بين نوال السعداوي وجورج طرابيشي.. صراع على القضيب…

بين نوال السعداوي وجورج طرابيشي.. صراع على القضيب…

جورج الراسي

من يظنون أنهم أمام مقال إباحي، فليغيروا وجهتهم فورا وينتقلوا إلى متابعة ملايين المجرات، التي تجاوز عمرها مليارات السنين.. فربما وجدوا ضالتهم في واحدة منها

نحن هنا أمام نقاش جدي، كتلك النقاشات والسجالات التي ازدهرت حتى سبعينيات  وثمانينيات القرن الماضي، حين ظن البعض أننا في طريقنا للعبور إلى مجرة أخرى

 قضيت تلك السنوات العشرين معتصما في مكتبي في باريس، على أحلى جادة في العالم، لا أغادره إلا لاستنشاق هواء الحي اللاتيني وزواريبه العابقة بالمشويات الشرقية

باريس في تلك السنوات كانت تعج بالكتاب والفنانين والصحفيين العرب، وهم في معظمهم من المصريين، الذين غادروا القاهرة مطلع السبعينيات بعد صدور لوائح السادات الشهيرة ضد مناهضي اتفاقيات كمب- دافيد. وكانوا قد توقفوا في بيروت في المرحلة الأولى من ترحالهم وعملت هناك مع معظمهم..

أما الجماعة الثانية، فكانت مكونة من اللبنانيين الذين غادروا بدورهم “قطعة السما” مع اندلاع القتال بين القبائل المتناحرة، سعيا ورا “قطعة جهنم”، في أي مكان آخر من العالم. لكن جهنم أبت إلا أن تلاحقهم حتى يومنا هذا

طبعا كان هناك أيضا عدد لا بأس به من السوريين والعراقيين. أما إخوان المغرب العربي فلا يعتبرون أنفسهم لاجئين، إذ هم من أهل البيت

في هذه الأجواء كنت أصدر في باريس مجلة “الحوار”، ضمن مروحة واسعة من المنشورات، وكان من الطبيعي جدا أن تكون ملتقى كل تلك الوجوه النيرة بخاصة غداة انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام1987.

وكان من الطبيعي أيضا أن يتناوبوا على الكتابة في المجلة، وأن يستعيدوا أجواء النقاشات الفكرية في أجواء مشحونة بكل انواع التوجهات

من أطرف تلك السجالات التي دارت على صفحات مجلتي، ذلك الذي جمع بين بطلة تحرير المرأة العربية الروائية والطبيبة نوال السعداوي، وبين المفكر والناقد والمترجم جورج طرابيشي، الذي كان يرفد المجلة ببعض إبداعاته من حين إلى آخر

أما الدكتورة، فأذكر أنها تواجدت في مكتبي أواخر العام 1988، حين كانت الانتفاضة الفلسطينية قد أتمت عامها الأول، وكانت محور اهتمام كل الأوساط العربية وغير العربية

صادف حينها أن جورج كان قد أصدر دراسة حول أدب السعداوي على ضوء التحليل النفسي، وضع لها عنوانا مستفزا، هو “أنثى ضد الأنوثة “!... فكيف يمكن لرائدة الدفاع عن حقوق المرأة أن تكون ضد المرأة..؟؟

لم يكن من عادة الدكتورة نوال أن ترد على ما يكتب عنها وعن آرائها من انتقادات وملاحظات وأبحاث، غالبا ما كانت تأخذ طابع الهجوم السافر. لكنها لم تتمالك نفسها هذه المرة من الرد على ما كتبه طرابيشي..

ذلك أنني من باب اللياقة أرسلت لها المقالة قبل نشرها، لكي ترى إذا كانت ترغب بالرد عليها حتى ينشر الرد مع النقد في العدد ذاته.

 واقع الأمر أنني كنت أحن إلى تلك المساجلات الثرية التي عرفتها الساحة الفكرية والأدبية العربية في وقت من ، والتي تكاد تنضب (سجالات طه حسين وتوفيق الحكيم ومجلة شعر وعبدالله العلايلي وصادق جلال العظم…)، وكنت قد جمعت معظمها في كتاب “أدبيات”، الذي أصدرته ضمن سباعية “ذاكرة بيروت الثقافية”…

ملخص ما قاله طرابيشي، أن كل واحدة من بطلات السعداوي تكره أنوثتها، وكل مظاهر تلك الانوثة، من شعر مسبل طويل، ونهدين بارزين، ونزيف شهري

وهي تحلم بأن تتخلى عن هذه المظاهر كلها، وتسعى جاهدة للانتقام من المجتمع الذي جعل المرأة في مرتبة دون الرجل

ويتخذ طرابيشي مثالا على ذلك ما جاء في بعض أعمالها، مثل قولها: “كرهت أنوثتها. أحسست أنها قيود.. قيود من دمي أنا.. ومن خلايا جسمي أنا.. تسلسلني بسلاسل من الخزي والعار.. فأنطوي على نفسي، أخفي كياني  الكئيب..”..

ويضيف في مكان آخر آنها امرأة قررت كيلا تكون امرأة، أو لكي تثبت أنها ليست امرأة، أن تقمع رغبتها الجنسية.. وهي امرأة قضت على نفسها بنفسها.. بأن تحيا في منفى بعيدا عن اللذة..!

عند هذا الحد انفجرت السعداوي في وجه طرابيشي، فاتهمته بأنه مسكون بفرويد..! وهذا صحيح إلى حد كبير، إذ أن جورج ترجم أكثر من عشرة مؤلفات للمحلل النفسي الشهير، إلى درجة أنه تقمص شخصيته وأمعن في تحليل أبطال  وبطلات الروايات، أسوة بما كان يلجأ إليه فرويد في تحليل نفسية الفنانين من أمثال ليوناردو دي فنشي..

وتضيف نوال أنه ليس من حق الناقد الأدبي أن يخلط بين الرواية والسيرة الذاتية

لا بل هي تذهب أبعد من ذلك حين تقول إن طرابيشي يريد أن  يظهر بطلات الروايات جميعهن دون استثناء، وكأنهن مصابات بعقدة الإخصاء، أو عقدة حسد العضو الذكري (العقدة القضيبية)، أو عقدة أوديب، لمن يفضلون التبسيط.. وغير ذلك من العقد النفسية التي تصاب بها المرأة الرافضة لأنوثتها، حسب تعريف فرويد لهذه الأنوثة.

صحيح إن طرابيشي ركز كثيرا على “عقدة القضيب ” عند المرأة، وذهب إلى حد اعتبار اهتمام المرأة بإبراز ثدييها كتعويض عن عدم امتلاكها قضيب… وهذه نظرية فرويدية بامتياز…. والله أعلم

لم تقف المشادة عند هذا الحد، بل أصر طرابيشي على كتابة رد على الرد، مستفيدا من رحابة صدري.. لكنني أعفيكم من الولوج إليه…. حتى لا نقع وإياكم….في المحظور..!!

لقد توقفت قليلا عند هذا السجال، لأنه آخذ طابعا خاصا… لكنه واحد من مئات السجالات التي حفل بها الفكر العربي في  وقت من الأوقات، قبل أن يتسلل الصدأ إلى خلاياه، ويتمكن منه القمع والكسل

اليوم نوال السعداوي وجورج طرابيشي كلاهما في دنيا الحق.. حيث تهدأ الأعصاب  وتتراخى الأطراف.. فلا مجال للصراع على دور “القضيب”.. إذ يقتصر الأمر في أحسن الأحوال على “حوريات”.. نصفهن السفلي ليس كما تشتهون..!!

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

جورج الراسي

صحفي وكاتب لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *