انعكاس الحرب الإسرائيلية الإيرانية على لبنان

أحمد مطر
بكثير من القلق يراقب لبنان الرسمي والشعبي تطورات الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وما يمكن أن تسفر عنه من تداعيات مختلفة على المنطقة، خاصة في حال تصعيد غير مسبوق، بتدخل الولايات المتحدة الأميركية ودول من حلف الناتو غمار هذه المواجهة الأعنف في المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية.
استمرار هذه الحرب بهذا المستوى من العنف المدمر، سيزيد الأمور تعقيداً، ويضاعف من الصعوبات التي تعترض مساعي التهدئة، وإعادة الجانبين الأميركي والإيراني إلى طاولة المفاوضات، ويحاصر محاولات إخماد نيران الحرب في أقرب فرصة ممكنة.
مرد مخاوف اللبنانيين من توسع الحرب الدائرة الآن بين إسرائيل وإيران، وجود لبنان على تماس مع الدولتين معاً، الأولى على تماس حدودي مباشر معها، والثانية بعلاقات حزب الله المباشرة مع الثانية، ما يجعل إمكانية استغلال هذا الواقع، إما لاستعمال لبنان منصّة أو منطلقا من الحزب أو بعض أدواته، لاستهداف الدولة العبرية، تضامنا مع إيران، الأمر الذي قد ينعكس ضرراً ودمارا كبيرا على لبنان واللبنانيين، كما حدث في حرب الإسناد التدميرية.
مؤشرات مقلقة تواكب الحرب الإسرائيلية على إيران، بدعم كامل من الولايات المتحدة الاميركية والدول الغربية، تجعل من الدولة العبرية القوة الوحيدة المسيطرة على المنطقة، بغياب أي دولة كابحة لهذا الدور أو بإمكانها تحقيق الحد الأدنى من توازن القوى الإقليمية، وتزيد من مخاوف توسع الاعتداءات، والأطماع الإسرائيلية في المنطقة العربية عموما، وإضعاف كل محاولات إحياء مشروع إقامة الدولة الفلسطينية، وإبقاء لبنان أسير الاحتلال الإسرائيلي للمواقع الاستراتيجية جنوبا، واستمرار الاعتداءات على أراضيه.
مبعث هذه المخاوف، والخشية على لبنان، من استمرار تغاضي الولايات المتحدة الأميركية، مسايرة أو مكافأة إسرائيل على الحرب التي تشّنها على إيران، وعن تفلتها من التزاماتها باتفاق وقف الأعمال العدائية، والانسحاب من الأراضي التي تحتلها في الجنوب وتنفيذ القرار 1701، بالرغم من مرور ما يقارب الستة أشهر على توقيع هذا الاتفاق، بحجة عدم اكتمال عملية نزع سلاح حزب الله بالكامل من قبل الدولة اللبنانية، ما يُبقي الأوضاع برمتها في لبنان هشّة ورهينة لبقاء لهذه الهيمنة الإسرائيلية وتداعياتها السلبية على كل صعيد.
يعوِّل لبنان على الدور الأميركي وتدخل واشنطن للضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي اللبنانية، والالتزام بتنفيذ القرار 1701، كونها الدولة الوحيدة بالعالم، التي تستطيع ممارسة هذا الدور، نظرا لعلاقتها المميزة معها، من خلال استمرارها بتقديم كل أنواع الدعم السياسي والمادي والعسكري في كل حروبها العدوانية ضد الدول العربية وغيرها بالمنطقة، في حين يصعب على أي دولة أخرى القيام بمثل هذا الدور لمساعدة لبنان لإنهاء هذه المشكلة.
سبق الحرب الإسرائيلية على إيران، برودة أميركية ملحوظة في منع إسرائيل من تنفيذ سلسلة غارات جوية ضد مراكز ومواقع لحزب الله عشية عيد الأضحى، كما تدعي، في حين كانت تتدخل في السابق وتمنع أو تبقي مثل هذه الغارات محدودة.
أول تداعيات الحرب الإسرائيلية الملحوظة على إيران، انشغال واشنطن بمفاعيل هذه الحرب، وتباطؤ مكشوف في وتيرة تحركات الإدارة الأميركية تجاه لبنان، لإعطاء دفع لتنفيذ القرار 1701 وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب، وفك هيمنة إسرائيل واعتداءاتها المتواصلة على الداخل اللبناني، والخوف من أن يطول الانشغال الأميريكي بهذه الحرب أكثر مما هو متوقع، وتستغله إسرائيل للتمادي والاندفاع أكثر في إبقاء هيمنتها على لبنان، ومنعها لكل محاولات إزالة تداعيات الاعتداءات الإسرائيلية ببسط سلطة الدولة وإعادة الإعمار والنهوض بلبنان.
ختامًا يبقى رهان اللبنانيين الأول والأخير هو البقاء بعيداً عن نيران الحرب، والحفاظ على سياسة النأي بالنفس الذي تتمسك به الحكومة السلامية، تجنباً للانزلاق في مهاوي لا قدرة للبنان على الصمود أمام أهوالها المدمرة للبشر والحجر.