الذكرى الــ 17 لاغتيال جورج حاوي: المجرم واحد والقاتل معروف

الذكرى الــ 17 لاغتيال جورج حاوي: المجرم واحد والقاتل معروف

حسين عطايا

تأتي الذكرى السابعة عشر لاستشهاد جورج حاوي، الرجل الذي لم يبخل يوما على وطنه بفكرة او بنهج سياسي، أو بطرح المبادرات واللقاءات في سبيل التقارب مع الآخر.

جورج حاوي اليساري المتمرس بالنضال، منذ منتصف خمسينات القرن الماضي، يوم انتسب للحزب الشيوعي اللبناني، متسلقا درج النضال، بدءا من النضال الطلابي، وصولا إلى العمل السياسي في صفوف الحزب، متدرجا بالمسؤوليات، إلى أن تم انتخابه في العام 1979أمينا عاما للحزب الشيوعي اللبناني.

كانت حياة الشهيد جورج حاوي “ابوأنيس”، وهو الاسم المحبب عند رفاقه ومحبيه، مليئة وعامرة بالنضال، إلى أن قدم روحه على درب الجلجلة، فسقط شهيدا في الواحد والعشرين من شهر حزيران ــ يوينو من العام 2005، بعيد موجة الاغتيالات التي تلت اسشهاد رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري والنائب باسل فليحان ورفاقهما ومن ثم المفكر والصحفي سمير قصير، إذ كان الرجلان سمير وجورج من أبرز الناشطين في ثورة 14 آذار التي أخرجت النظام السوري من لبنان، وفضحت ممارساته وممارسات أهل السلطة المرتبطة به، ولاحقا نجحت في نيل الأكثرية النيابية. وهو نهج لم يتبعه الحزب الشيوعي الذي أبقى على علاقته بالنظام السوري، ولم يشارك اللبنانيين وحدتهم في التطلع إلى تحقيق انسحاب الجيش السوري من لبنان وبسط سلطة الجيش اللبناني، مع تحرير لبنان من جيش العدو الإسرائيلي، وذلك تنفيذا لاتفاق الطائف، الذي دعا أيضا إلى حل الميليشيات للأحزاب اللبنانية.

من هو جورج حاوي

ولد في بتغرين في المتن الشمالي شرق مدينة بيروت، والده أنيس حاوي، والدته نور نوفل، متزوج من الدكتورة سوسي مادويان، ابنة أرتين مادويان أحد مؤسسي الحزب الشيوعي اللبناني في مطلع عشرينات القرن الماضي.

في بداية حياته، تأثر بأفكار أنطون سعادة مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي، قبل أن ينتسب للحزب الشيوعي اللبناني في بداية العام 1955، اتبع دورة داخلية على الصعيد الحزبي في لبنان، وكان من أبرز معلميه  نقولا الشاوي, وحسن قريطم، يوسف فيصل، وأرتين مادويان.

 كان أحد قادة الاتحاد الطلابي العام في أواخر الخمسينيات، وقد شارك في كل التحركات الجماهيرية والتظاهرات والإضرابات، وكان يقود معظمها. بعد أن تم  انتخابه كعضو في قيادة الاتحاد الطلابي عام 1957. وكان لفترة طويلة مسؤولاً للجنة العمالية ــ النقابية، سجن عام 1964 لمدة 14 يوماً لدوره في إضراب عمال الريجي، مع رفيقه جورج البطل وبعض قادة نقابة عمال الريجي، ثم اعتقل مع آخرين من قادة الأحزاب والقوى الوطنية، إثر مظاهرة 23 أبريل 1969 الشهيرة، تأييداً للمقاومة الفلسطينية، كما اعتقل عام 1970 بتهمة التعرض للجيش.

تم انتخابه أواخر العام 1964 عضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني، وكان أصغر أعضائها سناً، كما تم انتخابه  في عام 1968 كعضو في المكتب السياسي وفي اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، ثم انتُخب أمينًا عاماً مساعداً في اواسط السبعينات، ثم أميناً عاماً للحزب في عام 1979، وأعيد انتخابه في عامي 1987 و1992 قبل أن يقدم استقالته عام 1993.

انتخب رئيساً للمجلس الوطني للحزب في العام 1999. واستقال منه أواخر العام 2000. وكان أحد ابرز قادة الحركة الوطنية إلى جانب الزعيم الراحل كمال جنبلاط، كما انتخب نائبًا لرئيس المجلس السياسي للحركة الوطنية.

وعلى إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام صيف  1982، أطلق مع المرحوم محسن ابراهيم أمين عام منظمة العمل الشيوعي، في حينه بيان إطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية “جمول”، حيث بدأت على إثرها عمليات المقاومة بدءا من بيروت، وشملت كل المناطق اللبنانية المحتلة.

اغتيال جورج حاوي

صبيحة  الواحد والعشرين من شهر حزيران – يونيو، وكعادته في كل يوم، خرج جورج حاوي من منزله الذي يقطنه منذ زمن بعيد في منطقة وطى المصيطبة، فاستقل سيارته المرسيدس الكحلية، يرافقه سائقه ثابت بزي. وما أن بلغت السيارة تقاطع المصطيبة ــ الكولا، بجانب محطة وقود الزهيري، حتى حدث الانفجار الذي دفع السيارة لنحو عشرة أمتار، ليقضي حاوي على الفور، وتصيب شظية خاصرة سائقه الذي خرج من السيارة مستغيثا.

وقد لوحظ أن العبوة المستخدمة كانت من النوع الذي استخدم في اغتيال سمير قصير، وهي كانت موضوعة تحت مقعده مباشرة، وتم تفجيرها بواسطة جهاز تحكم عن بعد.

وإذ سارعت القيادات الأمنية والجهات القضائية إلى المكان، أفيد أن وزن العبوة هو 400 غرام، تسببت في حفرة أحدثها الانفجار، بلغ قطرها 18 سنتيمترا، وعمقها 5 سنتيمرات، وقامت القوى الأمنية بإجراء عملية مسح سريعة للمنطقة.

من اغتال جورج حاوي

لا شك بأن الاغتيال السياسي في لبنان مزمن، بدأ باغتيال رئيس الحكومة رياض الصلح في عمان الأردن، بتاريخ 17 تموز – يوليو ١٩٥١.

صحيح أن الاغتيالات توقفت حينا من الزمن وأعيد استئنافها في السادس عشر من آذار مارس من العام 1977، حين تم استهداف زعيم الحركة الوطنية اللبنانية وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي كمال جنبلاط، وتوالت عمليات الاغتيال فاستهدفت العديد من قادة الرأي ورجال الصحافة والإعلام والسياسيين، ومن ثم تجددت في الأول من شهر تشرين الاول -أكتوبر 2004، في محاولة لاغتيال النائب والوزير مروان حمادة. ثم  هدأت الأمور ما يقارب الأربعة أشهر وصولا إلى الرابع عشر من شباط- فبراير من العام 2005، حيث وقع الزلزال حين تم اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، ومن ثم استهدفت مجموعة شخصيات بغالبيتها من صفوف المعارضة اللبنانية المناهضة لوجود النظام السوري في لبنان، ولم يتوقف المسلسل الدموي حتى اغتيال المفكر لقمان سليم في الرابع من شباط- فبراير من العام 2021.

وجهت أصابع الاتهام مرارا وتكرارا ومباشرة إلى جهة واحدة تفضل التصفية الجسدية لخصومها السياسيين، معروفة الاتجاه والانتماء، وتحمل بصمات القاتل نفسه، وتستعمل الأدوات الإجرامية نفسها التي تتقن فنونها.

وبينما تم تحويل جريمة اغتيال جورج حاوي إلى المحكمة الخاصة بلبنان، والتي تشكلت على إثر اغتيال الرئيس الحريري، للنظر بكل عمليات الاغتيال التي سبقت وتلت جريمة الرابع عشر من شباط – فبراير، ومن بينها جريمة اغتيال الشهيد جورج حاوي.

من هذا المنطلق، وبناء على الأحكام التي صدرت عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان من قبل، وتتوجت بحكمها الأخير هذا الشهر، فبعد أن كانت قد أصدرت بوقت سابق حكمها على سليم جميل عياش، عادت وأصدرت حكمها الثاني في 16 حزيران- يونيو 2022، حيث حكمت غرفة الاستئناف في المحكمة بالإجماع على حسن حبيب مرعي، وحسين حسن عنيسي بالسجن المؤبد. وهي أشد العقوبات المنصوص عليها في النظام الأساسي والقواعد، وذلك عن كل جريمة من الجرائم الخمس التي أُدينا بها، وقررت أن تُنفَّذ العقوبات في الوقت ذاته.

ونتيجة هذين الحكمين الصادرين على المدعى عليهم، تكون المحكمة قد أكدت كل الأدلة والبراهين على قيامهم بالتخطيط مع آخرين طبعا، للقيام بتلك العملية. وبعد أن دانتهم المحكمة، وثبت بالبرهان القاطع أن الذي يقف خلف جريمة الرابع عشر من شباط- فبراير من العام 2005 وكل ما تلاها من جرائم، هي موقعة من جهة واحدة تسمى “حزب الله” اللبناني، حيث ينتمي القتلة المدانين لحزب الله، لا.. بل هم من الكوادر الأساسية في ذلك الحزب.

وبالتالي فاغتيال جورج حاوي لم يكن بعيدا عن مسار الجرائم الأخرى، وبالتالي لم يعد اللبنانيون ورفاق أبو أنيس بحاجة إلى أحكام جديدة، لأن الجهة المجرمة واحدة ومستمرة وفق مسلسلها المعد بدقة وبحرفية وتقنيات لا يمكن أن يمتلكها أفراد عاديون، بل نتيجة عمل جماعي مدروس من قبل مجموعة منظمة وتمتلك الأدوات والخبرات اللازمة.

إلى روح جورج حاوي وكل شهداء لبنان ألف ألف سلام وتحية.

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين عطايا

ناشط سياسي لبناني