ابراهيم سعدون.. أوكراني أسير حرب

ابراهيم سعدون.. أوكراني أسير حرب

د. خالد العزي

حكمت المحكمة العليا لمجلس النواب الشعبي في دونيتسك في 9 يونيو / حزيران الحالي، على المواطنين البريطانيين: شون بينر، وأيدن أسلين، والمواطن المغربى إبراهيم سعدون بالإعدام. وفقا لقوانين الجمهورية المصطنعة في مختبرات الكرملين الروسية، ويجب إطلاق النار عليهم.  ووعد الدفاع باستئناف الحكم، يمكن تقديم الاستئناف في غضون شهر. كما يمكن للمدانين أن يطلبوا العفو من رئيس مجلس النواب الشعبى. في هذه الحالة، يمكنهم استبدال الإعدام بالسجن المؤبد أو السجن لمدة 25 عاما.

 أعربت المملكة المتحدة والولايات المتحدة عن قلقهما العميق بشأن حكم الإعدام. وحث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على عدم التدخل في عمل النظام القضائي للجمهورية.

قامت المحكمة السريعة بجمهورية دونيتسك الشعبية المعترف بها فقط في روسيا، بإجراءات غب الطلب لمصلحة الدعاية الروسية، بإجراء محاكمات سريعة لأسرى حرب، اثنان من بريطانيا والثالث من المغرب،  وإنزال عقوبات الإعدام بحقهم لكونها أدانتهم بأنهم من الجنود المرتزقة،  الذين يقاتلون في صفوف المتطرفين الأوكران، مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن رئيس جمهورية دونيتسك الشعبية، دينيس بوشلين، سمح على الفور تقريبًا بالعفو عن الأجانب، فمن غير المرجح أن يتم تنفيذ الحكم.

لكن، ووفقا للقائد العام الأوكراني، كان الأسرى الثلاثة جميعا جزءا من القوات المسلحة الأوكرانية. وهذا يشير بوضوح إلى أنهم يعدون جميعا أسرى حرب، ويجب تلقيهم معاملة أسرى الحرب، بحسب قانون جنيف للأسرى، أي “لا ينبغي اعتبارهم مرتزقة”.

وعلى الفور أعلن  المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، جيمي ديفيز، إن سلطات المملكة المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء أحكام الإعدام التي أصدرتها محكمة في جمهورية دونيتسك الشعبية على جنديين بريطانيين، وتسعى إلى إطلاق سراحهم. كما ردت وزيرة خارجية المملكة المتحدة المتحدة، ليز تروس، تعليقا على الحكم أنّ “المواطنين البريطانيين أسيرا حرب، والحكم عليهما بالإعدام لا شرعية له على الإطلاق، و لندن تبذل قصارى جهدها لمساعدتهم. وقال رئيس مجلس نواب الشعب إن المدانين البريطانيين والمغربي يمكنهم استئناف الحكم فى غضون شهر.

إذا حاولنا الوقوف أمام القضية من جانب وجهة النظر الأوكرانية، فإن الدولة الأوكرانية فتحت باب التطوع للأجانب للقتال في صفوفها، ضمن عقد مع وزارة الدفاع، حماية لحقوقهم بحال تم اعتقالهم أو انتهت الحرب، كي لا يتم تسليمهم ومحاكمتهم كإرهابيين، وبالتالي فإن هذا البند يسقط مزاعم موسكو ومحاكماتها السياسية، التي شهدناها أثناء اعتقال  المعارض الروسي “الكسي نافالني”، ومحاكمته خلال عشر دقائق. ولا تزال هذه المحاكم غائبة عن عملية اغتيال المعارض السياسي “بوريس نيمتسوف”، الذي تم اغتياله بواسطة قناص لا يبعد عن قصر الكرملين سوى 50  متر،  ولاتزال المحكمة الروسية حتى الآن  تفتش عن القناص المجهول الذي أطلق النار من داخل الكرملين!

أما بالنسبة للمواطن المغربي ابراهيم سعدون، فهو مواطن أوكراني، يحمل الجنسية المزدوجة (المغربية والاوكرانية)، وهو طالب يدرس في أوكرانيا، شأنه شأن الكثيرين من العرب والأجانب الذين يحملون الجنسيتين ولم يتخلوا عن جنسياتهم الأصلية، ولكن كان عليهم الخدمة في القوات الأوكرانية، في إطار “الخدمة الاجبارية”، وهذا القانون متبع به أيضا في روسيا. وابراهيم، حاله كما حال رفاقه العرب، الذين تم انخراطهم في جبهة الحرب كمواطنين أوكران، ويوجد عرب من سوريا ولبنان والأردن يؤدون الخدمة الإجبارية، بسبب الزواج المشترك والابناء المشتركين، إبراهيم لم يأت من أرياف أو مدن المغرب للتطوع  في القتال، بل فرضت عليه الخدمة، وخاصة منذ بداية الحرب. وقد صدر قرار من الرئيس الأوكراني بالإلزام الإجباري للرجال من سن 18 حتى 60 عاما، ولايزال هذا القانون ساري المفعول في أيام الطوارئ.

إن إبراهيم، الشاب الصغير والرجل الصلب، الذي انتشرت صوره وهو في قفص المحكمة، بثياب الجيش، أثبت أنه مقاتل يقوم بواجبه تجاه دولة يحمل جنسيتها، ويقاتل كما حال الأبطال في الخنادق للدفاع عن الوطن، ولم يسجل عليه بأنه الشاب الهارب، بل الشاب الشجاع  المقاتل. .

إذن ابراهيم الشاب الصغير، أرسل للقتال على الجبهة، كونه مقاتل أوكراني، وكتب عليه أن يتواجد في منطقة المواجهة الأمامية، التي تعتبر مناطق خط النار في أوكرانيا الشرقية.

اعتقل ابراهيم في سيفيردونيتسك، حيث  تخوض مواجهات سرية، كشفت عن عجز روسيا وجيشها الثاني في العالم، في السيطرة على هذه المدن الشرقية التي ذاع صيتها بالتصدي لهمجية الجيش الغازي والمحتل،  وأنزل به العديد من الضحايا، وأسر العديد في صفوفه، وفي كما قدم المدافعون أعداد من الضحايا والأسرى.

لكن المشكلة هي أن قاضي الغفلة، الذي أعلن الحكم السياسي الدعائي ضد ابراهيم، تجاهل أن ابراهيم مقاتل  في الجيش ويحمل الجنسية  الأوكرانية، وأنه مقيم في أوكرانيا، وتعمد التعامل معه على أساس أنه مغربي مرتزق مجرم.

طبعا لروسيا قصة طويلة مع المتطوعين الذين يقاتلون معها، فهم متطوعون، حملان وديعة، والذين يقاتلون ضدها هم مجرمي حرب مرتزقة وإرهابيين، ولا يمكن التحدث عن مرتزقتها السوريين، والليبيين وكتائب فاغنر، والشيشان.. فهذا مسموح للإرهاب الروسي.

في المقابل انتقد مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان  حكم الإعدام الصادر بحق الجنود المتهمين بالارتزاق وممارسة جرائم الحرب. وأعربت المتحدثة باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان رافينا شامداساني عن شكوكها في أن يتمكن مجلس النواب من إجراء محاكمة عادلة.

لقد شهدت محاكم الدولة المصطنعة منذ عام 2015 ما يسمى بالإجراءات القانونية في هذه الجمهوريات المعلنة من جانب واحد، “لا ترقى إلى مستوى الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، مثل جلسات الاستماع المفتوحة، واستقلال وحياد المحاكم، والحق في عدم إجبارهم على الإدلاء بشهادتهم”. وأشارت إلى أن مثل هذه المحاكمات هي التي “ترقى إلى مستوى جريمة حرب”.

طبعا عندما تمت مراجعة الجيش الغازي “أي روسيا الاتحادية”، فإنها تمنعت على التعاون، وأعلن الوزير سيرغي لافروف بأنهم لا يتخدلون بعمل القضاء ليأخذ مجراه، واعتبر بأن جمهورية دونيتسك الشعبية المصطنعة من قبل قادة الكرملين، هم من يمكن مراجعتهم، وعلى الأمم المتحدة التعامل مع الجمهورية وليس مع روسيا.

بالطبع، هذا التوجه هو نوع من الدعاية السياسية التي يقوم بها نظام بوتين  في روسيا لتعويم الجمهوريتين غير المعترف بهما ومنحهما، بهذا العمل البلطجي نوعا من الاعتراف القانوني.

ويشير مدير مكتب الرئيس الأوكراني أليكسي أرستوفيتش، بأن هذا العمل الذي تقوم به روسيا ليس جديدا على بلطجية الكرملين، في التعامل مع القانون الدولي، لأنهم هم من يخترقونه من خلال شن الحرب على أوكرانيا، وهذه عملية سياسية، وهم أجبن من تنفيذ أحكام الإعدام الذي نطقوا به، لأن أوكرانيا لديها أسرى روس، ومن ومن جمهورتي المسخ  التي تحاول فرضها باقتطاعها من التراب الأوكراني. ويمكن لأوكرانيا الرد بالمثل، وبالتالي تأليب الرأي العام الروسي ضد الكرملين وضباطه  الأمنيين المتقمصين بمسوح القضاة.

ستقوم أوكرانيا بالمبادلة، وربما إذا اقتضى الأمر ستتم مبادلة رجل بوتين الأوكراني المعتقل فيكتور ميدفتشوك، “العميل الروسي في أوكرانيا”، كما يطلق عليه، وفي أبعد السيناريوهات المحتملة أن تقدم على فبركة تهم ضد هؤلاء المعتقلين، كأن يقال أنهم من أتباع داعش. وهذا خطأ مميت لهم، وسيكون الرد البريطاني انتقاميا في الميدان وفي بريطانيا ضد التواجد الروسي الكبير.

لكن هذا الاحتمال ضعيف جدا، إذ سيعود الأمر النهائي لروسيا، وأصلا روسيا لديها كتيبة من آزوف، التي كانت تقول بأنها دخلت لاجتثاتهم  وهي غير قادرة على فعل أي شيء، وتعمل يوميا على تبادل الأسرى مع كييف، ولو بطريقة مجتزأة.

بالنهاية، نرى بأن الأوكران يرون بأن العملية دعائية بحتة، وروسيا تتهرب كي تنجح  بتعويم دونيتسك عالميا، وبريطانيا تتحرك سريعا. إن القضية لن تأخذ الطابع التنفيذي، وستتعامل روسيا وفقا لمبدأ تبادل الأسرى، ولكنها تريد إنجاز “اكشن” سياسي، وأن تعطي دورا لهذه الجمهوريات الاصطناعية.

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني