الأدب والثورة

الأدب والثورة

عبد القادر عاكوب

الأدب في أبسط تعاريفه هو تكثيف أحداث الواقع انتقائيا بلغة وبأسلوب فني رفيع، وعندما تتكثف أحداث الواقع، نتيجة عوامل طبيعية أو اجتماعية، كالكوارث أو الثورات، يصبح الأدب في أزمة ناتجة عن صعوبة تتبع الأحداث وإدراك علاقاتها المنطقية والسببية، فليس في الأدب أعراف تسمح بتكثيف التكثيف، وفي المقابل يصبح من العبث نقل الواقع المرئي كمن ينقل مباراة كرة قدم لمن يشاهدوها.  

هكذا هي الثورة السورية، فبالرغم من مرور أكثر من عقد على قيامها لازالت أحداثها تتوالد على الصعيد الجمعي والفردي.  

هناك العديد من أشكال المعاناة للأدب في الثورة السورية، بحيث تنتفي إمكانية وضع عنوان (الأدب في الثورة السورية)، فالسوريين كشيوخهم، حين يسمع من أحدهم  قصة شفوية ويكون الرد بكثير من التأفف “اني صاير/ة قصة”. وهو قول ينطبق على كل سوري، فأي منهم يكفي أن يكتب مذكراته أو يومياته، لتصبح قصة قد يعوزها فقط مراعاة أساليب السرد والاعراف الأدبية.

  لايمكن ابتداءاً إنكار وجود أدباء سوريين، يؤكد ذلك أن هناك أشكال من التأليف الأدبي نمت كظاهرة فريدة مستفيدة من بحبوحة الحرية النسبية، فنذكر على سبيل المثال “أدب السجون” الذي راج بشكل ملفت – خارج سوريا غالباً – بعد الثورة. كذلك هناك شكل من أشكال التأليف الأدبي ربما لايمكن تسميته بـ”أدب المهجر”، كون هناك أدب بهذا الاسم شاع ونضج في الأمريكتين نهاية التاسع الثامن عشر، وشاع حتى مابعد منتصف القرن العشرين، له أعرافه بحيث لاتنطبق على أدب الثورة السورية، فهو لا يصف حالة مستقرة، بل يصف حالة من عدم الاستقرار والجسدي والعاطفي في بيئات غير متصالحه، في حالة تشبه طارق بن زياد وجيشه حين أحرق سفن العودة.

نستطيع بهذا المجال تأويل عنوان رواية شاب سوري “من بابل إلى الرايخ” حيث التناقض بين الحضارة الموغلة في القدم، الطاردة لأبنائها، وبلاد الحروب والعسكرة التي وفرت الأمن والاستقرار. 

هناك الكثير من العوائق أمام نمو أدب ثوري في سوريا، يمكن أن نذكر منها التوتر الحاد والمتطرف بين المجموعات والأفراد، بحيث ينتفي قبول الكتابة المعتدلة حتى في الأدب. وكما أن رأس المال يبتعد عن التوتر كذلك الأدب، لا يوجد بيئته المناسبة في التطرف العاطفي والانفعالي، حيث المشتركات في الأخلاق والتوجهات العامة هي ما تشكل البنية التحتية – أن صح القول – للأدب.  

وأخيراً، ربما لايمكن وصف حالة ما من داخلها (الزماني اوالمكاني) وسننتظر مرحلة استقرار ما لنضوج أدب ثوري سوري، حيث حتى النخب والأدباء السوريين لازالوا في مرحلة تلقي الفعل، ونحن بانتظار رد الفعل والإنتاج.

Visited 35 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة