“الرُّوخُو” في ضيافة الجلّاد قدُّورْ اليوسْفي (4)
شهادة المناضل محمد السريفي في “درب مولاي الشريف” (4)
… بعد ذلك أعاد الحارس الأصفاد ليدي والعصابة على عينيّ، ورافقني في الممر بين الزنازن، إلى حيث من المفروض أن أظل ممددا على الغطاء.
ودون أن أذرف دمعة واحدة عزيت نفسي في عائلتي وأقاربي، الذين جعلوا مني كائنا بشريا. أحسست – بموتهم الفظيع – أن هناك أشياء، بالمعنى المادي للكلمة، قد تكسرت بداخلي، وأن الإحساس بالألم قد اختفى أمام هذا الألم الأقسى، إلى حد يمكن بتر جزء من جسمي دون أن أشعر بأي جرح أو ألم. جسديا شعرت أن حياتي، أن ذاكرتي قد تم فصلها عني، وأن الموت قبل الموت الفعلي قد سكنني..
مرت أسابيع وشهور ولا أحد نادى علي، ولم أسمع من يطلب رقم 40، لا أستطيع أن أؤكد أني فعلا هنا أو في مكان آخر.
انزويت في غيابي.. صنعت فراغا في هذا الفضاء اللازمني حيث وُجِدت. أعلم أني لا أقدر على مشاركة أحد، وأني فقدت عائلتي وصديقتي ربيعة الجميلة حبيبتي وصديقتي.
كنت أعيش مجددا مع أقاربي، كنت أرى ذاك الأب أحمد الذي كنت معجبا به، ذاك الصياد الذي لم أره قط نائما، كان عاشقا للعدالة، تجرأ في أوقات صعبة على أن يتزوج أرملة إسبانية لها ثلاثة أطفال، هربت من إسبانيا فرانكو.
كنت أرى أمي “خوانا” كلها مرح وحب لذويها، لأخي وأخواتي.. شكرتهم ببسمة عميقة وامتنانات نابعة من أعماقي واحدا واحدا على ما قدموه لي.
وصمتُّ ..
أحد الرفاق وجد يوما قطعة صغيرة من صفحة جريدة في المرحاض، واستطاع بعد فك حروفها أن يعرف أن سايغون تحررت. كان فرحنا عارما، كنا نشعر أننا ساهمنا في الكفاح البطولي للشعب الفيتنامي .
وفي ليلة ضائعة من ليالي “درب مولاي الشريف” أعادوني إلى مكتب اليوسفي قدور..
لم أشعر بالمسافة التي قطعتها، ولم أهتم بما سيقع.
كانت رائحة الويسكي مهيمنة على الروائح الراقية المنبعثة من الحاضرين.
أخذ اليوسفي الكلمة وقال لي:
– “أبواك وصديقتك وأخوك وأختاك لا زالوا على قيد الحياة، كانت كذبة أبريل!!”…
جاء الخبر متأخرا، لم أرغب حتى في أن أبصق على وجهه، لم أشعر تجاهه لا باحتقار ولا بغضب،
ربما شعرت بنوع من الشفقة على هذه الحشرة البشرية.
لكني اليوم أعرف أن المصالحة غير ممكنة، إلا إذا اعترف هؤلاء المجرمون علانية بجرائمهم. (تمت)
ترجمها عن الفرنسية: محمد بولعيش
***
الروخو..
الرفيق الروخو (محمد السريفي)، القيادي في منظمة “إلى الأمام”، سار على نفس النهج الذي اختاره قياديون آخرون في المنظمة، مقتنعا بالعمل السري في مدينة لا يعرف عنها أي شيء (الدار البيضاء)، وظل صامدا ومتشبثا بالعمل السري الثوري المنظم إلى حين لحظة اعتقاله، حيث ذاق على يد الجلاد اليوسفي قدور كل أشكال التعذيب، مما جعل قدميه لا تقويان على السير لمدة طويلة، سواء داخل المعقل السري أو عندما أحاله الجلاد على المدعي العام الذي أرسله مباشرة إلى سجن “اغْبَيْلَة” السيء الذكر، عوض إحالته على المستشفى لعلاج تورم قدميه و انتفاخهما.
كان الرفيق الروخو ضمن الرفاق الذين انتقم منهم النظام في محاكمة 1977 بثلاثين سنة سجنا نافدة، قضى منها أكثر من 15 سنة بين أسوار السجن المركزي.
وما وقع للرفيق الروخو وقع لقياديين آخرين، مثل الفقيد عبد الله زعزاع، وعبد الرحمان النوضة، وعبدالله الحريف، و فؤاد الهيلالي، و ابراهام السرفاتي، وإدريس بنزكري، وأحمد آيت بناصر.
أما الفقيدان عبدالفتاح الفاكهاني وبلعباس المشتري فقد نالا بعد الاعتقالات في الحملة الثانية الرهيبة ما ناله رفاق الروخو في الحملة الأولى، وقد توفيا بعد خروجهما من السجن من جراء ما عانياه من تعذيب وحشي مفرط.
تحية للرفيق الروخو المناضل الصنديد المؤمن بقضايا الجماهير الشعبية التواقة للحرية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية.
(تعليق على الفيس بوك، كتبه عبد العزيز الميموني، معتقل سياسي سابق).