اِحْتِـكَار الأَبْنَاك وَاسْتِبْدَادُهَا

اِحْتِـكَار الأَبْنَاك وَاسْتِبْدَادُهَا

  رحمان النوضة

   خلال السنوات الأخيرة، أقدمت البُنُوك في المغرب على التَصْعِيد التَدْرِيجِي، والمُتَـوَاصِل، في نَهْبِهَا للمواطنين الذين يُودِعُون أَمْوَالَهُم لَدَيْهَا. وَلِمَاذَا ؟ لأنها بُنُوك رَأْسَمَالِيَة.

    وَبَدَلًا مِن أن تَكُون البُنُوك الخُصُوصِيَة مُجْبَرَة على مُكَافَأَة الزُبَنَاء الذين يُودِعُون أموالهم لدى هذه البُنُوك، مثلًا على شكل فَوَائِد دَوْرِيَة مُعَيَّنَة، فإن هذه البُنُوك تَسْتَـثْـمِرُ أموال زُبـنائها كَقُرُوض، وَفي نـفس الوقت، تَـفْرِضُ هذه البُنُوك على زُبـنائها رُسُومًا مُتَعَدِّدَة، وَدَوْرِيَة، وَمُتَكَرِّرَة، وَمُتَصَاعِدَة.

   كما أن الـفَوَائِد البَنْكِيَة المَفْرُوضَة على الـقُرُوض، ظلّت في المغرب، ومنذ الاستـقلال في سنة 1956 إلى الآن، بَاهِظَة، بالمُقارنة مع فَوَائِد الـقُرُوض في كثير من دول العالم. وهذا كُلُّه استـغلال رأسمالي مُبَالَغ فيه، وَظَالِم.

    كَمَا تُـبَالِـغ البُنُوك في المغرب في مَا تَقْتَطِعُه من رُسُوم على  الحِسَابَات البَنْكِيَة لِزُبَنَائِهَا. حيث تَصَاعَدَت كل الرُسُوم التي تَـقْتَطِعُهَا البُنُوك بشكل مُسْتَبِد، مثل الرُّسُوم، والاِقْتِطَاعَات، وَرُسُوم صِيَانَة الحِسَاب، وَرُسُوم إِدَارَة  الحِسَاب، وَرُسُوم حِفْظ الأَوْرَاق المَالِيَة أو الأَسْهُم، وَرُسُوم الخَدَمَات البَنْكِيَة، الى آخره. وذلك دون أن يتحرك “البـنك المركزي” بالمغرب، ودون أن تُرَاقِبَ الحُكُومَة، ودون أن تَـكْتَرِثَ وِزَارَة المالية، ودون أن يَحْتَـجَّ البرلمان، ودون أن تَهْتَمَّ الدولة بهذا الاستـغلال الرأسمالي المُتَصَاعِد وَالفَاحِش. حيث أنهم كلّهم رَأْسَمَالِيُّون مُتَضَامِنُون فيما بينهم. وَحَيْثُ أنهم يعتبرون أن الاستغلال الرأسمالي المُفْتَرِس، هو عَمَل عَادِي، وَمَشْرُوع.

     وحتّى إذا اِشْتَكَى زَبُون بَنْك إلى “البـنك المركزي”، وَطَالَبَ بِإِنْصَافِه، فإن “البـنك المركزي” لا يهتمّ بِشَكْوَاه، وَلَا يُجِيبُه.

    وبدلًا مِن أن يَكُون “البـنك المركزي” لِلدَّوْلَة مُحَايِدًا، وَمُرَاقِبًا، وَمُحَاسِبًا، وَمُعَاقِبًا، لِلْمُخَالَفَات والانـتهاكات التي تَرْتَـكِبُهَا البُنُوك الخُصُوصِيَة، يَظْهَرُ أن نَقَابَة البَنْكِيِّين الكٍبَار، أي  «التَجَمُّع المِهَنِي لِأبـناك المغرب» (GPBM)، هي التي تُخِيـف  «البـنك المركزي»، وَهِيَ التي تُرَاقِبُه، وَهي التي تُوحِي إليه بِأَفْـعَالِه، أو بِتَوَجُّهَاتِه. وهذا أمر حَتْمِيٌّ في الرَأْسَمَالِيَة. وَمِن المُعَبِّر أنه لم يَسْبِق  «للبـنك المركزي» أن عَاقَبَ أيّ بَنْك خُصوصي على مُخَالَفَات مُفْتَرَضَة، على اِمْتِدَاد كلّ العُـقُود الأخيرة. لأن البُنُوك، بما فيها “البـنك المركزي”، يعتـقدون أن صِيَّانَة الثِـقَة في البُنُوك، لَا تَتَمَاشَى مع نَـقد البُنُوك، أو مُعَاقَبَة مُبَالَغَاتِهَا، أو مُخَالَـفَاتِهَا.

    وَلَا تُوجَد مُنَافَسَة حَقِيـقِيَّة وَكَافِيَة بين هذه البُنُوك. حَيْثُ تَـعْمَلُ هذه البُنُوك كَأَنَّهَا بِمَثَابَة كَارْتِل مُنَسَّـق، وَمُوَحَّد، وَاحْتِـكَارِي. وَإذَا أَحَسَّ زَبُون بَنْك بِسُوء مُعَامَلَة، أو بِاسْتِغْلَال مُفْرِط من طَرَف بَنْكِه، فإنه لا يـقدر على الانتـقال إلى بـنك آخر، لأن كل هذه البُنُوك تُمَارِسُ نـفس السياسة تُجَاه الزُبَنَاء.

    وحتّى السَّمَاح لِبُنُوك أَجْنَبِيَة بأن تـعمل داخل المغرب، لم يَأْتِ بِأَيَّة فَائِدَة لِلمُواطنين المغاربة. بل على عكس ذلك، سَايهَمَت البُنُوك الأجنـبية في تَصْعِيد اِسْتِـغْلَال زُبَنَاء البُنُوك المغاربة، وفي تَسْهِيل عمليات الـفَسَاد بين الداخل والخارج. كما أن الاِنْزِلَاق في خِيَّانَة التَطْبِيع مع الكِيّان الصَهْيُونِي الاستـعماري، سَهَّلَ هَيْمَنَة المُؤَسَّـسَات البَنْكِيَة والمَالِيَة المُتَصْيِنَة على المغرب.

    وما دام المواطنون مُنْـقَسِمِين إلى أفراد مُتَنَافِرِين، سَيَـكُونُون بالضّرورة ضَعِيـفِين، وَمَغْلُوبِين، وَعَاجِزِين، وَمُجْبَرِين على الاِسْتِسْلَام، وعلى الخُضُوع لِدِيكْتَاتُورِيَة البُنُوك الرأسمالية. أَمّا إذا تَـنَظَّمَ المواطنون وَتَوَحَّدُوا، سَيُصْبِحُ بِإِمْكَانِهِم هَزْم أَيٍّ كان، وَتَحْقِيـق طُمُوحَاتِهِم.

    وما تُمَارِسُه هذه البُنُوك الرأسمالية مِن اِسْتِبْدَاد تُجاه زُبَنَائِهَا، هو إساءة استخدام للسلطة (abus de pouvoir)، وخيانة لِلثِّـقَـة التي وَضَعَهَا المُوَاطِنُون الزُبَنَاء في بُنُوكِـهِم.

    وَبِصِفَـتِهَا مُؤَسَّـسَات رَأْسَمَالِيَة، لا تـعرف البُنُوك من سبيل لِلزيادة في أرباحها، سوى اِسْتِـعْـمَال التَـفَـنُّـن في التَحَايُل، والتَضْلِيل، وَالمَكْر، والتَمْوِيه، بِهَدَف نَهْب زُبَنَائِهَا

    ولا يوجد حل جذري لهذه المشاكل سوى عبر التحرّر مِن الرَأْسَمَالِيَة.

    وما دامت البُنُوك رأسمالية، يستحيل إصلاحها.

    (5 غشت 2022) 

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

رحمان النوضة

كاتب وناشط سياسي مغربي