وزيرة إسبانية تعمل على توحيد اليسار من أمريكا

وزيرة إسبانية تعمل على توحيد اليسار من أمريكا

 مصطفى روض

قامت اليسارية الراديكالية، يولاندا دياث، وزيرة العمل والاقتصاد الاجتماعي في الحكومة الإسبانية، والنائبة الثانية لرئيسها بيدرو سانشيس، بجولة في الولايات المتحدة، وهي تحرك، ما يجب تحريكه من عناصر لم الشمل لمكونات يسارية، في أفق امتلاك لليسار التقدمي هويته والاشتغال على إستراتيجية عمودها الفقري، هو الاقتصاد الاجتماعي وشعارها الواقعي الذي حددت هدفه لتجسيد تلك الاستراتيجية هو العدالة والكرامة.

وكانت محطتها الأولى، هيأة الأمم المتحدة التي شاركت في واحدة من أهم أعمالها المخصصة للتداول في الاقتصاد العالمي، حيث قالت دياث بوضوح “نريد المراهنة على الاقتصاد الاجتماعي كمحرك لنموذج اقتصادي أكثر إنسانية وعدالة واستدامة”، معلنة أنه سيتم تقديم اقتراح قرار لمحاولة تعزيز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في مجالات عمل الأمم المتحدة، وبالتالي، فهي تسعى إلى إعطاء دفعة لنموذج الإنتاج هذا في المناطق المختلفة، وهو ما يعطى الانطباع بأن المرأة لا تتحدث من فراغ وإنما من فكر مستمد من اجتهاداتها الشخصية كيسارية متخصصة في المجال الاقتصادي، وكأيقونة نسائية تؤرق بحنكتها وصبرها وتكوينها الأكاديمي، كل رموز اليمين الإسباني الذين لا يرتاحون لصرامتها العلمية ولأسلوبها وهي تعمد في جلسات البرلمان على دحض كل الافتراءات السياسية، حتى تصحح لهم معلوماتهم الخاطئة سواء في المفاهيم أو الاقتصاد أو التاريخ، بل إن حسادها يوجدون حتى في بين اليساريين، بما فيهم قادة في حزبها بوديموس.

اليسارية دياث، التي شغلت منصب النائب الثاني في الحكومة، بعد أن استقال منه الزعيم السابق، بابلو إغليسياس، للمشاركة في الانتخابات الجهوية بغاية الظفر برئاسة حكومة مدريد، ثم اختفى في الظل بعد هزيمته المدوية، تألقت بشكل مذهل، فاكتشف الجميع بما فيهم بيدرو شانسيش، أنهم أمام شخصية يسارية استثنائية، غير مسلحة بالإيديولوجية بقدر ما هي مسلحة بالعلم كمعرفة والعقلانية كمنهج للعمل، فضلا عن مراكمتها لتجربتها في العمل الإداري والقانوني والسياسي. لذلك، وفي ظرف قياسي وجيز، ترك عملها كوزيرة عمل محنكة مردودا مهما في عدة مشاريع تفاعل معها بإيجابية المراقبون الموضوعيون وممثلو النقابات، وصارت أيقونة داخل الحكومة الإسبانية، وهناك من يشهد بتفوق شخصيتها على شخصية رئيس الحكومة بيدرو سانشيس، نظرا لأنها تشكل قوة اقتراحية استثنائية، وهناك كثيرون يقترحون بأن تصبح هي الزعيم الأول لحزب بوديموس، وهو أمر يزعج بابلو إغليسياس، الذي يفضل بدلها أن تكون زوجته مونيديرو، التي تشغل منصب وزيرة المساواة في الحكومة.

وهي تزور الولايات المتحدة للمشاركة في نشاط بهيأة الأمم المتحدة، رفقة العديد من وزراء بلدان تشاركهم هموم التحولات الاجتماعية والاقتصادية والباحثون عن آفاق تضمن البدائل لخروج شعوبهم من مشكلات الفقر وسوء التغذية، وتدهور الأوضاع الاجتماعية، وبناء اقتصاديات قوية وسليمة ومحاربة الفساد، ووجود حلول لمعضلات البيئية، وعلى رأسها التغيرات المناخية، فكرت دياث في أن تبحث لها في الساحة الأمريكية عن ممكنات تطوير اليسار، من خلال تحالفات واستثمار مقترحات لأفكار قابلة لتفعيلها في الواقع، بغاية الخروج بحلول يتجاوز بها اليسار تشرذمه وانشطاره، ليشكل قوة حقيقية انطلاقا من تلك الساحة التي هي مركز الامبريالية الأمريكية.

وأجمل ما قالته في هذا السياق، وهي تكشف عن مبادرتها تلك، بعد زيارتها ولقائها بممثلي النقابات الجديدة للشركة الكبرى “أمازون”، وقطاع مقاهي “ستارباك”: “إذا كان بيدرو سانشيس قد فضل العام الماضي اللقاء مع المقاولات في أمريكا، فأنا أفضل اللقاء مع النقابات الجديدة”. وبالفعل، كان لديها عمل مكثف وفق أجندتها، ضربت على أساسه عصفورين بحجر، وأدت من خلاله مهمتها الرسمية كوزيرة للاقتصاد، وفي نفس الوقت حركت الساحة اليسارية بلقاءات مهمة، كان أبرزها اللقاء الذي جمعها مع أيقونة اليسار الأمريكي بيرني ساندرز، وهو سيناتور مستقل، حيث بحثت معه إمكانية إقامة تحالفات دولية، واتفقا على تنظيم اجتماعات مستقبلية لبلورة أفكارهما في سياق فكرة التحالفات الدولية، ولاقتراح برنامج عمل واختيار آلية لتفعيل البرنامج المأمول.

ودياث، حسب مصادر إعلامية إسبانية، متشبثة بفكرة، تقول بأنها اقتبستها من المفكر الاقتصادي بول كروغمان، وهي أن الاقتصاد الاجتماعي يجعل من الممكن مكافحة عدم المساواة، وفي ذات الوقت، هو “أداة وأفق للتفكير في عالم أكثر عدالة وإنصافا”، إذ حصلت على دعم مختلف الوفود التي شاركت في أشغال هيأة الأمم المتحدة،  لكل ما طرحته من أفكار ومقترحات، وهم يستمعون لها باهتمام شديد، خصوصا تلك الوفود التي تمثل بلدانا مثل التشيلي، المكسيك، البرتغال، الأرجنتين، إيطاليا. وهذا الدعم غمرها بحالة اطمئنان وابتهاج جعلها تقول: “لدينا الإرادة والتحالفات والذكاء الفردي والجماعي لكي يكون لعملنا نتائج ناجحة”.

لا شك أن لليسارية دياث مستقبل رائد، وستكون أداة حقيقية في بناء اليسار الإسباني على أسس موضوعية، بعيدا عن شعبوية بابلو إغليسياس وخطاباته الثورجية التي يوظفها في البرامج التلفزيونية، حيث يمنح للإيديولوجيا مساحة أكبر ما يبعده مسافة كبيرة عن خطابات النضج السياسي الأكاديمي.

وتعريفا بهذه الشخصية اليسارية المنتمية لحزب بوديموس، نشير وفقا للمعلومات التي سبق أن استقيناها من بوابة وزارتها، أنها ولدت في مدينة “لاكورونيا”، عاصمة إقليم غاليسيا، عام 1971، خريجة كلية القانون والاقتصاد، وأكملت دراستها العليا في مجالات القانون الحضري والتخطيط الإقليمي والموارد البشرية، كما أجرت تدريبا تكميليا في مجالات الضمان الاجتماعي والتعاقد العمالي والإدارة و السلطة السياسية والنوع الاجتماعي. واكتسبت تجربة مهمة من خلال تعاونها مع العديد من مكاتب المحاماة، حتى تمكنت من التوفر على مكتبها الخاص لمزاولة مهنة المحاماة، ما جعلها تدافع مهنيا على قضايا العمال والنساء، وكانت، في ذات الوقت، مستشارة لعمال الصيد. وفضلا عن ذلك، راكمت تجربتة هامة في عمل المجالس البلدية ومجلس المدينة.

وهي اليوم المحرك الفعلي للاقتصاد الوطني، ومنقدته من كل ما ورثته حكومة بيدرو سانشيس من السياسات الاقتصادية لحكومة راخوي اليمينية، عاملة ما أمكن من انتشال كل ترسبات الليبيرالية المتوحشة، للدفع به نحو اقتصاد اجتماعي يقلص الفوارق الاجتماعية ويخرج الفئات المهمشة من دائرة التهميش، وينمي قدرات العمال في تدبير إنتاجيتهم، بضمان حقوقهم في أفق استدامتها بالتوازي مع الكرامة والعدالة.

Visited 5 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة