أي مستقبل ينتظر المغرب؟
محمد بولعيش
هل هناك أمل في غد مختلف عن واقع يأبى أن يتحسن وتتحسن معه – ولو نسبيا – الأوضاع المعيشية للجماهير الفقيرة والمفقرة التي تزداد تدهورا باطراد؟
هل ستسير الأمور على نفس النسق الذي سارت عليه منذ مدة غير قصيرة؟
أم أن غدا مظلما ينتظر البلاد والعباد إذا ما واصلت سياسة التفقير والتجهيل والترهيب زحفها ساحقة كل تطلع للجماهير في رؤية واقعها يتغير نحو الأفضل؟
لكن، وللإبقاء على الجذوة الخافتة للآمال متقدة ينبغي أن يكون هناك فاعلون يعملون على ذلك، أن يساهموا في صنع هذا الأمل، أو على الأقل إيقاف التدهور والحد من انعكاساته السالبة لكل حق في توفير حياة كريمة للمواطنين في حدودها الدنيا.
فالحكومة المسؤولة نظريا عن تدبير شؤون البلاد لا سلطة لها، حكومة صنعتها أغلبية مفبركة لا برنامج لها ولا رؤية سياسية واضحة، تنفذ برامج تأتيها من خارجها وفق توجيهات وتعليمات تحدد عملها وتوجه قراراتها، وهي قرارات ترسخ سلطة المتحكمين في دواليب الدولة وتخدم مصالحهم ومصالح المحيطين بهم ومسانديهم وخدامهم ..
والبرلمان الذي من المفترض فيه تمثيل الشعب ومراعاة أوضاعه والدفاع عن مصالحه يخلد إلى راحة مستدامة ونوم عميق يسمع شخير أصحابه حتى خارج القبة المقدسة، لا يستفيقون الا حين ينادي المنادي أن هبوا للدفاع عن أوضاعكم وتحسين مداخيلكم رواتب ومعاشات وإنعامات وتعويضات، في تناقض صارخ مع الوعود التي ألقيت على قارعة الشوارع مرفوقة بأوراق نقدية خضراء وبنية وزرقاء أثناء الحملات الانتخابية في الاستحقاق الأخير (كما في سابقيه)، وقد رأى البؤساء الذين ركضوا وراء السراب هذه الوعود تتبخر وتتساقط مع أوراق الخريف، والأصوات القليلة المختلفة أو الرافضة فإما أنها تترك لحالها تقول ما تشاء وينتهي الامر (تجربة عمر بلافريج مثلا)، أو تُنتهز اول فرصة لمحاصرتها ونبذها (مثلما وقع مع نبيلة منيب في قضية التلقيح) ..
أما الأحزاب التي من المفروض فيها تأطير المواطنين وتوجيههم فهي نوعان:
النوع الأول تشكله مختلف الكيانات الحزبية المسماة إدارية والخارجة من عباءة المخزن ومباركة منه فلا يظهر لها أثر الا حين يُنفخ في الصور إيذانا ببدء الحملات الانتخابية وفتح أبواب المزادات العلنية والسرية، فتتزود بما يُسمح لها من مقاعد ومناصب معدة لها سلفا، بعدها تخلد إلى البيات لا تخرج منه إلا لضرورة التحوط لأخطار فعلية أو مصطنعة محدقة بهم وبمصالحهم. يضاف إلى هذه الكيانات ما درجنا على تسميتها سابقا بالأحزاب الوطنية الديمقراطية.
فحزب الاستقلال قد انضاف – ومن زمان – إلى زمرة الأحزاب الإدارية وشكل معها كتلة حكومية بالشكل الذي رأيناه، والتقدم والاشتراكية ألقي به إلى الهامش بعد اعتصاره في تجارب حكومية غير متجانسة لكن تم “تجنيسها” عنوة، أما الاتحاد الاشتراكي فقد رُمي في العراء وهو سقيم، وصار مصيره مثل الأيتام في مآدب اللئام، وآخر ما انتهى إليه زعيمه الديمقراطي جدا هو بدعة التثليث مع مؤتمره الأخير، ولن تقوم له قائمة بعد كل الذي حدث ويحدث، ليوضع حد نهائي لمسار حافل لحزب القوات الشعبية. هذه الأحزاب مجتمعة لن تقوم بتأطير الجماهير لأنها لا تعرف ما ستفعله بها إن هي فعلت، وحاجتها اليها حاجة موسمية وفق استحقاقات مبرمجة في الدوائر العليا.
النوع الثاني تؤثثه أحزاب اليسار التي من المفروض فيها نظريا تأطير وتوجيه نضالات الجماهير وحركاتها الاحتجاجية وتهييئها سياسيا وعمليا لتحقيق التغيير وتحسين أوضاعها الحياتية وضمان حقها في حياة كريمة توفر الشروط الإنسانية المعيشية ولو في حدودها الدنيا . هذه الجماهير هي الحاضنة الطبيعية لهذه الأحزاب اليسارية وعمقها الحيوي، لكن اوضاعها ليست أفضل من أحوال هذه الجماهير: صراعات داخلية متواصلة (لن يكون آخرها ما يعرفه حزب الطليعة) وأخرى بينية تتحكم وتتسبب فيها الذوات المتضخمة (بين الفدرالية والاشتركي الموحد مثلا)، والخلافات مستشرية وكأني بهذه الأحزاب لا تبحث الا عما يفرق، وتشرذمها وتباعدها، إضافة إلى ضبابية الرؤية السياسية المستقبلية وغموض في استيعاب الواقع ومتطلباته مما يجعلها تبتعد عن الجماهير وترفضها الجماهير لانها لا تعرفها ولا تفهم خطابها ولا مشروع عمليا لها يمكن تعبئتها حوله، بإستثناء الشعارات العامة التي تعني كل شيء ولا شيء، وقد رأينا كيف تعاملت أحزاب اليسار هاته مع الحراكات والحركات الاحتجاجية. أمام كل هذا وغيره أي مستقبل ينتظر البلاد التي تُدفع دفعا نحو المجهول.
وبما أن من يزرع الريح يحصد العاصفة وأن الضغط يولّد الانفجار، فلا يمكن توقع إلا الأسوأ في ظل استمرار الواقع في تدحرجه نحو الأردأ واستمرار المتحكمين في البلاد والعباد والناهبين لخيرات الأرض وما تحتها وما في بحار البلد والمالئين خزائنهم في الجنان الضريبية، غير مبالين بما يمور حولهم، وفي ظل استمرار أحوال اليسار في هذا المنحدر الرديء ..
لك الله يا بلدي !