نَقْد الصِرَاعَات الحَدِيثَة في اليَسَار المغربي (1-3)

نَقْد الصِرَاعَات الحَدِيثَة في اليَسَار المغربي (1-3)

عبد الرحمان النوضة* 

خلال شهر يُونْيُو 2021، وَقَعَت صِراعات سياسية حَادَّة فيما بين بعض قِوَى اليسار في المغرب. ومِن بين النتائج المُباشرة لِهذه الصراعات، نُسجّل:

 1) اِنْشِطار “فِيدِيرالية اليسار الديموقراطي” إلى شَطْرَيْن مُتَعَادِيَّيْن.

 2) انْشِـقَاق “الحزب الاشتراكي المُوَحَّد” إلى قِسْمَيْن خَصْمَيْن.

 3) تَضْيِيع قرابة 14 سنة مِن مَجهودات التَـقَارُب والتَعَاوُن فيما بين الأحزاب الثلاثة العُضوة في “فيديرالية اليسار الديموقراطي”، وذلك في ظرف أسبوع واحد فقط من شهر يونيو 2021؛

 4) خَلق أحقاد جديدة، وعداوات إضافية مُصطنعة، فيما بين العديد من قيّادات أحزاب اليسار. وَتَـفَاقُم تَشْتِيت قوى اليسار، وَإِضْعَافِهَا، وتَـقْـلِيص الثِّـقَة فيها.

 ولم يَسْبِق لِهذه الصراعات أن تَعَرَّضَت للتحليل والنقد (بشكل مكتوب). فما هو مَوقف المناضلين الماركسيّين من هذه الأحداث الهامّة؟

 وليس هدف النص الحالي هو تقديم نَـقد شامل لِأحزاب اليسار بالمغرب (حيث أن هذا النقد الشامل موجود أصلًا في كتابي: “نقد أحزاب اليسار”(1). بَل هدف النَصّ الحالي هو فقط تحليل هذه الصِرَاعَات السياسية الحديثة فيما بين أحزاب اليسار، وتفكيك مَزَاعِمِهَا، ونـقد مُجمل السُلُوكِيَّات المُتَخَلِّـفَة، أو المُنحرفة، واستخلاص الدروس منها، في اِتِّجَاه تَسْهِيل التَحَرُّر من نَمَط التَـفْـكِير البورجوازي الصغير. ولا بُدَّ مِن أن نقول صراحةً لِقيادات قوى اليسار أنها ليست في المستوى الثوري المطلوب. ولا يُمكن إِتْـقَان مَهَام الحَاضِر، أو اِسْتِشْرَاف المُستـقبل، دون نَـقْد أَحْدَاث المَاضِي والحاضر.

 وبالنسبة للقراء المتواجدين في بلدان الشرق الأوسط، الذين لا يعرفون جَيِّدًا المغرب وأحزابه، نَبْدَأُ بِتَـقْدِيم لَمحة سريعة لَهُم عن قِوَى اليسار بالمغرب، قبل الدخول في تحليل تلك الصراعات ونـقدها.

 1- تَــقْــدِيــم سَـرِيع لأحزاب اليَسار بالمغرب

 كان اليسار في المغرب، بين سنتي 2000 و 2022، يتـكوّن من أربعة أحزاب. وهي الأحزاب التالية:

1) «حزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي»، تَأَسَّـس في سنة 1989. وكان كاتبه العام هو أحمد بن جلون، وَتَلَاه عبد الرحمن بن عمرو، ثمّ عَلِي بُوطُوَالَة.

2) «حزب الاشتراكي المُوَحَّد»، وكاتبته العامة الحالية هي نبيلة مُنِيب. وهذا الحزب هو نوع مِن الامتداد لِـ «منظمة العمل الديموقراطي الشعبي». وتكوّنت هذه “المنظمة” هي نفسها في شهر يوليوز 2002، مِن اتحاد ثلاثة مَجموعات، هي «الحركة من أجل الديمقراطية»، و«الديموقراطيون المُستـقلّون»، وشخصيات يسارية مستقلة. وفي سنة 2005، إِلْتَحَـقَت بهذه المنظمة” «حركة الوفاء للديمقراطية». وكانت قد اِنْشَقَّت عن «حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية». وبهذا الاندماج، تأسّـس «الحزب الاشتراكي الموحد» (PSU) في نفس السنة 2005. وكان أوّل كاتب عام هو محمد مجاهد، من سنة 2005 إلى سنة 2011. ثم خَلَفَتْهُ نبيلة مُنِيب في يناير 2012. ثمّ أُعِيدَ اِنتخاب نبيلة مُنِيب أمينة عامة لِوِلَايَة ثَانية (غير قابلة للتجديد) في يناير 2018.

 وَقد وُلِدَ «الحزب الاشتراكي المُوَحَّد» في عام 2002، ِمن خلال اندماج ثلاثة تَنْظِيمَات، هي:

 1) «منظمة العمل الديمقراطي الشعبي» (OADP) التي تأسّـست في عام 1983، بِزَعَامَة محمد بن سْعِيدْ آيْتْ إِيدَّرْ؛ 2) «حركة الوَفَاء لِلديمقراطية» بقيادة محمد السَّاسِـي؛

 3) «حركة الديمقراطيين المستقلين الأحرار» بزعامة محمد مجاهد.

3) «حزب المُؤتمر الوطني الاتحادي»، نشأ في شهر أكتوبر 2001، عبر انشقاق عن “حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”. وكان قائد هذا الانشقاق هو عبد المجيد بوزوبع. ثم اِنْشَقَّ هو نفسه عن هذا الحزب في عام 2006، لإنشاء “الحزب الاشتراكي”. وَمِيزَة “حزب المؤتمر الاتحادي” هي أنه يَرْتَبِطُ بِـ ، أو يَتَمَاهَى مَعَ، نقابة «الكُونْـفِيدِيرَالِيَة الديموقراطية لِلشُّغْل». وهي النقابة التي كانت في الأصل النقابة التَابِعَة لِـ “حزب الاشتراكي لِلقُوّات الشعبية”. وكانت نتائج “حزب المؤتمر الاتحادي” في الانتخابات البرلمانية هي: مقعد واحد (من أصل 325) في أيلول/سبتمبر 2002، 7 مقاعد في أيلول/سبتمبر 2007، وصفر مقعد في العام 2011، . وَأُعِيدَ انتخابُ عبد السلام لَعْزِيز مرّة ثانية (غير قابلة للتجديد) أمينًا عامًا لِـ «حزب المُؤتمر الوطني الاتحادي» في ديسمبر 2012.

 4) «حزب النَهْج الديموقراطي»، تَأَسَّـس في سنة 1995، وكان كاتبه العام هو عبد الله الحَرِّيف، ثمّ تَلَاه مصطفى ابْرَاهْمَا. ويقول قادة “حزب النهج” أن هذا الحزب هو «اِمْتِدَاد لِمُنظّمة إلى الأمام». وهذا غير صحيح. لأن “حزب النهج” يختلف عن “منظمة إلى الأمام” على مُستويات التَرْكِيبَة البَشَرِيَة، والخط السياسي، والأساليب التنظيمية، والأساليب النضالية، والتصوّرات التَاكْتِيكِيَة والاستراتيجية، إلى آخره.

 وتَتَـكَوَّن أيضًا جماهير اليسار في المغرب من بعض الجماعات، أو التـنظيمات المُتنـوّعة، والمُستـقلّة، وَفَصَائِل طُلَّابِيَة، وكذلك من مناضلين غير مُتَحَزِّبِين.

 أما “حزب الاتحاد الاشتراكي للقُوّات الشعبية”، وكذلك “حزب التقدّم والاشتراكية”، فقد كانا حزبين يساريّين خلال سنوات 1960، إلى بداية سنوات 1970. ثمّ تَحَوَّلَا بِالتَدْرِيج إلى حزبين مُحافظين، وَيَمِنِيَّيْن، وَرَأْسَمَالِيَّيْن، وَمُوَالِيَّيْن للنظام السياسي الاستبدادي القائم.

 وقد تأسّـست «فِيدِيرَالِيَة اليسار الديموقراطي» في سنة 2007، وغيّرت إسمها في سنة 2014. وكانت تَضُمُّ ثلاثة أحزاب، هي: الحزب الاشتـراكي الموحّد، وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتـراكي، وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي. أَمَّا حزب النهج الديمقراطي، فَكَانت عُضِوِيَته مَرْفُوضَة صَرَاحَةً مِن طَرَف مُكَوِّنَات «فِيديرالية اليسار الديموقراطي». وقد وَضَعَت أحزاب اليسار الثلاثة في «فِيديرالية اليسار» ثلاثة شُروط لِلْحُصُول على العُضْوِيَة في هذه الفيديرالية. وهذه الشروط هي: 

1) الاتفاق على عَدَم تَجاوز “سَقْف” المَلَكِيَة البرلمانية (أي رفض شعار «إِسْقَاط النظام السياسي»، ورفض مطلب «الجمهورية»)؛

 2) المُوافقة على أن الصحراء الغربية هي منطقة مَغربية؛ 

3) القَبُول بالمشاركة في الانتخابات العامة (أي رفض مُقَاطَعَتِهَا). وكانت الغَايَة العَمَلِيَة من هذه الشروط هي تبرير رفض مشاركة “حزب النهج” في هذه الفيديرالية.

 ومنذ سنة 2007، تسعى أحزاب فيديرالية اليسار الديموقراطي إلى اِنْدِمَاجِهَا في حزب يساري واحد. وكان مِن المُتَّـفَـق عليه بين الأحزاب الثلاثة (التي تُكوّن «فِيدِيرَالِيَة اليَسَار الدِيمُوقْرَاطِي» بالمغرب) أن يَتِمَّ اِنْدِمَاجها في حزب واحد مُوَحَّد، في سنة 2016. ومنذ قرابة سنة 2015، كانت هذه الأحزاب الثلاثة تُصَرِّحُ عَلَنِيَةً أنها تَـقَدَّمَت كثيرًا في مجال نـقاشاتها، وتـقاربها، وتـعاونها، إلى درجة أنها أصبحت، في بداية سنة 2021، «عَلَى وَشْك الإعلان عن اِندماجها قَرِيبًا جِدًّا في حزب واحد مُوَحَّد».

________

(1) يمكن تنزيل كتاب: رحمان النوضة، “نقد أحزاب اليسار بالمغرب”، نشر 2012، الصفحات 264، الصيغة 54، PDF، من مُدَوَّنَة الكاتب، عبر الرَّابِط التالي: https://livreschauds.wordpress.com/2012/06/15/ نَـقد أحزاب اليسار بالمغرب/

 

*مهندس وكاتب مغربي

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة