عندما غنى سعيد المغربي أمام ياسر عرفات وجورج حبش
من مذكرات الفنان سعيد المغربي
عندما غنيت في حضرة الرئيس عرفات والحكيم حبش في قاعة الجامعة العربية، في عز الانصهار التاريخي للمقاومة اللبنانية الفلسطينية، تلقيت سنة 1981 دعوة من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلى زيارة لبنان وإلى القيام بحفلات على جبهات القتال. لم أتردد في تلبية الدعوة. كنت دوما أحلم بأن أكون معهم، وأن ألبس زيهم، وأقاوم بعودي كسلاحهم. ركبت الطائرة وأنا خائف من عيون المخبرين. إنه إحساس دائم على كل حال. شأني في ذلك، شأن المحكوم عليه بالإعدام الذي ينتظر، بين الفينة والأخرى، قدره. عند وصولي إلى مطار دمشق الذي كان يستقبل مكان مطار بيروت المغلق بسبب الحرب، أخذني مناضلو الجبهة إلى مقرهم، بعدها أفهموني أن أبقى حوالي أسبوع في دمشق حتى ترتيب ذهابي إلى بيروت. كنت في حالة عصبية واندهاش، وتملكني خوف على نفسي أقسى من مطاردته لي في المغرب. باعث هذا الخوف كوني سبق لي أن غنيت أغنية ضد التدخل السوري في لبنان وأحداث تل الزعتر. أصدقائي الفلسطينيون ألحوا علي ألا أشير إلى هذه الأغنية تفاديا لوقوعي في مشكلة. في اليوم الثاني، قدمت حفلة للمناضلين الفلسطينيين بمخيم اليرموك في دمشق بعد أن استعاروا لي عودا لكوني ذهبت بدونه، خوفا من إثارة الانتباه.
لقد كانت الحفاوة والاستقبال يؤكدان على تقدير وحب «للمغرب» ولمنزلة «الجيش المغربي» عند السوريين باختلاف انتماءاتهم. انتشيت وقتها لهذا الحب كمغربي، وافتخرت بأني أنتمي إلى شعب «قومي» بامتياز في بلد قومي يعتبر القضايا القومية وطنية. في اليوم الثالث، أخذوني لرؤية عتاد الجيش المغربي في متحف خصص له في وسط العاصمة دمشق، لأتأكد بعدئذ أن وجودي في دمشق محبب.
بعد أسبوع كانت ترتيبات السفر إلى بيروت قد تمت، ليأخذني عناصر من المقاومة اللبنانية، هذه المرة على متن سيارة عسكرية للذهاب توا إلى مدينة المواجهة العربية الإسرائيلية حيث مصير الأمة له شكل ثان في بيروت . قطعنا البقاع والعرقوب وبعلبك لندخل بيروت الصامدة المسيجة بالمتاريس والأكياس الرملية، استعدادا لأية لحظة تستوجب التدخل ضد الاعتداءات العدائية التي لا تنقطع، كنا كلما وصلنا إلى معبر أو حاجز يستقبلك المقاتلون بالتحية والإعجاب والترحاب عندما يعلمون من طرف المرافقين أنني مغن ملتزم من المغرب.
ومن الطرافة أنهم كانوا يطلبون مني أن أغنيهم ولو مقطعا من أغاني مارسيل خليفة أو الشيخ إمام. بعد وصولي إلى بيروت وفي اليوم الموالي استرجعت أنفاسي دون وعي مني ودون سابق إنذار، لأن بيروت ولبنان كانت حاضرة عندنا نحن الطلبة في فاس إلى درجة أننا كنا نستبقهم في تتبع الأحداث. هكذا استقبلني مثقفو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين واقتنوا لي كهدية منهم آلة عود جديد. تزامن وجودي في لبنان مع أكبر حفلة سنوية تقيمها الجبهة بمناسبة عيد الانطلاقة فاستدعيت لها في حضرة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والحكيم جورج حبش ونايف حواتمة ومحسن إبراهيم وجورج حاوي في القاعة الكبرى للجامعة العربية، حيث لم يسعفني العود لجدته، فسلمني الأستاذ مارسيل خليفة عوده الذي كان من ضمن المشاركين في هذا العرض الموسيقي التاريخي مع فرقة الأرض. هكذا تقدمت إلى الجمهور الغفير وأنا في حيرة من كيفية الاستقبال. وفور تقديمي للجمهور من طرف مقدم الحفل كمغن ملتزم أتى مباشرة من المغرب الأقصى لمشاركة أبناء لبنان وفلسطين مقاومتهم، صفق الجمهور للمغرب ثم استقبلني بحفاوة بالغة لم أكن أتوقعها. هكذا غنيت بالمناسبة وكإهداء للمقاومة أغنية من أجمل أغاني ثورتي «النجمة الحمراء»، فما كان من القادة والزعماء ومعهم الحضور بكامله إلا أن غنوا معي نشيد المقاومة وتملى قلبي متجاوبا معهم في ملحمة صمود مشترك، كأنها أفراح من أقاصي جبال الأطلس وزغاريد من المغرب للمقاومة:
النجمة الحمراء
شعر معين ابسيسو لحن سعيد المغربي سنة (1981)
النجمة الحمراء والمتراس والبندقية
إلى الأمام يا بنادق الحرية
إلى الأمام وردة ومطرقة
إلى الأمام منجلا وخندقا
إلى الأمام سنبلة و قنبلة
تحيى الخطى الحمراء
في أرضنا الخضراء
إلى الأمام
أرضنا الحمراء قادمة
التين والزيتون للمقاومة
لا خطوة إلى الوراء
المجد للمقاومة
لوحدة السواعد المقاتلة
إلى الأمام
هاذي بلادنا هاذي أنهارنا
هاذي سماؤنا هاذي جبالنا
وهؤلاء القادمون من أشجارنا أطفالنا
فعبئوا بالقمح هذه البنادق
عبئوها بالورود والزنابق
وانظروا فكل شجرة
تعطي إلى الشهيد ثمرة
واسمعوا صيحة الجيل
الشعب وحده هو البطل
فرفرفي بنادق
رفرفي سنابل
رفرفي مشاعل
رفرفي جداولً…