في خضم حرب الصور بين إسرائيل وحماس

في خضم حرب الصور بين إسرائيل وحماس

تولوز- المعطي قبال

         في زمن الصورة، لا زالت وستبقى الحرب حرب صور. كما ستبقى في حالة غزة حرب حضارة تستجمعها مجموعة صور ناطقة بالخراب التكنولوجي المستدام. بدت غزة تحت عدستها مختبرا لهذه التكنولوجية المبيدة، إذ يبقى سعي إسرائيل في الأخير هو إبادة البشر والبيئة. والصور التي التقطت بواسطة سلاح المسيرات ستودع في أرشيف سري لن يتصفحه سوى الأخصائيون في الإدارة العسكرية أو المحللون العسكريون.

 لذا فإن ما يسرب من هذه الصور يكاد يقارب الصفر. وتبقى وكالات الأنباء المتواجدة في عين المكان من قبيل أ-ف-ب، رويترز وغيرها من الوكالات النافذة، المعين الذي يزود العالم بالصورة، بالصوت وبالخبر المكتوب.

 تسعى إسرائيل إلى فصم الحبل بين المصورين وبين الجمهور وشبكات التواصل الاجتماعي، الشيء الذي يفسر قنص إسرائيل للمصورين حيث لقي 108 منهم حتفهم، بغض النظر عن جنسيتهم وانتمائهم الإعلامي. وفي تحقيق أجرته منصة «فوربيدن ستوري» بمعية 12 صحيفة، تبين أن إسرائيل تعمدت تصفية المصورين في خطوة منها لوضع حد لمعاينة التحقيق ونقله إلى العالم.

يذكر أن بعض الوكالات توجه الصور بما يخدم قناعتها الفكرية، خطها التحريري والأيديولوجي. وغالبا ما يتم التشديد على الفلسطيني الذي يقدم ويعرف على أنه «العربي الإرهابي». بحيث أن كل الفلسطينيين ينعتون بـ «الإرهابيين». خلال عملية تبادل الأسرى ثمة دروس يمكن استقراؤها من خلال توصيف وتقديم الطرفين: من الجانب الإسرائيلي، وبالأخص في قلب «ساحة الأسرى»، ركزت هيئات التحرير على صور الفرحة والغبطة التي اعترت الحضور حيث العناق الحار والضحك الدامع بين الأسيرات وعائلتهم ومعارفهم. وكانت الصورة للمصور ميناحيم كاهانا، موقعة لصالح وكالة أ- ف-ب-. تقدم كل الصور التي تتعلق بالإسرائليين  تصورا إيجابيا ينضح بالحياة، الأمل، البهجة.

ثمة رغبة لتقديم الاسرائليين على أنهم أناس يحبون الحياة ويحتفون بها. على النقيض من ذلك تعرض صور الفلسطينيين مشاهد الخراب وتوحي بأننا في خضم يوم القيامة: بنايات وعمارات مفحمة، أزقة تناثرت في أرجائها سيارات مهشمة الخ…

تذكرنا هذه المشاهد بخراب فيلم «جيش الموتى» الذي انعدمت فيه الحياة إلا من بضعة أشخاص قرروا مقاومة جيش «الزومبي». سواء في السلم أو الحرب، تمرر إسرائيل عن الفلسطينيين صورة «منحطة»، «وحشية».

لكن حماس خلال تبادل الأسيرات ادركت مغزى الصورة واستراتيجيتها الإعلامية ضمن الحرب الدائرة في السر والعلن. ولتبيان أن الحركة لم تمت، تقدمت أمام الملأ مدججة بالسلاح وبالرموز الناطقة. كناية على أن المقاومة لا تزال واقفة على ساقين وأن حرب غزة لا زالت مرشحة بأن تعرف «موسمها الثاني»!

Visited 11 times, 11 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".