وقفة في مرفأ نزار قباني.. رحلة مليئة بالربيع…

وقفة في مرفأ نزار قباني.. رحلة مليئة بالربيع…

عبد العلي جدوبي

أربعة وعشرون سنة مرت على رحيل الشاعر نزار قباني، هذا الشاعر الذي استطاع أن يملأ الدنيا، ويشغل الناس بأشعاره على امتداد ما يزيد على نصف قرن، كان خلالها أحد أكثر الشعراء إثارة للجدل..

 خمسة سبعون عاما هي مجمل رحلته المليئة بالأحداث المفتوحة على المغامرة، رحلة استهلها بالربيع، وختمها في الربيع (مارس 1923 – مارس 1998).

 أسهم نزار قباني برأي العديد من النقاد في تغيير العديد من المفاهيم البالية، ورفع منسوب الأنوثة والجمال إلى حدودها القصوى، وأسهم بالقدر نفسه في تخليص اللغة الشعرية العربية من القواعد الجامدة، وباتت القصيدة تتسع لألفاظ ومفردات كانت تعتبر حتى وقت قريب لدى البعض سوقية ومبتذلة.

هذه الثورة اللغوية التي قادها نزار قباني هي التي مكنته من احتلال موقعه المتميز في حركة الشعر الحديث، واحتفظ لنفسه بمسافة بعيدة عن الشعراء الاخرين، حيث قادة حداثة شعرية بعيدة عن النخبوية والتعقيد، إلى لغة مبسطة ومفهومة، تستفيد كثيرا من الخطابات اليومية، بتآلف عناصرها عبر ذلك الخيط السردي الذي يملكها بالتشويق والامتاع عبر أفكار وصور جمالية.

 في بغداد.. لقاء مع نزار قباني 

بمناسبة ذكرى رحيل الشاعر نزار قباني، يجدر بي أن أعيد نشر نص الحديث الصحفي الذي أجريته معه على هامش الدورة التاسعة لمهرجان (المربد)الشعري، وقد ألقى قصيدة تحمل عنوان: مربد 88. 

 سألت نزار في بداية الحديث: قصيدتك الشعرية (مربد 88) والتي اعتبرت بمثابة “بيان شعري”، ألا ترون أنها تحمل موقفا تحريضيا لقتل الرتابة في الشعر العربي المعاصر؟

 ج / أقول إنه ابتداء من المربد التاسع يجب أن تكون هناك حركة انقلاب شعرية، أما أن نوالي قراءة أشعارنا كما يوالي المشايخ القراءة على الفواتيح على القبور، فهذا أمر مرفوض؛ أنا قاس جدا على الشعر العادي، وأرفض أن يتحول الشعر إلى قطعة من اللحم في الثلاجة، لأن وظيفة الشعر هي الاصطدام بالعالم من أجل تغييره، ما قيمتي كشاعر إذا لم أغير العالم؟ وماقيمتي إن أصبحت شاهد زور على القبح والبشاعة والقمع والإرهاب؟ كما أنني أقول الشعراء لأنكم يجب أن تكونوا بكامل وعيكم حين تخاطبون الجمهور، لأن الشعر نظام لا فوضى وتسكع، وأنا ضد كل الدكاكين الشعرية؛ أنا لا أقصد شخصا بعينه، فالشاعر الكبير يصرخ من أجل قضية، وليس من ضد شخص معين! 

س / ألا  ترون الآن بأن العديد من النصوص الشعرية بعيدة كل البعد عن ظروف وواقع المجتمع العربي؟ 

كنت أقول دائما بأن الطريق للخروج من البئر العميق الذي يختبئ فيه واقعنا العربي، يجب أن يبدأ بحرق النفايات العربية، وما أكثرها على أرضنا من المحيط الى الخليج، علينا أن نجرف العاهات، ومن تم نبدأ بزراعة الورود، لأن الورد لا تنبث في المزابل – وأنا آسف لاستعمال هذه التعابير القاسية – لانني لم أتعود أن التف حول الكلمات في حياتي شعرا ولا نثرا، ولا أريد الآن أن أطلق النار على البشاعة والقبح والأمراض العربية، وعلى كل المشوهين الذين يمثلون على المسرح العربي.. لقد ضجرت من هذه المسرحية التي تتكرر لحياتنا كل ليلة، لا تتغير فيها الادوار؛ لقد أصبح النص الشعري لا يليق بالحديث السياسي، ولا بانشغالات المواطن العربي، لقد أصبحت قامات الشعراء تحت الصفر، وتحت الشعر، وانتصر السيف على الشاعر.. إن الشعر الذي لا يمتلك وسائل الحياة، هو الشعر الذي ينقرض، أما مهمتي فهي أن أنقل الحب من الغرف المظلمة المغلقة إلى الحدائق والشوارع، وأن أنقله من المحرمات الى القداسة…  إن الحب ليس عار، فهو حركة طبيعية بين الكائنات الحية، فالإنسان هو المعقد، وعقد معه الأشياء من حوله، بما في ذلك الأشياء الجميلة، ولطالما بقي الشعر مخلصا في تعبيره عن مشاعره من الجنس الاخر فهو باق.. 

س /. يقولون إن نزار قباني هو شاعر المرأة، لا شاعر الأمة، ما رأيك في هذا القول؟

 ج/ إن المرأة لاتزال في بعض أجزاء الوطن العربي تباع تشترى بالكيلو، يبادلونها بالنوق والسجاد وبأكياس القمح والطحين؛ والرجل هو مالك الأرض والعقار، هو الأناني والإقطاعي الأكبر؛ لقد قاتلت أزيد من أربعين سنة من أجل المرأة، ونقلت المرأة من شريحة تفترس بالأنياب، إلى زهرة تشم بالأنف وإلى قصيدة شعر.. الشعر مرتبط بالأمور وبالجسد الإنساني كيميائيا وعقليا ونفسيا، وعلى الشاعر أن يعترف  بكل هذه العوامل الطبيعية التي هي ذات العوامل التي تنظم حركة الطبيعة؛ فكما تعلو الأشجار وتثمر وتتساقط أوراقها تم تموت، فإن الشاعر معرض لنفس القوانين.. إلا أن أهمية الشاعر تبقى في روح تشتغل بقوة في قصائد يصعب تجاوزها أو التقليل من أهميتها.. 

س /. وفي أي موقع تحتله بلقيس في أشعارك؟ 

ج / (….) بلقيس أهم ما فيها أنها كانت صديقة أشعاري، كانت اِمرأة استثنائية في حياتي.. ما كانت تغار من القصيدة أبدا، فأنا  لا أحاور إمرأة لا تفهم أبجدية الشعر، عليها أن تكون فدائية وإنتحارية من الدرجة الأولى!! 

(بغداد نوفمبر 1988).

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد العلي جدوبي

صحفي مغربي