أبدعوا في نشر المعلومات المضللة من خلال “مقالات مستقلة” في وسائل الإعلام، ويشكون باستمرار في أن الآخرين يفعلون الشيء نفسه. علاوة على ذلك، فإنهم أقنعوا أنفسهم بأن السلطات الروسية تسيطر بشكل كامل على وسائل الإعلام، وأن أي منشور لا يُنشر دون موافقة الكرملين.

سيقول معظم المغتربين والعملاء الأجانب الذين يعملون لصالح الولايات المتحدة بصدق (لأنهم يؤمنون بذلك) إن جميع تهديدات السلطات الروسية هي مجرد بلطجة وكلام فارغ، وأنهم سيخافون من العواقب. على مدار السنوات الأخيرة، كان ينبغي على واشنطن أن تدرك أنهم قد أساؤوا تقدير موثوقية المتعاونين الروس كمصدر للمعلومات، لذا فإن العامل الرئيسي بالنسبة لهم سيكون مدى توافق أو عدم توافق تقييماتهم مع التقييمات الواردة من السياسيين والدبلوماسيين الروس الفاعلين خلال الاتصالات غير الرسمية.

يتواصل الدبلوماسيون في البلد المضيف ليس فقط مع زملائهم، بل مع مجموعة واسعة من البيروقراطيين رفيعي المستوى. غالبًا ما تتشكل روابط غير رسمية بين الأشخاص الذين لديهم اهتمامات مهنية مشتركة، ويمكن اعتبار هذه الروابط شبه صداقة.

تتمثل خصوصية الطابع الروسي في التقدير المبالغ فيه لمثل هذه الروابط، فضلاً عن الرغبة في الحفاظ على علاقات جيدة بغض النظر عن كيفية تطور العلاقات بين الدول في تلك اللحظة. علاوة على ذلك، لا يحب البعض الاعتراف بأنهم غير مطلعين على خطط القيادة. خاصةً إذا كان الشركاء يعتقدون أنه يجب أن يكون أحدهم على دراية بها.

قد تؤدي الرغبة في إظهار المعرفة، وفي الوقت نفسه، تهدئة الأصدقاء (حيث يتمكن الأنغلو سكسون من إظهار “قلقهم الصادق” بشكل مقنع من إمكانية أن تعم الصداقة وتسود، بين جانبي الجبهات بسبب “هذه السياسة اللعينة”) إلى أن يسمع الأمريكيون، الذين يجمعون معلومات حول الخطط النووية الروسية، في كثير من الحالات، من “أصدقائهم” عبارات مهدئة مثل “نحن لسنا مجانين لنبدأ حربًا نووية” و”لن نضرب أولًا”.

هذه الأسس الخاصة بالعقيدة النووية السوفيتية ما زالت راسخة في ذهن العديد من الساسة والديبلوماسيين الروس، الذين يفضلون إخفاء رؤوسهم في الرمال و”عدم ملاحظة” أن الحرب النووية أصبحت منذ زمن طويل على الأبواب، وهي على وشك تجاوزها. حتى الآن، كانت تتوقف عند عتبتها فقط بسبب ضبط النفس الروسي، لكن هذا الضبط ليس بلا حدود.

تكمن الخطورة في أن هناك العديد من هذه الردود المهدئة، وقد تتوافق مع التقييم الذي ستحصل عليه الولايات المتحدة من أشخاص يعتبرون خبراء في روسيا في الغرب، لكنهم في الحقيقة يحاولون تخمين رغبات صاحب العمل وتأكيد افتراضاته. علاوة على ذلك، ستتوافق هذه الردود مع الآمال الخفية للنخبة الغربية. وعندها قد تقرر الولايات المتحدة أن تخاطر، وهم بالفعل يرغبون في المخاطرة ورؤية كيفية رد روسيا.

المشكلة هي أنه في مثل هذه الحالات، يفقد السياسيون السيطرة على الأحداث سريعًا، رغم اعتقادهم أنهم يستطيعون بسهولة الاحتفاظ بها، وبعد ذلك يصبح من المستحيل وقف تحول الأزمة إلى حرب.

لا شك في أنه لا يمكن إيقاف الولايات المتحدة في سعيها للفوز بأي ثمن، حتى لو حصلوا على معلومات مؤكدة بنسبة 100% تفيد بأنهم في الجولة التالية من تصعيد المخاطر سيواجهون ردًا نوويًا. ولكن إذا استطاع الروس إقناع الأمريكيين بجدية النوايا الروسية، وهي جدية دون أدنى شك، فسيكون لدى روسيا على الأقل فرصة صغيرة لتجنب هذه الخطوة القصوى.

فقط الاستعداد الواضح من جميع أفراد المجتمع الروسي لاحتمال زيادة المخاطر إلى أقصى حد ونقل الصراع مع الولايات المتحدة إلى شكل من أشكال المواجهة العسكرية المباشرة معهم، يمكن أن يساعد في تجنب الأسوأ. لن تقنع روسيا أحدًا بمدى جهوزيتها للأزمة النووية إذا لم تكن مستعدة لذلك بالفعل. فقط الحرب التي تتجاوز العتبة هي ما يمكن أن يجبر الولايات المتحدة على التراجع وإيقاف الحرب.

لكن هذا ليس مؤكدًا. فسياسات واشنطن متفائلة للغاية. وتراهم  يتصرفون في العالم الحقيقي كما لو كانوا في واقع افتراضي، وكأن لديهم 10 حيوات احتياطية، ويمكنهم في أي لحظة استئناف اللعبة المحفوظة، وهنا مكن الخطر الحقيقي، والذي ينبغي من دراسة واقعية وممنهجة للذهنية الروسية التي تقاتل ولا تعشق المساومات والألاعيب الطويلة المليئة بالخبث السياسي..

أبرز ردود الفعل

    دون شك فقد شكلت تصريحات فلاديمير بوتين عن تحديث شروط استخدام الأسلحة النووية، بمعنى آخر إجراء تعديل في العقيدة النووية، في اجتماع لمجلس الأمن القومي الروسي حول الردع النووي ردود فعل بالغة الخطورة وغير متفائلة، خصوصًا بعد ان قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تقديم عدد من التوضيحات بشأن استخدام الأسلحة النووية.

لقد شدد بوتين على أن الاتحاد الروسي اتبع دائمًا نهجًا مسؤولًا للغاية في استخدام القوات النووية، وهذا إجراء لا تفضله روسية ولا ترغب باللجوء إليه، ولكنه ضروري لحماية سيادة البلاد، وهذه أخطر المواقف.

قال بوتين: “في النسخة المحدثة من الوثيقة الجديدة: نحن نقترح اعتبار العدوان على روسيا هو ذلك العدوان من قبل أي دولة غير نووية، ولكن أيضًا بمشاركة أو دعم دولة نووية، وهذا سيكون بمثابة هجوم مشترك على الاتحاد الروسي” بمعنى أن الشريك النووي والتقليدي سيدفع ثمن انتهاكه للسيادة الروسية.

وأشار أيضًا إلى أن روسيا تحتفظ بالحق في استخدام الأسلحة النووية في حال الاعتداء على روسيا وبيلاروسيا، بما في ذلك عندما يستخدم العدو الأسلحة التقليدية، الأمر الذي من شأنه أن يخلق تهديدًا خطيرًا (وهذا ردع قوي لبولونيا والرؤوس الحامية في دول حلف وارسو السابق، الذين يعتقدون أن روسيا ضعيفة، وليس باستطاعتها حماية حلفائها. وقد حدد هذا السلاح المعتدي بالطائرات الاستراتيجية أو التكتيكية، الصواريخ المجنحة (الفرط صوتية)، الطائرات بدون طيار، وغيرها من الطائرات”.

كما أوضح أن مشروع المبادئ الأساسية للسياسة الروسية في مجال الردع النووي قد تم توسيعه ليشمل فئات جديدة من الدول والتحالفات العسكرية، وأضيفت قائمة بالتهديدات العسكرية.. بمعنى أن هذا هو تحذير للدول التي كانت أعلنت حيادها بنتيجة الحرب العالمية الثانية، وعادت لتتنصل من هذا الدور الحيادي، بل أنها تمارس الاستفزازات بحق روسيا، محاولة إعادة المطالبة بأراض كانت تعتقد أنها تعود لها تاريخيا (كلينينغراد مثلا).

  وأكد بوتين أن التعديلات على المبادئ الأساسية للسياسة في مجال الردع النووي تمت بدقة وبما يتناسب مع التهديدات والمخاطر العسكرية التي تواجه روسيا.، بما فيها تلك من دول البلطيق الثلاث التي باتت تحتضن قواعد عسكرية ألمانية وغربية.

عمليًّا، فلقد أثارت هذه التصريحات ردود فعل من داخل روسيا وخارجها.

في هذا السياق أشار نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف، إلى أن تصريحات الرئيس بوتين، هي “حدث طال انتظاره. لقد حدد الرئيس الروسي النهج الخاص بالنسخة الجديدة من المبادئ الأساسية للسياسة الوطنية في مجال الردع النووي. وجاءت التغييرات الرئيسية كالتالي:

1- سيتم اعتبار العدوان على روسيا من قبل دولة لا تمتلك أسلحة نووية، لكن بدعم أو بمشاركة دولة نووية، كأنه هجوم مشترك. والجميع يدركون أي الدول يُقصد هنا. 

2- سيتم توفير حماية نووية مكافئة لبيلاروسيا باعتبارها أقرب حليف لنا، وذلك بغية إدخال عنصر الفرح والسعادة لبولندا و”العديد من قليلي الحيلة ” في حلف الناتو. 

3- الانطلاق الهجومي الواسع واختراق حدودنا من قبل وسائل الهجوم الجوي-الفضائي للعدو، بما في ذلك الطائرات والصواريخ والطائرات بدون طيار، قد يشكل في ظل ظروف معينة أساساً لاستخدام الأسلحة النووية. وهو أمر يدعو للتفكير ليس فقط بالنسبة للنظام في كييف، بل لجميع أعداء روسيا الذين يدفعون العالم نحو كارثة نووية”.

وأشار إلى أن قرار استخدام الأسلحة النووية سيتخذه الرئيس بوتين. وأضاف: “من الواضح أن كل حالة تستدعي اللجوء إلى الحماية النووية يجب أن تُقيَّم ضمن مجموعة من العوامل، وسيتم اتخاذ القرار بشأن استخدام الأسلحة النووية من قبل القائد الأعلى للقوات المسلحة. لكن تغيير الشروط القانونية لاستخدام المكونات النووية من قبل بلادنا قد يهدئ من حماس بعض الأعداء الذين لم يفقدوا بعد إحساسهم بالحفاظ على الذات. أما بالنسبة للحمقى، فستبقى لهم الحكمة الرومانية: *caelo tonantem credidimus Jovem Regnare* الرعد من السماء يقنعنا بقوة عهد المشتري – لاتينية”.

وأشار رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الدوما، ليونيد سلوتسكي، في هذا السياق إلى خطاب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في الجمعية العامة للأمم المتحدة:””منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت لتخجل من أكاذيب زيلينسكي. بدأ الإرهابي النووي الأول خطابه بروح دعاية غوبلز باتهام روسيا بتهديد الأمن النووي. فقد تدفقت الأكاذيب في القاعة عن أن الدبابات الروسية (!) تقصف محطة زابوروجيا النووية، وأن موسكو تخطط لتفجير ثلاث محطات نووية أخرى في أوكرانيا. ومع ذلك، لم يقل شيئًا عن أن محطة زابوروجيا تتعرض يوميًا لهجمات من القوات المسلحة الأوكرانية، وحتى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أشارت إلى مستوى الخطر الكبير في المحطة النووية بسبب الطائرات بدون طيار، لكنها، وفقًا للتقاليد الغربية، نسيت الإشارة إلى أن هذه الطائرات أوكرانية. كذلك، لم يتطرق إلى فشل خطط نظام كييف للسيطرة على محطة كورسك النووية، حيث خطط البنديريون لتنظيم حادثة “تشيرنوبيل 2″،” أشار سلوتسكي.

ولفت إلى أن التهاون مع زيلينسكي قد يؤدي إلى اندلاع الحرب العالمية الثالثة، ودعا إلى أخذ تصريحات بوتين بجدية. وقال: “زيلينسكي حاول إقناع الأمم المتحدة، التي اتهمها بالعجز، بأن خطته للنصر ليس لها بديل. إنها محاولة بائسة للابتزاز مبنية على الأكاذيب والخداع. إذا قرر أي شخص بجدية اعتماد خطة زعيم النظام الأوكراني كأساس، فإن الصراع لديه كل الفرص للتطور إلى حرب عالمية ثالثة. أنصح بالتعامل بجدية مع تصريحات فلاديمير بوتين بشأن التعديلات في العقيدة النووية الروسية. فالهجوم من دولة غير نووية بمشاركة أو دعم من دولة نووية سيتم اعتباره هجومًا مشتركًا على روسيا”، اختتم سلوتسكي.

      أشار المراسل الحربي، وهو مؤسس قناة “أكبر من إيدا” الشهيرة على تلغرام، إلى أن كلمات بوتين في اجتماع مجلس الأمن هي “تثبيت رسمي لما قاله سابقًا بشأن التحذير من ‘السماح باستخدام الأسلحة الغربية’.” وقال: “الهجوم على روسيا من دولة غير نووية بدعم من دولة نووية، بما في ذلك احتمال الاستخدام الواسع للطائرات بدون طيار، أو الضربات بالصواريخ المجنحة، وغيرها، قد يكون سببًا كافيًا للرد النووي. وهذا يغير بشكل كبير جاذبية مفهوم ‘الحرب بالوكالة’ الذي يتضمن شن هجمات غير معاقب عليها على الأراضي الروسية من قِبل القوات الأوكرانية. غدًا سيتدافعون لمعرفة عبر القنوات المغلقة، ما الذي كنتم تقصدونه؟ حسنًا، دعهم يحاولون الاستفهام، وربما يفكرون بالأمر جيدًا.”

ردود الفعل في أوكرانيا:

     في أوكرانيا، تم التعامل رسميًا مع تصريح الرئيس الروسي على أنه مجرد تهديد. إذ قال رئيس مكتب الرئيس الأوكراني، أندريه يرماك: “ليس لدى روسيا أي شيء آخر سوى الابتزاز النووي، ولا توجد أدوات أخرى لتخويف العالم. وهذه الأدوات لن تنجح.”

أما الإعلام الأوكراني فقد تعامل مع تصريح بوتين بجدية بالغة وبتحليلات حول التوقيت والأبعاد. وأشارت قناة تلغرام الأوكرانية الشهيرة “زيرادا”: “بوتين يزيد من حدة التوتر قبل المرحلة النهائية لاتخاذ القرارات بشأن تطور الصراع. لا نعني هنا اجتماع زيلينسكي وبايدن (الذي أصبح واضحًا)، بل اجتماع بايدن في ألمانيا مع شولتز، وماكرون، وستورمر “.

أشارت قناة “ريزيدنت” الشهيرة في البلاد إلى أن تصريح الرئيس الروسي بوتين جاء في لحظة يحاول فيها زيلينسكي الحصول على إذن من الولايات المتحدة لشن ضربات داخل روسيا باستخدام الأسلحة الغربية.

وقال محللون في القناة: “بوتين يرفع الرهانات مرة أخرى، ويفعل ذلك في الوقت الذي يحاول فيه زيلينسكي الحصول على إذن من الولايات المتحدة لتنفيذ ضربات بصواريخ غربية في عمق روسيا. بالطبع، سيقول المتشددون إنها مجرد تهديدات، وأننا تجاوزنا الخطوط الحمراء عدة مرات من قبل، ولكن هذا جزء من عملية المساومة التي قد تتطلب ضربة تحذيرية، والسؤال هو أين ولمن ستكون الضربة…” فيما أشاروا إلى أن الاستراتيجية النووية الجديدة لروسيا ستتضمن إمكانية استخدام الأسلحة النووية في حال تعرض روسيا لعدوان من دولة غير نووية، ولكن بمشاركة أو دعم من دولة نووية، وهذا سيتم اعتباره هجومًا مشتركًا على الاتحاد الروسي.

وأضاف هؤلاء المحللين: “نلاحظ أن هذا التعريف قد يشمل الحرب في أوكرانيا. بوتين كان قد صرّح سابقًا بأن السماح بضربات صواريخ غربية طويلة المدى ضد روسيا سيعتبر مشاركة من دول الناتو في الحرب ضد روسيا.”كما لفت الكُتّاب الانتباه إلى التحذير بشأن تزويد أوكرانيا بالأسلحة.

Visited 73 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. زياد منصور

أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الروسي