“لمكتوب” بين ضعف الكتابة وغياب الرؤية
رضوان التجاني*
بعد ثلاثين يوما، وثلاثين حلقة، ينتهي المسلسل الرمضاني “لمكتوب” الذي سجل أعلى نسب المشاهدة وأكثر السجالات والنقاشات، اهتم بعضها بالعمل الدرامي وتركز أغلبها حول تشخيص دور “الشيخة”، من منطلق أن المسلسل قدم الشيخة بشكل إيجابي في الحلقات الأولى.
إلا أن النقاش كان حول المنظور للشيخات وللفن ولتمثل ثقافاتنا وهوياتنا، وليس حول المسلسل نفسه فكرة وبناء، وحول التحكم في الأدوات الفنية والجمالية لإنجاح العمل شكلا ومضمونا.
فماذا عسانا نقول عن المسلسل بعدما أسدل الستار على الحلقة الأخيرة؟
شخصيا، ودون أن أنتحل صفة الناقد أو الخبير في المهن الفنية، لا أتردد في القول أنه مسلسل يصلح أن يكون مادة في معاهد الفن الدرامي، لتعلم ما يجب تفاديه في كتابة السيناريو (دون الحديث عن حقوق الملكية والتأليف). فمع توالي الحلقات والأحداث نجد أن مشاهد كثيرة تبدو من صلب الأحداث تُنسى (مطالبة البتول لحميد بالتتبع اللصيق لعمر المعطاوي، المطالبة بإقناع يوسف بادعاء أبوته للجنين المزعوم…)، وأخرى يتخلى عن تتمتها (تكليف هند بنايت بلو، وتوالي التكليفات بعدها دون جهد للتوضيح أو قضية اعتقال حليمة وتطوع صديقتها لتحمل التهمة، في حين أن فبركة القضية كانت قريبة من الافتضاح ليتم نسيان الموضوع، ولم تذكر الصديقة الحميمة قط …).
بالإضافة إلى ذلك يلاحظ ضعف التدقيق في هوية ونفسية وسلوك الشخصيات. فحتى المشاعر لا تعطاها الفرصة والوقت لتبنى وتقنع المتلقي، لنجد في كل حلقة تغيرات مفاجئة في التفاعل والانفعال وردود الفعل، ليصبح العمل مفككا يبعد الأحداث والشخصيات عن الواقع والواقعية، ويبعدها بالتالي على شد المشاهدين.
والأكيد هنا أن الضعف يكمن في كتابة السيناريو ويتضاعف بالنقص في إدارة الممثلين. من جهة أخرى أتساءل عن الحالات والنماذج الاجتماعية والقيمية التي يقدمها المسلسل، والرسالة التي يمكن أن يعمل على إيصالها. فهو يعرض من بين ما يعرضه تعدد الزوجات بتساهل وتطبيع حتى (ومهين أكثر عندما تقوم الزوجة الأولى بخطبة الثانية لزوجها)، وما هي الصورة التي يريد أن يقدم بها المسلسل الشيخة حليمة وبنتها هند؟ فإذا كانتا في البداية جديتين ومجدتين ومتوفقتين (الأم في عملها والبنت في دراستها)، ومقدرتين للصداقة وللعلاقات الإنسانية ومتشبتتين بعزة النفس، فإنهما تحولتا بدون إقناع إلى قمة الانتهازية والوصولية والجشع واستسهال وشرعنة كل الطرق للكسب المادي، على حساب الحد الأدنى من السلوك السوي والوازع الأخلاقي.
وإذا كان المسلسل يقدم تقابلا بين أسرة المعطاوي الغنية جدا و بين أسر فقيرة من حي شعبي، وتصوير الأولى بما يسود وسطها من كذب ونفاق وانتهازية، فإن الأسر الأخرى لم تتميز بسلوكات يرتاح لها المشاهد ويتعاطف معها، فهي تتماهى مع نفس السلوكات المرضية. كما أن كل الشخصيات التي تعرفنا عليها من الحي الشعبي نجدها مستعدة لبيع أي شيء مقابل المال (حليمة وبنتها، يوسف وأخته، صاحب الدكان…).
هذه بعض النقط والانطباعات التي ارتأيت تقاسمها من باب الاهتمام بالدراما، والرغبة في أن يتجاوز الفاعلون الفنيون النواقص التي تتكرر باستمرار، وخاصة في الكتابة التي تشكل الحلقة الأضعف من بين مكونات العمل الدرامي.
*ناشط حقوقي