تحطيم الأسطول البحري المدني المغربي
إسماعيل طاهري
لا تربط حاليا الموانئ المغربية بالموانى الاجنبية إلا 23 سفينة، منها 17 سفينة أجنبية لنقل المسافرين والبضائع، بعد أن انتقل الأسطول المغربي من عشرات البواخر إلى ست بواخر فقط. حاليا تؤمن 5 في المئة من المبادلات التجارية الخارجية. و20 في المئة من تنقلات المسافرين وفي القلب منها عملية مرحبا 2022.
…
بداية تدمير الأسطول بدأت بعد انهيار شركة كوماريت في 2012 التي كانت تملك وحدها ثمانية بواخر ومنها باخرة “بلاد” زهرة الملاحة البحرية الوطنية.
ولكن الأزمة بدأت منذ 2008، والخبراء يقولون إن للحكومة نصيب فيها.
…
المصيبة هي أن هذا الانهيار تم سنوات قليلة بعد دخول ميناء طنجة المتوسط الخدمة. والعكس هو الذي يجب أن يحدث.
ولولا البحرية الملكية والدرك البحري لاعلن المغرب بلدا غير بحري كجمهورية إفريقيا الوسطى أو منغوليا.
هذه هي الملفات التي يتعين على مؤسسات الحكامة فتحها كمجلس المنافسة والمجلس الأعلى الحسابات. سواء فيما يتعلق بالاختلالات المالية أو التدبيرية، أو حول مدى احترام دفاتر التحملات ذات الصلة بمدى الالتزام بتوقير الخدمة العمومية التي كانت تقدمها هذه الشركات العمومية قبل خوصصتها.
ونلاحظ مثلا اختلال في المنافسة التي تكاد تغيب أمام هيمنة الشركات الاجنبية على السوق. كما اعترف بذلك وزير النقل في البرلمان شهر ماي الماضي.
…..
جزء من أصل الحكاية
كانت شركة كوماناف- فيري شركة عمومية تهيمن على القطاع لكنها صارت في خير كان، بعد خوصصة أسهمها لشركة عائلة عبد المولى سنة 2009. وتم تحويل الاسم الى شركة كوماريت.
لكن عائلة عبد المولى دخلت في صراع مع مراكز نفوذ داخل الدولة وأمانديس الفرنسية وتحركت الجهات المتضررة من بلوكاج بلدية طنجة من طرف سمير عبد المولى، مسير كوماناف الذي ترأس بلدية طنجة خلال انتخابات 2007، ورفع شعار تحرير مجلس طنجة من الفساد وفسخ عبد التدبير المفوض مع فيوليا/أمانديس الفرنسية، وظل مجلس المدينة بدون أغلبية ولا ميزانية لمدة 18 شهرا، وانتهت المواجهة بعزله بعد تمرد حزب الأصالة المعاصرة/ البام عليه، وتم طرده من البام، وتنصيب شقيق إلياس العمري عمدة على طنجة. وأغرقوا عجلات شركة كوماريت على رأس سمير عبد المولى ورأس عائلته بكاملها، التي استنجدت ببنكيران وانضمت إلى حزب العدالة والتنمية وترشحت باسم حزبه خارج طنجة في 2011، وخلال الحملة الانتخابية قال سمير عبد المولى في فؤاد عالي الهمة ما لم يقله مالك في الخمر. ونجح الأب والابن عبد المولى في الانتخابات البرلمانية بدائرة سيدي قاسم، وفي عملية استعراضية حضر الابن سمير افتتاح البرلمان بسيارة فاخرة جدا تفتح أبوابها إلى الأعلى. وكانت رسالة سيئة لمراكز النفوذ داخل الدولة.
واختلطت السياسة بالإقتصاد والمصالح، لكن بنكيران وحزبه ناوا بانفسهم عن الملف بعد دخولهم للحكومة.
وعمر الملف طويلا في ردهات المحاكم الوطنية والأجنلية.
وظل مقر كوماريت الزجاجي الفخم يزين ساحة الأمم /فلسطين والعراق وسط مدينة طنجة، ولم تستعمله كوماريت إلا أشهرا معدودة ودخلت التصفيات القضاىية وظل عمالها (1356 عاملا) في اعتصاماتت مفتوحة لشهور أمام مقرالشركة المفلسة يطالبون بحقوقهم.
ويقال في صالونات طنجة حينها إن سبب بداية الانهيار هو الدخول في استثمارات مكلفة غير ذات جدوى، ومنها قروض وديون من البنوك خاصة (التجاري وفا والبنك الشعبي) بلغت 2 مليار درهم. ومنها بناء المقر الاجتماعي للشركة. وكذلك بسبب مقاومة “مسامير الميدا” من أطر كوماناف للمسيرين الجدد لكوماريت. فسقطت الشركة في فخ عدم أداء الاقساط الجبائية للموانئ الأوربية وأصبحت غير قادرة على تسديد الديون، مما عرض الاسطول للخطر والملاحقات الجزرية والقضاىية من طرف السلطات الميناىية الأوربية ومنها حجز السلطات الفرنسية لباخرة بلادي..
لهذا يجب فتح تحقيق حول تأخر إجراءات التصفية القضائية لشركة كوماريت، وفي سبب إغراقها في بحر الإفلاس المتلاطم. وهل لهذا علاقة بالسياسة. وهل كان قرار خوصصة كوماناف – فيري قرارا صائبا في الأصل؟
وهذا وحده مفتاح فهم أسباب انهيار وتدميرجزء هام من الأسطول البحري المدني بالمغرب.