في نقد وثيقة الحزب الشيوعي اللبناني: أين شعار “كهربة لبنان”؟(3)

في نقد وثيقة الحزب الشيوعي اللبناني: أين شعار “كهربة لبنان”؟(3)

حسين قاسم

يقدم عضو المكتب السياسي السابق في الحزب الشيوعي اللبناني حسين قاسم قراءة نقدية لمشروع الوثيقة السياسية التي قدمتها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني للمؤتمر الثاني عشر للحزب الذي عقد في مطعم الجسرـــــ الدامور ننشرها على حلقات وهنا الحلقة الثالثة يناقش فيها ما ورد تحت عنوان التوجهات البرنامجية 

التوجهات البرنامجية 

أولاً أود ان أوضح إنني اناقش وثيقة مكتوبة مُعلنة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الاعلام، وقد تم تنظيم عدة ندوات علنية لنقاشها مما شجعني أكثر للمساهمة في تلك الورشة، ثم وكما هو معلوم فإن النقاش الصحيح هو النقد أكثر من الاشادات، بل أزيد بأنني وددت نقد النص المُعلن أكثر من نبش نوايا واهداف من اصدر الوثيقة، ولنقد النص أصول اولها ان من يود معرفة ما كُتِب يُفترض به قراءة الوثيقة أصلاً، ولتسهيل الأمر على المتابع، لجأت إلى الاشارة إلى عناوين النصوص وأرقام الصفحات، ولا بد من الإشارة الى النقد والنقاش يعمق الحوار ويعمق وحدة القاعدة الحزبية، فالوحدة المفروضة بقوة العاطفة والطاعة هي أضعف بكثير من الوحدة التي تقوم على التفاعل والحوار، فالحزب الواثق من نفسه ومن قدرته لا يخشى النقد ولا الحوار حتى ولو كان النقد جارحاً وقاسياً فكيف ولو كان حريصاً. 

 أما بعد، ورد في سياق أكثر من نص عبارة ضرورة تحديد سماة المرحلة الراهنة، لكن كانت الأجوبة تمر كإستطرادات فتضيع بين ثنايا الوثيقة التي بلغ تعداد صفحاتها ال ٢٥٣ صفحة، لكن الموضوع ليس هنا، إنما يُكمن أصولاً في تحديد دقيق لسمة المرحلة الراهنة كي يتبلور برنامجاً دقيقاً للحزب الشيوعي الذي اشتهر في تحديد سمة المرحلة في أوانها وزمانها، وعندما أضاعها في بعض مراحل نضاله اضاع البرنامج ونُمي بخسائر جمة. ذكرت الوثيقة في مقدمة “التوجهات البرنامجية” ص ٢٢٥، إنه في مواجهة هذا الانهيار الحاصل، اصبحت المهمة المحورية للحزب الشيوعي والقوى اليسارية والديمقراطية تتجسد في بلورة مشروع سياسي بديل…….، ليستكمل بنص طويل فيه تكرار بحيث تضيع معه مسألة تحديد المهمة المحورية، بيد إنه وبهذا الإطار سأورد كيف حدد لينين النقطة المركزية تبعاً للمرحلة المعينة، وذلك للإشارة وليس للنقل الحرفي، بعد انتصار الثورة البلشفية طرح لينين شعار من جملة بسيطة وهي ضرورة وقف الحرب الاهلية في روسيا، أما الأهم ما ورد بعدها وهي بعد تمكنه من وقف الحرب، أعلن شعاره الشهير وهو مشروع “كهربة البلاد”، فهل هناك أروع من رفع شعار “كهربة لبنان”، الكهرباء التي كلفت اللبنانيين أكثر من نصف الديون، ورغم ذلك فإن البلاد ترزح في ظلام دامس، عدا عن الأزمات الأخرى التي سيتم التعرض لها لاحقاً. 

كان ممكناً طرح هذا الشعار لو أن لبنان بلد سيد حر، لكن بما أن سيادة البلد مفقودة، وإرادته مسلوبة، وقراره مُصادر، فإن طرح أي شعار آخر غير ممكن ولا جدوى منه ولن يتحقق حتى لو طرحته البرجوازية اللبنانية وسلطتها الحاكمة، لتذكير اصحاب الذاكرة المثقوبة ومن خلالهم للأجيال الشيوعية الشابة، إنه بعد اندحار العدو الاسرائيلي وتحرر لبنان في العام ٢٠٠٠ أصدر المجلس الوطني( اللجنة المركزية) بياناً في ٧ تموز من العام المذكور فيه نقطة محورية واحدة وهي، بما أن البلد تحرر من الإحتلال الاسرائيلي، صار لبنان وطن ولم يعُد ساحة أو ملعباً لأحد، فإن الحزب الشيوعي يطالب بإدخال الجيش اللبناني إلى الجنوب، وكذلك إنسحاب القوات السورية تبعاً لإتفاق الطائف، لكن الذي حصل بعدها أن الدنيا قامت على الحزب ولم تقعد، وحصل ما حصل من تطورات خارجية وداخلية بالحزب، بحيث استأنست القيادات المتعاقبة على مرجوحة رخوة، تتأرجح يُمنة ويُسرة تبعاً للرياح العاتية التي ضربت لبنان من كل حدبٍ وصوب.

 إذن هنا تقع مكامن الازمة، وهنا الضياع المستمر في عدم تحديد النقطة المحورية للحزب راهناً، بحيث يبدو الإرتباك بأبهى وضوحه عند وصول الوثيقة إلى الفقرة المعنونة تحت شعار “ما العمل وما البديل المطلوب” ص ٢٢٦، في الفقرة الأولى التي توصي على تفكيك التبعية، فهي تتجه بإتجاه واحد هو القوى الاستعمارية ومرادفاتها دون أي ذكر لتدخلات ايران وسوريا، أما في الفقرة الثانية عن إمتلاك الحزب لمشروع سياسي فتكرر الوثيقة ما ورد في الفقرة الاولى، وهكذا حتى الصفحة رقم ٢٣١ وفي سياق الحديث عن التحالفات في الفقرة الرابعة تحدد الوثيقة طرق وأطر الدفاع عن الوطن، فيتم تجاهل واجب الجيش اللبناني والقوى المسلحة اللبنانية وتلك مسألة هامة جداً، والتي تقوم على بناء دولة مستقلة قادرة على حماية مواطنيها، لكن يأتي الإستدراك في آخر الفقرة ص ٢٣٢ في عبارة تتطلب التحديد أكثر، إذا لم نقل توضيحاً اكثر، والعبارة هي أن مواصفات الدولة التي نريد هي (العلمنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمقاومة)، فالإشكالية تتمحور حول العلمنة اي ان أزمات البلاد المتفاقمة والخطيرة وكذلك هل يسمح ميزان القوى الراهن تحقيق العلمنة؟.

ثم ورود نقطة اخرى هي المقاومة، إن تلك الكلمة المجردة من أية صفة تسمح برجحان تفسيرها نحو مقاومة حزب الله، ثم لو أن الأمر بقي عند هذا الحد لأمكن تفهمه لكنه بلغ حد إطلاق صفة المهمة الآنية بأن الهدف هو إنتاج سلطة بديلة لإدارة المرحلة الانتقالية في البلاد، وذلك في فسحة ضيقة من الوقت حيث أن تفاقم الأزمات المختلفة في لبنان قد يُنذر بإنفجار شعبي مفاجئ كما حصل في ١٧ تشرين العام ٢٠١٩ ولم تتمكن قوى التغيير من الإمساك به وقيادته نحو التغيير الفعلي، لو حصل لكان وفر على شعبنا آلام وأوجاع هائلة، خاصة أن قوى التغيير لم تتوقع ما حصل، فيما اليوم الجميع ضمن خِضم الأزمة وهي تملك الوضوح في رؤية مسار البلاد اللاحق. 

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين قاسم

ناشط ومحلل سياسي لبناني