رحيل رسام الكاريكاتير المغربي عبدالسلام المريني
عبد الغني الدهدوه
بعد صراع مرير مع المرض، أسلم فنان الكاريكاتير الطنجي عبدالسلام المريني (70 سنة) الروح لباريها صبيحة الخميس 24 فبراير الجاري.
شكل المريني حلقة وصل بين أجيال رسامي الكاريكاتير المغربي: جيل الستينات المؤسس وجيل التسعينات الجديد، وعلى الرغم من تأخره نسبيا في النشر الصحفي، بيد Hنه لم يبدأ النشر إلا نهاية الثمانينات في صحف طنجة النشطة، إلا أن المريني سرعان ما حاز إعجاب الجميع، برسوماته الدالة الناطقة بهموم الناس، ولئن كان المريني نشر معظم أعماله في صحف محدودة الانتشار، إلا أن ذلك منحه فرصة الاحتكاك بقامات إعلامية مرموقة وطنيا، كانت تتواجد آنذاك على رأس الاعلام في طنجة، نخص بالذكر هنا الراحل خالد مشبال الذي كان ضمن أسماء قليلة في الصحافة المغربية على دراية بفن الكاريكاتير، على اعتبار أن الرجل كان قد نهل من تجربة مروره ببيت المغرب في القاهرة، واستفاد من الصحافة المصرية التي عمل فيها لبعض الوقت كمحرر لشؤون شمال إفريقيا، لذلك حرص عند عودته للمغرب على تأسيس صحف مثل (الموقف والموقف الأسبوعي) فجر الستينات، عرفت باحتضانها لفناني الكاريكاتير بجهة الشمال، أمثال الراحل عبدالسلام عباد، وشقور التطواني. كانت الصحيفتان تخصص لهما صفحات عديدة، وأحيانا كانت تفرد لهما الصفحة الأولى.
.الى جانب مشبال نجد دور أحمد افزارن القادم من محطة “ميدي آن” الإذاعية إلى الإعلام الورقي المحلي بطنجة، والذي كان قريبا جدا من الفنان الراحل..
شكل المريني طفرة في مسيرة الكاريكاتير الصحافي الطنجي علي مستوى الفكرة، حاول المريني أن يقدم فكرة واضحة، بسيطة، مكثفة ومختزلة، منفذة بخطوط سميكة مظللة بخطوط دقيقة متقاطعة، مستعملا أدوات زهيدة في الرسم، مثل الحبر الصيني والريشة، وفي التعليق انحاز المريني إلى الدارجة المحلية، بل أوغل في ذلك ليكلم شخوص لوحاته بلهجة جبلية تمتح من بلدة “نوينويش” المحاذية لطنجة، لتأثره بساكنتها الذين سكن بينهم وأحبهم وأحبوه..
تعامل المريني مع عدة صحف طنجية، ويمكننا القول إنه طبع هذه الصحف مع مادة صحافية كانت موضوع أخذ ورد في الصحافة المغربية آنذاك، لعوامل يضيق هذا الحيز للتفصيل فيها، ومن مفارقات المريني الغريبة تناوله للشأن السياسي بالرسم، مع امتعاضه الشديد الحديث في أتونها، وقد ألفنا منه تبرمه وصمته، حين نخوض في موضوع سياسي في جلساتنا الطويلة في المقهى، فلا يكاد ينبس ببنت شفة إلا إذا غيرنا الموضوع.
صمم المريني شخوصه على شكل أسرة نموذجية كموديلات اساسية في أعماله، جعلها ناطقة وحاملة لما يريد تمريره للمتلقي، اجتماعيا وسياسيا وبيئيا.. وشكل خلال التسعينيات صحبة صديقه الساخر محمد وطاش، ثنائيا مبدعا حين تعاونا في تحرير صفحة أسبوعية ساخرة سماها: “الكشكول الساخر” احتضنتها جريدة “الخضراء”..
أصدر المريني جريدة “الشمال الساخر” و”الوشاية الساخرة”، وكان لديه ترخيص بالنشر لجريدة “كاريكلام”، وترأس تحرير بعض الصحف، أذكر منها أسبوعية “الآفاق المغربية” و”صباح اليوم” في مرحلة من مراحلها..
نال المريني بعض الجوائز القيمة في مسيرته الفنية، بالرغم من أن مشاركاته في المسابقات كانت نادرة، ونال حب الطنجيين بفنه ولباقته وتواضعه وأسلوبه في التواصل مع الناس.
واجهت المريني صعوبات جمة في حياته، فالرجل عاش علي الكفاف وعزة النفس، وبقدر ماكان يخفي عنا معاناته، كان صمته يتكفل بالبوح بها، ويبقي أكبر حادث آلمه في مسيرته الفنية هو الاغتيال المعنوي الفظيع الذي تعرض له حين التهمت النيران أرشيفه الفني، ومتعلقاته الشخصية، بفعل فاعل تغيب عنا تفاصيله إلى اليوم، علي اعتبار أن المريني تكتم عن هذه الحادثة المؤسفة، على غرار أشياء كثيرة دفنها المريني في صدره..
عاش المريني حياة صعبة غاية في التعقيد، تعامل معها بلامبالاة وسخرية سوداء، رافقته سيجارته على مراحل من حياته، لم تنفع نصائح الأطباء في إبعادها عنه، وكان يردد قبل أن يولع الواحدة منها: “وَدَاوِنِـي بِالَـتِـي كَـانـتْ هِـيَ الدَّاءُ !”..
رحم الله الفنان عبدالسلام المريني وأكرم مثواه.