الانتخابات التشريعية الفرنسية: ماكرون في مواجهة شرسة لليسار الراديكالي واليمين المتطرف

الانتخابات التشريعية الفرنسية: ماكرون في مواجهة شرسة لليسار الراديكالي واليمين المتطرف

إليان سركيس

جاءت نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية في مرحلتها الثانية، يوم الأحد الماضي، مفأجاة للمراقبين. إذ خسر الائتلاف الحاكم “معا”، الذي يقوده الرئيس إيمانويل ماكرون، الغالبية في الجمعية الوطنية، حاصدا 230 مقعدا، بينما استطاع “التجمع الوطني” اليميني التوجه، الذي تقوده مارين لوبان، تحقيق خرق وُصف بـ”التاريخي”، بحصوله على 89 مقعدا. بينما نجح الاتحاد الشعبي اليساري، الذي قاده جان لوك ميلنشون، في الحصول على 149 مقعدا، وبهذا اتسع حجم المعارضة اليسارية لماكرون، بعد أن توحد ضمن ائتلاف جمع أحزاب يسارية. فإضافة إلى “حركة فرنسا الأبية”، ضم أحزاب الاشتراكي والشيوعي والبيئة. أما حزب الجمهوريين اليميني فقد تراجع إلى المرتبة الرابعة، واكتفى بـ 76 مقعدا.

ويتوقع مراقبون أن تمر الخمس سنوات الباقية من حكم ماكرون بصعوبة وبحالة من عدم الاستقرار، مؤثرة على قدرته في قيادة البلاد ورسم سياساتها، نتيجة المعارضة التي ستراقب وتحاسب بقوة.

نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية هذه، ممكن أن تؤدي إلى أزمة بالبلاد، بعد فشل التحالف الموالي للرئيس ماكرون في نيل الأغلبية البرلمانية. لكن تحالف “معا” هو أكبر كتلة، وليست الأغلبية البرلمانية التي ستمكنه من الحكم وحيدا، علما أن الأغلبية المطلقة تبلغ 289 نائبا من أصل 577.

يتكون البرلمان الفرنسي من مجلسين، الأول الجمعية أي المجلس النيابي، ثم مجلس الشيوخ. وهي التي تنتخب الهيئة الناخبة من نواب الجمعية الوطنية البالغ عددهم 348 عضوا في مجلس الشيوخ. وفي الحالتين، من الصحيح أن المجلسين يتمتعان بسلطات مناسبة من الناحية الرسمية، إلا أن الجمعية الوطنية هي الاقوى بين المجلسين، حتى يستطيع ماكرون الحكم لابد من حصوله على الأكثرية النيابية، وطبعا وفقا لدستور الجمهورية الخامسة، الذي أقر في العام 1952، وينص على أن “فرنسا جمهورية ديموقراطية برلمانية ونظام سياسي رئاسي برلماني“.

ومن الواضح أن ماكرون قد يبقي على هذه الحكومة الحالية ولن يحلها، حتى يعود ويشكل حكومة جديدة، بل على العكس فهو سيتمسك بها. وبما أن اليزابيت بورن رئيسة مجلس الوزراء الفرنسي نجحت في الانتخابات، فإن هذا يعني أنها ستستمر، مع تغيير في التشكيلة الحالية، لا سيما الوزيرات اللواتي خسرن في الانتخابات ولم يحافظن على مقاعدهن، وهن بريجيت بورغينيون وزيرة الصحة، وجوستين بينان كاتبة الدولة المكلفة بالبحار، وإميلي دو منشلان وزيرة التحول البيئي.

 وإذا اضطر ماكرون إلى إشراك المعارضة، ستكون كارثة كبيرة، تزيد من الخطر والتشرذم، لا سيما وإنه دخل اليمين المتطرف واليسار المتطرف إلى البرلمان الفرنسي، أي ليس هناك حل وسط، وسيكون على ماكرون لعب دور الوسط مع الكتل النيابية.

ومن المرجح ان يستمر الرئيس ماكرون في اعتماد سياسة وسطية، أي لن تكون لديه مشكلة في تعيين اليسار أو اليمين، وهو الآن سيطرح موضوع المقاعد الشاغرة في الحكومة وسيعرف ماهية موقف الكتل التي حققت نجاحا في الانتخابات التشريعية، ولن يكون ماكرون معارضا لأي مرشح، فليس لدى الرئيس مشكلة في تعيين أي مرشح، بل همه هو ما إذا كان هذا المرشح قادرا على حل المشكلات ورفيع المستوى في عمله.

إذا السيناريو المرجح هو أن يبقى أنصار ماكرون أكبر مجموعة برلمانية، حتى وإن لم يفوزوا بالأغلبية إذ يمكن لهم مواصلة دعم الحكومة التي عينها الرئيس، ولكنهم سيواجهون معارضة شرسة من اليسار الراديكالي ومن اليمين المتطرف. لذلك ستكون هناك صعوبات في الحكم، ولكن بالنسبة لسياسة ماكرون فإن عليه أن يتمكن من جذب كتلة محايدة، مثل اليمين المعتدل. حتى تساعده في التشريعات.

وبالخلاصة، فإن التحدي الأكبر هو هل سيشكل ماكرون حكومة جديدة، أم سيبقي على الحكومة الحالية؟

الخيار الأسلم قد يكون الإبقاء على الحكومة الحالية، ولكن سيشكل ذلك تراجعا جزئيا في تعهداته، مثل مشروع قانون التقاعد، الذي لن يستطع تمريره قانونيا. كما أن الحكومة ستواجه صعوبات في تمرير تشريعات بشكل غير مسبوقة، ولذلك سيبقى على محاولات جذب أطراف من المعارضة المتصلبة، أكثر من أي وقت مضى، وعلى الأرجح أن يحاول جذب بعض اليمين المحافظ إلى حكومته كذلك. لكنه أمر ليس سهلا، بالنظر إلى كونه قد يشعل أزمة بين الخضر واليسار.

 الأمور معقدة قليلا، ولكن الرئيس ماكرون ستبقى لديه روح مرنة لجذب كل الأطراف، حتى يمرر بسلام فترة حكمه خلال الخمس سنوات المقبلة.

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

إليان سركيس

ناشط سياسي لبناني